كان الله دائماً يرسل ملائكته للقيام بمهمات يكلفهم إياها، فيعلنون مشيئته للناس، لكنه لم يعط الملائكة امتياز تبليغ رسالة الإنجيل. والكتاب المقدس لم يذكر لنا سبب ذلك.قد يكون السبب أن الأرواح التي لم تختبر معنى الانفصال عن الشركة مع الله نتيجة للخطية، لن تتمكن من تبشير الخطاة. من هذه الأرواح الملائكة الذين لم يسقطوا ولا يفهمون معنى الخطية والحاجة إلى الخلاص. وقد صدق المرنم إذ قال:
أصبـو إلى ترنّـم الأملاك في السما
إذ ينشـدون للعلي بالحمـد والثنـا
لكـن بترنيماتهـم لا يرتوي القلب
إذ لا يقال، قد قضى من أجلنـا الرب
مرت قرون عديدة على الإنسان لم يتغير فيها قلبه على الرغم من انتشار العلم وازدياد الرقي. فالإنسان هو هو، وما زال في حاجة إلى إنجيل المسيح ونعمته المخّصة – لا فرق في ذلك بين إنسان وآخر ولو اختلفا في لون البشرة أو الخلفية الثقافية أو العنصرية. ومن يرسل الله في مهمة تبليغ الإنجيل للبشر الساقطين في الخطية؟ هذا أمر لا يستطيعه الملائكة الساقطون، بل إنهم هم أنفسهم محرومون فرصة الخلاص من خطيتهم. والملائكة الأطهار أيضاً لا يستطيعون أن يبشروا بالإنجيل، لأنهم لا يتلقون البشارة كما نتلقاها نحن. فإذ لم يخطئوا لم يذوقوا مرارة الخطية ونتائجها ولا يدركون معنى الانفصال عن الله وحقيقة الهلاك.
لذلك عهد الله إلى الكنيسة بأمر القيام بالتبشير، واضعاً أعباء هذه المهمة الثقيلة على كواهل المؤمنين. ليس لدى الله طريقة أخرى، إذ أن الإنسان هو المؤهل للشهادة عن اختبار الخلاص لأخيه الإنسان.
أما الملائكة فيجيء دورهم عندما يكلفهم الله مساعدة المؤمنين الذين يبشرون. ومساعدتهم تتضمن استخدام الآيات المعجزية التي تثبت الإيمان. وقد شهد كثير من المرسلين الذين خدموا الرب في أقطار مختلفة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بأن حوادث حدثت معهم تدخل فيها ملائكة. بدا لهم أن ملائكة ساعدتهم وهم يقومون بنشر البشارة. تتذكر زوجتي حوادث عديدة حدثت عندما كانت مع والديها المرسلين في الصين، حيث بدا أن ملائكة كانت تتدخل في تلك الحوادث لتساعد والدها وزملاءه المرسلين الآخرين في خدمتهم.
ومهما يكن من أمر ذلك، فإن لنا، نحن المؤمنين المسيحيين، امتيازاً بأن ننقل من الله في السماء إلى الناس رسالة تعجز حتى الملائكة عن النطق بما فيها. تأملوا قيمة رسالة الإنجيل. تصوّر أحدهم أنه يسأل الله هذا السؤال الخطير: "ماذا كنت تفعل لو أن البشر تقاعسوا جميعاً وأخفقوا في التبشير بالإنجيل؟ أما كانت لديك خطة أخرى؟" فيجيب الله: "ليست لديّ أية خطة أخرى".
لا يستطيع أيّ ملاك أن يكون مبشراً أو راعياً في كنيسة مع أن الملائكة قد يكلفون مهمة السهر على كنائس معينة. لا يقدر ملاك أن ينصح المؤمنين ويجد الحلول لمشكلهم. ولا يتمتع أي ملاك بالبنوة في المسيح، كما لا يمكن لأي ملاك أن يكون شريكاً للطبيعة الإلهية ولا وارثاً مع المسيح في ملكوته. أنتم وأنا كهنوت ملوكي فريد في هذا الكون، ولنا امتيازات نتمتع بها لا يمكن أن تختبرها حتى الملائكة.