" لا يوجد شيطان قادر على إنقاذك من هذا الجحيم "
هكذا همس في أذنه السجان في تلك الزنزانة الرطبة
لقد كان هناك جاثيا على ركبتيه.. ذراعاه مكبلتان بسلاسل حديدة إلى الحائط
رأسه منكس و قطرات دماءه صنعت سمفونية مع قطرات الماء
و الظلمة تلف المكان
بصق السجان على الأرض تاركا إياه في تلك الحالة التي يرثى لها
هو كان ينوي الاستسلام..
الظلمة!! تلك الكلمة التي لطالما كرهها أصبحت تحمل دفئا يتمناه
هو يريد الذهاب فقط
لقد كان قويا لفترة طويلة..لقد كان بريئا و صاحب أخلاق و ضحى كثيرا
و هكذا تمت مكافأته!!زفر في ضيق و صرخة منه شقت صدر الصمت
كان يحاول أن يعدل وضعيته فقط و لكن الألم لا يُطاق
اسند رأسه للحائط بعد عناء و جمع ما استطاع من جسده في ذلك الركن الضيق لتلك الزنزانة الباردة
هل ينتظر أحدا ؟! ربما..و ربما لا..
و لكن المعجزات تحدث أحيانا..
ربما الشيطان لا يستطيع الوصول لمكانه و لكن شيئا آخر يستطيع الوصول
شئ آخر قد ارتبط مع قطرات دمائه عندما سقطت على ذلك النقش على الأرضية
تنقش تخصب بلون دمائه فتخصبت الزنزانة بأكملها
تنقش بعلامة المالانهاية..كان يظن أن هذه هلاوس الأموات..كانوا يخبرونه ان الذي يموت يرى أشياء غير معقولة بالتزامن مع شريط حياته
و بالنسبة له شريط حياته لم يحمل له سوى الآلام
لذلك كان ممتنا أنه حصل على استثناء و لم يكن هناك إعادة عرض
و ابتسم..ابتسم ابتسامة أخيرة..ضعيفة
فأيا ما كان على الجانب الآخر سيكون أفضل من هذا المكان" دانيال.." كان صوتا غير مألوف يناديه
يقتحم عليه تلك الظلمة التي أحضرت له أخيرا بعضا من السلام
لا يجد في نفسه قوة لفتح عينيه
فبعد انتهاء كل هذا العناء..مواجهة العالم من جديد تبدو صعبة جدا
هو لم يكن ضعيفا أبدا..هو جندي شجاع على صدر بذلته العسكرية كثير من الأوسمة
عشرون عاما قضاها و الآن فقط لا شئ و لا أحد.." دانيال.." ذلك الصوت أعاد النداء مرة أخرى
صوت جهنمي و لكنه ليس مخيفا
صوت يحمل في طياته كل شئ و النقيض..
الغلاظة مع الرقة..القسوة مع الحنان..و البرود مع العاطفة
صوت ما يبدو جائعا بما فيه الكفاية ليلتهم كل هذا القدر من الألم وحده
و يتلذذ له أيما استلذاذو أخيرا قد فتح دانيال عينيه..كل ما يقابله هو الظلمة و رغم ذلك مازال يستطيع أن يرى
يراه هناك..متربعا على عرش السواد بشعره الأحمر القاني
و تلك السيجارة في يده و التي ينفث بداخنها إلى العدمتلك الظلمة لا تبدو أبدا كالجحيم..لذلك يبدو أن ذلك الرجل سلك الطريق السريع مباشرة من الجحيم إليه
( هل هو مندوب الجحيم أو شئ من هذا القبيل ؟! ) هكذا فكر دانيال في نفسه
" لا..الطريق للجحيم مسدود من هنا..هنا كل الطرق تؤدي إليّ فقط" قال مجيبا على تساؤل دانيال المخفي
و دانيال لا يعلم مالذي عليه أن يفعله
هل يذعر ؟! هل يمتن ؟! هل ينعت نفسه بالجنون ؟!
هل يغمض عينيه مرة أخرى ليصطدم بجدران زنزانته الباردة و بصوت السجان مرة أخرى..
كل تلك احتمالات و لكن الجنود لا يهربون..لا يُذعرون
الجنود يواجهون فقط و لا شئ آخر" لست مجنونا و أنا لست من هلوسات موتك أيضا.." أجاب على نظراته المتفحصة تلك
لقد كان هناك..يقبع داخل عقله و ذلك كان مخفيا و لكن دانيال كجندي يرفض أن يعترف
و ربما جزء منه بالفعل استسلم لحقيقة أنه لا يوجد أحد يستطيع أن يلحق به المزيد من الضرر أو المزيد من الألم" ما..ذَا.. تر..يد اذا ؟! " خرج صوته مع حشرجة تنم عن مقدار ما عناه من ألم
" آه.." كان يبدو الأمر و كأنه يشارككه هذه الحشرجة و لكن مع بعض المتعة بالطبع
فهو هناك ليتغذَ على الألم..على الأرواح المعذبة" ربما اتفاق صغير يخرجك من هنا.." قال و هو ينفث دخان سيجارته مجددا و ينظر إليه هذه المرة بأعينيه التي تحمل بداخلها لون الدم مختلطا بالجحيم
" لك ما تريد.." كان دانيال يائسا جدا في هذه اللحظة
هل كان ذلك لرغبته في الحياة ؟! لرغبته في الانتقام ؟!
عند هذه اللحظة انمحت الأسباب
كل ما كان يبحث عنه هو انتهاء لذلك الألم اللعين
و لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أيضا أن الحياة غريزة
خاصة لجندي..فهناك هم يعلمونك كيف تحافظ على حياتك أولا
و من ثم يعلمونك كيف تسلب حياة الآخرينابتسم ذلك الغريب ابتسامة شيطانية
ابتسامة لم يَرَ دانيال لها مثيل
تحمل الفتنة و الفخامة و الشر و الرضا و الجوع و التلذذ
لأول مرة يعرف دانيال أن هناك فخامة تنتمي للجحيم..و لكن ربما..وربما فقط ذلك الرجل لم يكن شيطانا
هو يبدو كأمير منبوذ من امبراطورية قديمة
أمير انتهى به الأمر مصاحبا للعذاب و محروما من طبق انتقامه البارد الأخير
لذلك فإنه يحوم هناك..حول ذلك الألم و حول تلك الأرواح التي تشبهه
تتوق للحياة و الانتقام و تغرق في الألم" إليكَ اتفاقي اذا..
اذا قدر لروحك هذه أن تعيش عشرين عاما أخرى
فسأكون هناك..أعطيك كل ما تريد
و بعد انتهاء هذه المدة تكون أنت لي كل ما أريد
ستترك مكانك في هذا العالم و تأتي إليّ
حتى يقدر لروحك أن تذهب للبعيد
و شرط آخر..
كل شعور يقع في قلبك البشري هذا ملكي
خاصة الألم
و لا مانع أن تشارك ما تبقى لك من نفسك مع الآخرين
و لكن احذر..
عليك أن تفعل ذلك بحساب
فأنا رجل لا يحب المشاركة..و يوما ما إن أردت الحب و الزواج و شئ من هذا القبيل..
قد أفكر في الموضوع و لكن سيكون لدينا اتفاق جديد.." قال بهمس في أذن دانيال مما جعل جسد ذلك الأخير ينتفض" موافق.." استجمع دانيال كل ما تبقى له من قوة ليقول تلك الكلمة الأخيرة
و هناك وضع ذلك الجهنمي يده على رقبة دانيال و رفع جسده المعذب
ليصدر دانيال أنينا حاول كتمه مثل العادة" لا تقلق..سينتهي كل هذا قريبا.." قال ليشعر دانيال بدفء عند رقبته
كان ذلك نقش الجهنمي يطبع عليه
نقش المالانهاية..
أنت تقرأ
سادي
Paranormal" لا يوجد شيطان قادر على إنقاذك من هذا الجحيم" هكذا همس في أذنه السجان و لكنه كان مخطئا..مخطئا جدا..فأحدهم كان هناك لينقذه سادي!! تلك لم تكن صفة فقط..ذلك كان اسمه