10_حقيقة لابد منها

5.3K 148 5
                                    


-هل أنت محرض؟.
-لا, بل أنا المحرض, أو الأصح أني كنت المحرض لكنني استقلت من هذا العمل.
-هل اختارتك الجمعية لتعرفني إلى شخص أتزوجه؟
-نعم.
-هل كان من المفترض أن تزوجني من غرايسن شو؟
تردد:" هذا امر معقد قليلا".
فانفجرت غاضبة:" لماذا لا تبسط الأمر لي, أم أنك لا تفهم التبسيط؟ أم أن الأمر أبسط من أن تعترف به؟ وهو ببساطة, عدم قدرتك على أن تستوعب مفهوم الحقيقة والصدق".
كانت تشتعل غضبا, لكنه لا يلومها:"لقد كلفت بوظيفة التحريض على علاقة عاطفية بينك وبين غرايسن شو, ولكن. . .".
-ما الذي أعطاك الحق في أن تعرفني إلى أي شخص كان؟ لماذا لا نبدأ من هذه النقطة؟.
فواجهها بقوله:" ومن الذي أعطاك الحق في أن تعرفي صديقتيك الحميمتين إلى أشخاص للزواج؟
أسكتها ذلك لحظة مسببا لها الضيق مؤقتا لكنها عادت تقول:" لقد طلبتا مني ذلك".
فأومأ:" هذا صحيح. هناك من يقدم طلبا ثم تدرس الجمعية الأمر وتقرر ما إذا كان هناك تفويض بالتزويج خلف الكواليس أم لا".
-وإذا لم يكن هناك تفويض؟
-إذن, ما من زواج.
رآها تجاهد لاستيعاب ما يقولهو وسرعان ما حدث ذلك فأغمضت عينيها:" هل قلت إن على شخص ما أن يقدم طلبا؟".
-نعم.
عادت تنظر إليه وقد كادت وقفتها الدفاعية تقتله:" وهذا يعني أن شخصا ما طلب من الجمعية أن تجد لي زوجا".
-نعم.
-من هو؟
-لا أستطيع أن أساعدك هنا.
-إنه أخي سيث, أليس كذلك؟
-هل هذا مهم؟
-لا.
وارتجفت ذقنها فلم يستطع ان يتمالك نفسه اكثر, فتقدم نحوها ليأخذها بين ذراعيه و يصحح الأمور, لكن تصرفه هذا كان خطأ, إذ ابتعدت عنه مجفلة وقد أعماها الغضب:"لا. . . لا تلمسني".
-حبيبتي. . . 
-لماذا تركت عملك مع الجمعية؟ هل لأنك تورطت معي؟ هل أمثل أنا الآن مصدرا لتضارب المصالح؟ هل قلت لهم آسف يا رفاق, قررت أن استسلم لرغباتي بدلا من أن أقدمها إلى أمير الأحلام.
وأفلتت منه اول موجة غضب:" نعم, تركت العمل بسبب علاقتنا. ونعم, أنت مثلت لي تضاربا في المصالح. . . ونعم, لقد استسلمت لرغباتي بدلا من تقديمك إلى امير الأحلام, و السبب الأول لذلك هو أنهم اختاروا الأمير الخطا ".
ضاقت عيانها:" ما الخطأ في غرايسن".
-إنه ليس لك.
-أظن أن القرار بهذا الشان يعود إلي.
-لا تقنعيني. فأنت غير منجذبة إلى غرايسن. أنت تريدنني و كلانا يعلم هذا.
-لكنني أجد غرايسن رجلا جذابا للغاية.
كانت هذه هي الحقيقة البسيطة ما جعل أعصابه تتوتر أكثر مما توقع, و ازداد غضبه:" حسنا, دعي عنك ذلك, فهو غير مهتم بك".
جمدت في مكانها:" و كيف عرفت ذلك؟".
شتم بصوت خافت, إنه لم يكن حذرا في كلامه. لقد اعتاد أن يجد الرفيق الملائم لكل شخص يتولى مهمة تزويجه إذا به الآن يدمر علاقتهما.
-المعذرة. ما كان لي أن أقول هذا.
-كيف عرفت ذلك؟.
-عرفت لأنه اخبرني بنفسه أن في حياته امرأة أخرى. لا تنسي أننا صديقان قديمان.
-هل سالته عما إذا كان يريدني؟ هل استاذنته قبل أن تتورط معي عاطفيا؟ هل هو طرف في مشروع مؤسستكم لتزويجي؟
-اهدئي يا تيس!
ودس يده في شعره. إنه بحاجة ماسة إلى وقت لينظم فيه طريقة شرح الأمر لها.
لكن نظرة إلى وجهها أنذرته بأنه لن يحصل على ذلك الوقت:" غرايسن لا دخل له في شيء. إنه لا يعرف أكثر مما تعرفين عن اختيار الجمعية له. وما لا تدركينه هو أن. . . ".
فقاطعته:" أريد شطب إسمي من القائمة".
-لقد شطب.
فقالت وهي تبتعد عن طريق الباب:" يمكنك أن تغادر الآن".
-لن أخرج من هنا إلا بعد أن تسمعي ما أقول.
-لم يبق شيء بيننا ليقال.
-هذا غير صحيح. هناك الكثير ليقال.
-طلبت منك الخروج. أخرج من فضلك.
لو أن صوتها لم يتهدج عند ىخر كلمة, لاستمر في الجدال. لكنه أذعن لرغبتها:" حسنا, سأخرج. ولكن اعلمي أن غرايسن لم يكن هو من اختارته الجمعية. كان ستارا له فقط".
اتسعت عياناها:" إذن من. . . ؟ أنت؟ هل ظنوا أنك تمثل امير الأحلام؟".
-اتريدين ان تقولي إنني لست كذلك؟
فتحت فمها لتجيب ثم عادت فسكتت وهي تحدق إلى قدميها الحافيتين فقال:ط أنا مسرور لاعترافك بهذا القدر".
فرفعت رأسها:" انا لم أعترف بشيء".
جاهد ليبقى هادئا ويحافظ على المنطق و التعقل لكن تيس جعلت ذلك شبه مستحيل. كان شعرها ملتهبا حول وجهها مشابها لغضبها, بينما أظهرت عيناها ألما لا نهاية له, ألم لا امل في تخفيفه. كل ما يتعلق بها شتت أفكاره, مظهرا فرقا شاسعا بين غضبها و عجزها.
بدا وجهها شاحبا للغاية رغم الاحمرار الذي غزا وجنتيها, حتى انقباض يديها الذي يظهر عنادا تعارض مع الطريقة التي خبأتهما بها داخل كمي القميص. تلهف إلى أن يحتضنها, يطمئنها, ويستعمل كافة الوسائل المتاحة لكي يشرح لها سبب تضليله لها. لكن الأمور لن تجري بينهما بهذا الشكل. المنطق, عليه أن يلتزم بالمنطق و التعقل, حتى لو لم يستطع الحفاظ على هدوئه:" لماذا تتقبلين فكرة أن تذهبي إلى الجمعية لطلب تزويج, ولا تتقبلين من شخص يحبك و يتمنى لك الخير و السعادة؟".
فقالت:" صديقتاي رين و إيما طلبتا مني ذلك. لكنني لم أطلب من أي شخص أن يجد لي زوجا".
-كان هذا حديث مراهقات تركن المدرسة للتو, كما قلت بنفسك. وقد مر على ذلك عشر سنوات. هل سألتهما رأيهما مؤخرا؟
رأى من ملامحها أنه أصاب الهدف وقالت رغما عنها:" لا. لم أفعل".
-لأنك خفت أن تمنعاك من ذلك أليس كذلك؟
لم تستطع أن تنكر فتابع يقول:" فكري في ذلك, يا حبيبتي. كيف يختلف مسعى الجمعية هذا عما طلبته لهما؟ لو لم تسمعي كلامي في الهاتف لما عرفت أبدا أن الجمعية اهتمت بك, تماما كما لن تعرف صديقتاك قط أننا بحثنا لهما عن حب".
-لكني عرفت ذلك.
-هذا صحيح. لكن هل ما فعلته الجمعية فظيع إلى هذا الحد؟ لقد جعلوني ادفع غرايسن شو نحوك. أما ما حدث بعد ذلك فهو عائد لك.
-لم يحدث شيء!
-هناك سبب لذلك.
و أوشك أن يأخذها بين ذراعيه لكنه منع نفسه في آخر لحظة فهي لن ترحب بحركته هذه وهي في هذا المزاج, كما أنه لا يريد أن يفرض نفسه عليها:" ألم تفهمي؟ لطالما كان الخيار لك, يا تيس. ويبدو أنك رفضت غرايسن شو".
-واخترتك أنت, وهذا هو غرضهم الحقيقي. ألم ينجحوا بشكل عظيم؟
وابتعدت عنه وهي تردف:" أخبر جمعيتك أنني رفضت مشروعهم. أخبرهم أيضا ألا يلقوا مزيدا من أمراء الأحلام في طريقي".
-انت تقترفين غلطة.
زمت شفتيها بعناد:" أنا حرة بأخطائي".
-تبا يا تيس! هل ستتخلين عن شيء استغرق منك العثور عليه كل تلك السنوات؟ هل ستسمحين للخوف بأن ينتصر؟
التفتت إليه وقد تصاعد غضبها:" هذا ليس خوفا, بل هو غضب".
-ولك كل الحق في أن تغضبي. ولكن لا تدعي الغضب يفقدك شيئا منفردا لا مثيل له. وعدتك بألا أتركك وسأفي بوعدي دوما. سأكون موجودا من أجلك يا تيس.
-كما وعدتني بأن تمسك بي إذا أنا سقطت.
وخلعت خاتم خطبته من إصبعها وناولته إياه قائلة:" أما ما لم أتوقعه فهو أن تكون أنت من يدفعني إلى السقوط".
-وأنا أيضا من سيوقف سقوطك.
شعر بتوترها يزداد فأدرك أنها لن تستطيع الاحتمال أكثر. . . وبقاؤه لن يحسن الوضع, ومن المؤكد أنه لن يخفف عن تيس. أمر واحد سيخفف عنها وقد اذعن لهذا الحل غير المستساغ فوضع الخاتم في جيبه وهو يقول:"لا بأس, يا حبيبتي, سأخرج حاليا فقط. كل ما حدث الآن هو انتهاء لإدعاء. في المرة التالية التي تلبسين فيها خاتمي, وستلبسينه مرة أخرى سيكون ذلك لأسباب حقيقية".
لم يحاول لمسها. غادر المنزل مغلقا الباب خلفه ثم وقف بصمت أمام الباب ينتظر, وبعد لحظة سمع صوت المزلاج يقفل الباب.
ولم يفته مغزى هذا.
سار شايد بسيارته على غير هدى في الشوارع المعتمة, و هدير سيارته يخفف عنه. كان عليه أن يخبرها. كان عليه أن يخبرها بالحقيقة في اللحظة التي توقف فيها عن العمل كمحرض.
لماذا لم يفعل إذن؟
توقف عند الإشارة الضوئية الحمراء و أخذ يحدق أمامه بعينين لا تبصران.
لم يخبرها الحقيقة لسبب بسيط وهو أنه كان خائفا. و أرغمته سخرية القدر على الابتسام إذا يبدو أن بينهما قاسما مشتركا وهو سوء الحظ. بقيت هي بعيدة عن الرجال خوفا من خسارة حبها مرة أخرى, وبقي هو على صمته خوفا من أن تهجره حالما تعلم أنه يعمل لحساب الجمعية.
عاد الضوء الأخضر, فأقلع بالسيارة. وشعر بانقباض في معدته وهو يواجه الحقيقة التي أراد أن ينكرها بكل خلية من كيانه. ثمة احتمال كبير في ألا يتمكن من إصلاح ما حدث بينهما, وذلك لسبب بسيط مشؤوم فهو لم يخبرها انه يعمل محرضا في تلك الجمعية, كما لم يطلعها على شخصيته الحقيقية. وتمتم بصوت خافت بأن هذا ما سيقتله في النهاية.
لعلها ستسامحه على الخيانة الأولى, لكنها لن تسامحه أبدا على الثانية. ولم يجد أمامه سوى خيار واحد. . . خيار يمكن أن يساعدها حتى و إن لم ينفع.
وداس على الفرامل فجأة, فلتذهب علاقتهما إلى الجهنم إذا افسدها تماما, وقد حان الوقت ليهتم بما فيه خيرها أولا. إذا لم يكن لديهما أي امل, فليحرص على الأقل على أن تنال الترقية التي تسعى إليها.
وعندما استقر رأيه على ذلك, توجه بسيارته نحو بيته فيما راح صوت رتيب أثار ضيقه يدندن في عقله:" لا. . . أمل. . . لا أمل. . .لا".
ورد بحدة:" بل ما زال هناك امل".

لن تسامح_سلسلة الكاتبة داي لوكليرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن