تطايرت الالعاب النارية وانفجرت ثم امطرت وابلا من الاضواء الملونة على الوجوه المشرئبة دهشة وكان الشواء محملا في اسياخ تتقلب فوق فحم متأجج بالنار. وكان الاطفال يمرحون وهم ممسكون بالبالونات بينما اخذ بائع متجول يعرض على الجماهير الحلى الصغيرة وقام اخر ببيع الدمى المكسوة بالثياب في حين وقف غراب اسود على كتف غجري وراح يلتقط اوراق الكوتشينة من رف صغير وحينما قرأ الغجري المستقبل لاثنين من الفتيات انفجرتا بالضحك .
وانهمكت رافينا في التطلع الى كل شئ حتى كادت تنسى الم كاحلها كانت ترتدي ثوبا تقليديا جعلها تشعر بأنها مثل هؤلاء الفتيات الضاحكات وكانت ذراع الرجل السردي تحيط بوسطها فانتابها الاضطراب ازاء احساسها بالسعادة التي تشبثت بها كما يتشبث هؤلاء الاطفال ببالوناتهم الملونة التي قد تتعرض لشرارة فتنفجر.
سألها مارك:
"هل تأخذين حلية صغيرة او دمية او ترغبين في معرفة المستقبل يمكنك ان تنالي الثلاثة اذا شئت "
قالت مبتسمة:
" الحلى الصغيرة لا تناسبني وعرفت مستقبلي ولكنني اظن انني اريد دمية"
اومأ مارك للبائع للمجئ لأن رافينا سوف تضطر الى ان تمر وسط الجماهير لتصل اليه وعندما وصل اليهما البائع اختارت دمية ترتدي ثوبا قرمزي اللون الصدر مطرز والتنورة مكشكشة وشريط زينة رفيع الثنية.
قال مارك:
" اعطني الدمية ذات الرداء الوردي ايضا "
والتقطها وناولها لرافينا ثم اردف يقول:
" هذه الدية للطفلة الصغيرة ذات العينين الكبيرتين ربما نراها ثانية بمحض الصدفة "
شعرت رافينا بالسعادة لان تجد مارك يتذكر صديقتها الصغيرة التي كانت تجلس معها في العربة. ةاخذت تتأمل الدمى بينما كان مارك يدفع ثمنها.
سألها مارك:
" قلت انك عرفت مستقبلك من اخبرك بحظك؟ "
قالت:
" انها امرأة تعيش في القرية تدعى فيرتيويللا "
" تقولين فيرتيويللا ! آه تلك المرأة التي هجرها ابنها ماركو راعي الغنم ابن الثمانية عشر ربيعا الذي ضجر من حياته وانضم الى عصابة قطاع الطرق بغية رغد العيش "
" الا تستطيع فعل شئ لمساعدته ؟ ان امه امرأة طيبة تعمل بجد وقلقة على ابنها "
" يجب ان يترك ماركو العصابة قبل ان يمد المرء يده لمساعدته ويتكفل بأمره. ان المشكلة يا رافينا تكمن في اننا نجد الناس غير مستعدين دائما للعطاء عندما نطلب منهم بذل جهودهم. حاولت في اليوم الاخر ان اشرح السبب....ولكن....انظري....هاهي ذي الطفلة الصغيرة ذات الشريط المعقود في شعرها "
كانت الطفلة تجلس مع عدد كبير من الاطفال امام مسرح العرائس تحدق باهتمام فيما تؤديه الدمى.
تمتم مارك قائلا:
" الاطفال يحبون مشاهدة مسرح العرائس "
واحست رافينا بالحزن يشوب صوته وحدست انه كان يقف هنا مع ابنه منذ سنتين وكان يضحك مثل هؤلاء الاطفال الضاحكين وعيناه تتألقان بمثل الصدق والسعادة اللتين تنبعثان من عيون الاطفال .
قال مارك:
" اعطها الدمية "
واشاح بوجهه الذي اضاءته شعلة من عود الثقاب الذي اشعل به سكارته وارخى الدخان ستاره فوق التغيير الذي بدا في عينيه وهما يبارحان سويا بعيدا عن صوت ضحكات الصغار.
اقبل الليل...وبعد الانتهاء من مشاهدة الالعاب النارية جلس الناس جماعات والتفت كل جماعة حول النار التي اضرمت في الهواء الطلق وراحوا يتناولون شرائح اللحم المشوي وقطع الخبز واديرت اكواب الشراب بينما راح المنشدون ينشدون اغاني سردينيا القديمة على الات الماندولين.
كان مذاق الطعام طيبا وكان كتف الرجل مكانا مريحا كي تريح رأسها بينما تلاعبت السنة اللهب فألقت ظلالها على الوجوه التي بدت عليها القوة والجمال والوقار. عكس شعر رافينا تألق النار وتلألأت عيناها بخضرتهما
وهي تستمع الى اغنية سردينيا تروي قصة حب راعي غنم وسرها ان تدرك معنى الكلمات التي تتردد بالهجة المحلية وكانت تقول: الحياة تجعلني اصرخ..واضحك..واتنهد. احبها كلها..اما انت فأحبك اكثر من اي شئ اخر!
ودفعها شئ مبهم الى التطلع لمارك. بينما كانت الموسيقى والكلمات تخفت تدريجيا وظنت انها ترى ومضة حنان في عينيه وسرعان ما ادركت السبب اذ دخل فجأة قوام نحيل الى دائرة ضوء القمر لها شعر اسود, حافية القدمين تمسك بيدها دفا صغيرا. انها فتاة المطعم التي راحت تبتسم وهي تدور بين الناس ثم خطت خطوات سريعة حتى تطايرت تنورتها الحمراء في الهواء وتوقفت امام مارك وزوجته وشوهدت ابتسامة على شفتيها يشوبها اليأس ثم قالت:
" بادرون؟ ! "
كانت كلماتها تحمل نبرة التوسل وتشبثت نظراته بعينيها ثم بدأت من جديد ترقص رقصة الدف. توترت رافينا وهي جالسة الى جوار مارك خلال الرقصة وودت ان تلوذ بالفرار ولكن كيف لها السبيل وكاحلها يعوقها عن السير وسوف تبدو كبرياؤها مهانة اذا هي فرت من فتاة ترقص لزوجها وحده.
رأت رافينا ان الرقصة لن تنتهي واصبح فوق احتمالهل ان تجلس هكذا الى جوار مارك وشعرها يحك ذقنه ودفء كتفه ينفذ خلال بلوزتها الحريرية.
وكانت رعشة الدفء وظلال الفتاة تطوف بكل مكان في دائرة ضوء النار واخيرا غربت الفتاة ولكن ظلها بقي في المكان فأشاع سحابة من الكآبة على رافينا ولم تستطع الفكاك من اسرها.
بدأ الناس يتثائبون واخذوا يسعون للنوم اما في خيامهم او في عرباتهم وتبادلوا القبلات وهم يرددون التهنأة بالعيد السعيد. شعرت رافينا بيد مارك فوق كتفها ونظرت اليه بوحشية عندما جذبها الى صدره ولكنها سحبت نفسها دون ان تبادله قبلته.
قال بنبرة باردة:
" انها عادة ان يتبادل الناس القبلات في العيد الم يدخل المهرجان السعادة الى قلبك؟ "
قالت:
" انا...انا امضيت وقتا طيبا "
ابتسم ساخرا وقال:
" وقت طيب؟ متى تتعلمين ان تكوني منا وتشعرين بالعاطفة نحو شئ ما؟ تبدو عليك القسوة حتى يباغ بك الامر ان تنتزعي الاقراط من اذنيك. هل تدعين فتاة اخرى تسرق منك حبيبك؟ "
قالت ببرود:
" انا لا اضع اقراطا في اذني ومرحبا بالفتاة التي تستطيع ان تسرقك "
وحاولت ان تفلت منه ولكن الم كاحلها افسد عليها المحاولة وكادت ان تتهاوى ولم تجد امامها الا ان تستعين بساعدة مارك في التوجه الى خيمتهما. كانت ليلة مخملية يتألق فيها ضوء النجوم وكانت رافينا قد اعتادت في رحلاتها المدرسية ان تنام في المخيمات التي تقام في الهواء الطلق اما الليلة فان الامر مختلف تماما انها تسمع صوت الريح تشدو اناشيدها عبر الاشجار التي تكسو الجبال وعندما تخلد الى النوم فنها سوف تشارك مارك التدفئة ببطانية من جلد الغنم لتواجه برودة هواء الجبل.
قال مارك:
" الرباط يجب ان يخفف قليلا حول كاحلك. اجلسي على هذه الشجرة المتهاوية وسأفعل ذلك بنفسي "
وكان مستحيلا على رافينا مناقشة مارك وامتثلت لطلبه وشعرت بقوة لمسة اصابعه وهو يحل الرباط الحريري ويعيد تثبيته خفيفا حول كاحلها حتى لا تشعر بالخدر اثناء نومها .
" هل الرباط مريح؟ "
" اجل شكرا لك "
وقف ثم استدار بظهره الى شجرة وقال:
" قلت شيئا قبل اصابة كاحلك ولكنني نسيته حتى الان. لقد اشرت الى فتاة..."
قالت:
" ليس الوقت او المكان مناسبين لمناقشة الموضوع انا متعبة جدا ويوجد هناك اناس بالقرب منا "
" بالطبع ولكن اجيبي فقط على سؤالي يا رافينا هل تظنين انني على علاقة بامرأة اخرى؟ "
وقع عليها السؤال واقعا مفاجئا قاسيا فقالت:
" اذا كنت تبغي امرأة اخرى فمن الخير ان تدعني ارحل "
ووقفت على قدميها لمواجهته واردفت تقول:
" لا تحتفظ بي معك يا مارك. انت تعلم بانتفاء السعادة بيننا وحياتنا تسير هكذا "
أنت تقرأ
العروس الأسيرة - فيوليت وينسبير
Romanceالمخلص: دائما يرتبط الحب بالجمال. دائما دائما يكون العاشق شبيها بأدونيس والعاشقة شقيقة عشتار. الا ان هذه القاعدة ككل قاعدة لها شواذ ورافينا التي احبت رودري الجميل ما لبثت ان وجدت نفسها حيال رجل محروق الوجه واليدان يطارده ماضيه كالظل وفي ارجاء قصره ا...