المصباح

44 2 3
                                    

ألقـى الليل عباءته السوداء في الارجاء من حولنا ... تكسو ملامحه أطياف ذكريات رماديه ..تخفيها ابتسامة رقيقة مصطنعة خجولة لكل بيت في هذه القرية الصغيرة الهادئة حيث يطل من بابه نور خافت تتلاعب من حوله بضع فراشات .. تبدو كأنهن في حفلة راقصة صامتة ..بحركاتهن الدائمة تجعل المكان أكثر حيوية ..يحاولن أن يقضين على الرتابة والملل من حولهن.. يحلمن بليلـة يميزها التفاؤل وروح الأمل التي تنعكس على كل تفاصيلها. ينسين في لحظة عشقهن ماهية هذا النور فتقترب في اغراء جامح علها تصبح جزء منه فتحترق وتصبح رمادا وتعاود فراشة اخرى نفس الكرة كل يوم ولا احد يعرف منهن ان من سبقهن لم يتوحدن مع النور بل كان اخر محطة لهن..

كنت اتابع هذا المنظر من خلال شباك نافذة مطبخنا الصغير احتضنت يداي وجهي والتصقت اكثر بنافذة انظر الي انعكاس صورتي على زجاجها نظرت الي الظلام متنهدة عدا هذه البيوت المتباعدة بأنوارها الخافتة لا توجد سوى عتمة حالكة فضغطت وجهي الي الزجاج ولكني تراجعت لان انفاسي احدثت ضبابا على الزجاج مسحت ما احدثته انفاسي ولكن توقفت راقبت رسم على الزجاج لدقائق وعدت انفخ انفاسي وارسم خطوطا لمنزل صغير وحديقة واشجار تحيطه

يشبه كثيرا منزل جارنا سليمان لأني كنت اتابع خطوط شكله من خلال نافذة الصغيرة .. وفجأة اطل جارنا من خلال ضباب انفاسي كانه خارج من بيت نسج من غيوم واستند على باب بيته هزيلا تعبا واخرج شيء من جيب سترته وقربه من وجه فأشعل فتيلا خافتا ارسل غيوما رمادية من حوله ظل هناك لبعض الوقت وكل مرة يقرب يده من وجه تعود تلك الغيوم الرمادية في الظهور والطيران من حوله صاعدة الي السماء مختفية بين تلك العتمة السرمدية والتي لولا وجود ذاك المصباح الصغير لفتكت بالدار واغرقتها في ظلمة ابدية ..

ثم بهدوء استقام جارنا ونظر الي السماء واعاد النظر الي الشي الصغير بين اصابعه بشعلته الخافتة ورماه وداس عليه برجله واستقام ثانية ورفع نظرها الي السماء وأختفى داخل ضباب انفاسي.

دخلت امي للمطبخ ورأتني ثم نادتني هيا تعالي لتنامي واطفئي المصباح في الخارج التفت اليها وعدت لأنظر الي بيت انفاسي على زجاج النافذة كان يختفي تدريجيا من جراء حرارة المطبخ وعدت انفخ ثانية ليعود ذاك الضباب الصامت ليغلف البيت ومن حوله ويختفي. وابتعدت عن النافذة وتراجعت بهدوء بجوار الباب مددت يدي لمصباح المطبخ لأطفئه وخرجت .. تذكرت بعدها وعدت ثانية اشعلت المصباح وعدت للنافذة ونفخت مرة اخرى ووضعت اصبعي في مكان المصباح ليعود لظهور ليرسل اشعته ويبعد الظلام من حوله ورسمت شبح ابتسامة صغيرة على الزجاج .. وعدت ادراجي وانا افكر ان لكل بيت في الخارج اسرار تغوص في الغيوم والهموم اصحابها ..

حبذا لو كان لكل بيت مصباح ينير ظلمة من حولهم مصباح صغير خيالي لكن نوره دائم يرسل فراشاته لتغزو برقصاتها الظلام من حولهم علها تنشر الامل وتعيده لتلك القلوب المهمومة فمع ان الموت مصير تلك فراشات الراقصة لكنها تعود لترقص اخر رقصاتها دون ان تفقد الامل ..

المصباحWhere stories live. Discover now