"أي خيرٍ سيظنّه النّاس بفتاة تسهر حتى منتصف الليل؟!"
تُلمّح بكلامها داخل غرفة الأساتذة الصغيرة نهاية الرواق إلى أنني منحلّة؛ هكذا انتقمت إحدى المعلمات بعد خلافٍ تافه وقع بيننا مدنّسة طهارة حجابها الأبيض!
على الأرجح، التقطت تذمري السابق لإحدى الزميلات حول عدم قدرتي على النوم رغم خلودي إلى الفراش مبكراً، ثم استغلته ضدي بدهاءٍ مع أول مفترق طرقٍ فصلنا، ووقتها، كان السهر مطولاً وصمة عارٍ لأي فتاة في زمن البراءة، وإن أصبح فيما بعد رفاهية لا تتوافر لمعظم المراهقين من أمثالي، والذين ينامون عادة في الصباح التالي!"يا لها من طريقةٍ مهذبةٍ لوصف معاناتي مع الأرق!"
بتهذيبٍ، أعدت تسديد الكرة في مرماها، ولأنني كنت محض طفلة حينها، لم أجد أمام سيل التوبيخ ونظرات الكبار المستنكرة عذراً أنسب من حالتي المزمنة مع "الأرق"، ذلك حتى كبرت وكبرت معي مشاكلي؛ لأدرك أن البعبع الحقيقي كان يقبع منذ البداية في عقلي لا تحت سريري، لا سيما وأن تلك لم تكن أول نكسةٍ تصيبني، ولا آخرها للأسف:
"درسنا اليوم عن أخوات كان"
كتب معلم اللغة القدير على السبورة بكفه العريض كجسده الضخم، قبل أن يبدأ حِصّته الثانية داخل الصف المكتظ بما يزيد عن العشرين تلميذاً، وتبدأ معها سلبيات التعليم البليد التي لا تحصى.
العديد من الطلاب جالسون بمقاعدهم طوال الوقت دون حركة، نفس المناظر الثابتة لدهرٍ أمام العيون، وأحدهم يتلو مقررات مناهج سئمت اختراقنا لخصوصياتها مراراً وتكراراً، فعاقبتنا بالملل والكسل والنعاس، وكانت أحلام اليقظة والغرق بعوالم التفكير عقابي المحبب.
"ومن أهم أخوات كان: أمسى، ظل، صار..."
أردف المعلم بينما يُفصل الأخوات بالطبشورة على السبورة الخضراء، وبما أن الوعي متى تهت بين ضفاف الخيال لا يعيدني إلا لمنبه قوي، كأن ينادي أحدهم اسمي مثلاً، خُيل إلي لحظتها أن المعلم يناديني، لذا نهضت أجيبه مسرعةً بكل ما أوتيت من حزمٍ وقوةٍ، فلا يلاحظن تجاهلي لدرسه ويغضب:
"نعم أستاذ!"
"هل من خطبٍ يا آنسة؟!"
"حضرتك من ناديتني للتو؟!"
"ناديتك!"