الباب الخامس : الفصل الأول

12 1 0
                                    

من تراث الإمام زين العابدين (عليه السلام)

 

لم يذكر التأريخ أنّ الأئمّة من أهل البيت(عليه السلام) قد درسوا عند أحد أو تتلمذوا عند شخصية علمية سوى ما ورثوه من آبائهم الكرام عن النبىّ(صلى الله عليه وآله).

وقد تميّزوا بعلومهم الزاخرة ومعارفهم الباهرة والتي ظهر شيء منها في الأوساط التي اكتنفتهم ونقل لنا بعض ما ظهر منهم.

كما أجمع المؤرّخون على أنّ الأئمة المعصومين(عليهم السلام) كانوا من أوسع الناس علماً وأكثرهم دراية في أكثر من مجال علمي.

إنّ الإمامة والقيادة الرشيدة للاُمّة الإسلامية وللإنسانية المفتقرة إلى الهداية الربّانية تتطلّب إحاطة الإمام بكلّ علم يرتبط بمجال عمله ودائرة مسؤوليته، وقد أثبت أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) هذه الحقيقة بشكل عملي قد سجّله التأريخ لنا بكلّ وضوح، ممّا أدّى إلى إثارة التيارات المخالفة لخط أهل البيت(عليهم السلام) ولا سيما الخلفاء الذين كانوا يرون الأئمّة أنداداً لهم لا يضاهيهم ند ولا شريك باعتبار تفوّقهم علماً وعملاً، وانتهت هذه الإثارات إلى السعي لاختبار الأئمّة(عليهم السلام) في أكثر من مجال وفي أكثر من عصر، بحيث سُجّلت هذه الاختبارات في التأريخ الإسلامي ودخلت مصادر التأريخ، ولم تترك مجالاً للريب في جدارة الأئمّة من أهل البيت للقيادة الربّانية، باعتبار ما أثبتوه للاُمّة بكلّ وضوح وحقّقوه من مرجعيّتهم العلمية على مختلف الأصعدة لكلّ من حاول اختبارهم وأراد الاطّلاع على واقع عملهم.

وقد جاء في نصوص الأحاديث الشريفة أنّ المؤمن ينظر بنور الله، وهو تعبير آخر عمّا جاء في قوله تعالى: (واتّقوا اللهَ ويعلِّمكم الله)[1]، فلا بُعد فيما يعتقده الشيعة الإماميّة في أئمتهم(عليهم السلام) من أنّهم مُلهمون بإلهام إلهي وتعليم ربّاني، وقد ورّثهم الرسول(صلى الله عليه وآله) علمه وأدبه وكماله، وهم أهل بيت الوحي والرسالة، فهم أجدر من غيرهم بوراثة العلم والكمال الربّاني المُتَبلورَين في شخصيّة الرسول(صلى الله عليه وآله) القيادية وفي شخصيّة كلّ إمام من أهل البيت(عليهم السلام) الذين عيّنهم الرسول (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله لتلك المهمّة الكبرى والمسؤوليّة العظمى، وقد قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى)[2].

إنّ العلماء الذين تتلمذوا على الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام) ورووا عنهم بعض معارفهم خير شاهد على سعة علوم الأئمّة وتميّزها عن علوم غيرهم ممّن عُرفوا بالعلم والدراية.

ويمكن أن نصنّف بعض ما روي عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) إلى علوم القرآن والحديث والفقه والأخلاق والسيرة والتأريخ والعقائد، بالإضافة إلى ما أفاضه في طيّات أدعيته ووصاياه واحتجاجاته في علوم النفس والاجتماع والتربية والعرفان والإدارة والاقتصاد إلى غيرها من العلوم الطبيعية والإنسانية.

علي بن الحسين "زين العابدين" اعلام الهداية الجزء السادس :- مكتمل -:حيث تعيش القصص. اكتشف الآن