قليلون يدركون الدور الذي تؤدّيه الملائكة على مسرح الأحداث البشرية. ولكن لنا في سفر دانيال ما يكشف بشكل دراميّ عن ذلك الصراع المرير الدائر كل حين بين الملائكة الأطهار المُخلصين لله وملائكة الظلمة أعوان الشيطان (دانيال11:10-14).
هذا الشيطان, أو إبليس, كان يُدعى "لوسيفر" أو "زُهرة" (نجمة بنت الصبح). والمرجّح أن لوسيفر-أي إبليس- كان مثل ميخائيل رئيس ملائكة, لكنه طُرد من السماء مع ملائكته المتمرّدين, وما يزال يواصل تمرّده وأعماله المناوئة لله. يبدو أحياناً كأن الشيطان سيربح الحرب, إذ ينتصر في بعض المعارك الهامّة, غير أنّ نهايته محتومة. فلَسوف يجيء يوم الآن من سلطةٍ وقوة, يومذاك يدحر الله قوات الظلمة دحراً تامّاً لا قيام لها بعده.
يخطر ببال كثيرين هذا السؤال: "كيف يحدث صراعٌ كهذا في عالم خلقه الله كاملاً؟ “يذكر بولس الرسول هذا الصراع فيسمّيه "سرّ الإثم" (2 تسالونيكي7:2). وفيما لا نملك جميع المعلومات التي نودّ معرفتها, نعرف شيئاً مؤكّداً, وهو أنّ الملائكة الذين سقطوا, أي إبليس وملائكته, سقطوا لأنهم أخطئوا إلى الله. فقد جاء في 2بطرس 4:2 "الله لم يشفق على ملائكته فقد أخطئوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلّمهم محروسين للقضاء." وإذا راجعنا الآية المشابهة في يهوذا6 نجد أنّ عبء المسؤولية يقع مباشرة على عاتق الملائكة أنفسهم. إذ يقول يهوذا “والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم. “فيتّضح من هذا أنّ أولئك الملائكة فعلوا ما فعلوا تلقائياً دون تحريض من أحد.
نعم, إنّ أعظم كارثة وقعت في تاريخ خليقة الكون كانت يوم تحدّى لوسيفر الله, ونتيجة لذلك سقط هو والملائكة الذين انضمّوا إليه في عصيانه وشرّه.
متى حدث هذا؟ في زمان ما, بين فجر الخليقة ودخول الشيطان جنّة عدن حيث أغوى الإنسان. يتصوّر الشاعر دانتي (Dante) أن سقوط الملائكة الأشرار حدث بعد أن خلقهم الله بعشرين ثانية, وأنّ كل ذلك كان لأنّ لوسيفر تكبّر وأبى أن ينتظر ريثما يحصل على المعرفة الكاملة. أمّا آخرون أمثال الشاعر ملتون (Milton), فيذهبون إلى أنّ الله خلق الملائكة ثمّ سقطت الفئة الشرّيرة منهم قُبيل تجربة آدم وحوّاء في جنة عدن.
ليس السؤال الهامّ الآن "متى خلق الله الملائكة؟ “بل "متى سقطوا؟ “يستصعب بعضهم القول إنّهم سقطوا قبل أن وضع الله آدم وحواء في الجنة. لأننا نعلم أن الله عند ذاك كان قد استراح من عمله وقال إن كل شيء كان حسناً. وهذا, استنتاجاً, يعني أن جانب الملائكة من الخليقة كان حسناً أيضاً. لم يكن آنذاك ما يدل على حدوث أي سقوط. سؤال آخر: كما مرّ على آدم وحواء في الجنة قبل دخول الشيطان الجنة لتجربة حواء؟ إن هذا السؤال سيبقى بلا إجابة, فكل ما نستطيع قوله هو أن الشيطان سقط أوّلاً قبل إقدامه على تجربة حواء, فكان وسيلة غواية الإنسان وسقوطه. والشيطان يتحمّل الذنب الأعظم لأنه سقط تلقائياً ولم يكن من يجرّبه ويغويه, أمّا آدم وحوّاء فسقطا نتيجة لتجربة المجرّب.