الفصل الاول

1.9K 13 0
                                    

الفصل الأول

تسارعت خطواتها وهي تجتاز الشارع لتلحق بالحافلة قبل انطلاقها، الأمطار المتساقطة بغزارة جعلت خطواتها غير متماسكة، شدت معطفها حول لباسها الرسمي الأبيض وبقلب منقبض صعدت الحافلة .
جلست في الكرسي وهي تفكر أنها ستتأخر قليلاً اليوم عن الجدة .. ولأول مرة منذ الصباح ترتسم ابتسامة باهتة على شفتيها، كم هي حنونة هذه المرأة وكم هي محظوظة بعملها معها، لقد مضى ما يقارب الشهر على عملها الجديد وهي تشعر أن الحظ فعلاً قد بدأ يبتسم لها ، إلا أنها استيقظت اليوم بقلب منقبض .. وكم تكره أن ينقبض قلبها فهي تعلم جيداً أن حاستها السادسة بقوة عشرة حواس .. واليوم تشعر بأنها ليست على مايرام رغم عدم حدوث ما يكدرها ..
وصلت القصر العظيم بعد أن أكملت طريقها من موقف الحافلة بسيارة أجرة ، بدأت تعتاد على فخامة هذا القصر وقوانينه الكثيرة لكنها في كل مرة تدخله تشعر بمهابة كبيرة ترتعش لها أطرافها ، كان يحكي قصة عراقة قديمة .. رقي متوارث من الأجداد الشرفاء كما يسمونهم في لغة أهل الأردن .. شرفاء يصلون بنسبهم لنسب الرسول عليه الصلاة والسلام .. لهم مكانة في المجتمع وغناهم قادم من أصولهم الأحرار الشرفاء الذين كانوا يعملون في تجارة القوافل منذ العصور القديمة .. شرفاء يلتصق اللقب باسمهم .. فهي حالياً تعمل لدى "الشريف" فيصل ، حيث يكون ابن " الشريفة " نوزت .. التي هي تعمل على تمريضها !! طبقة في المجتمع لم تعرف بوجودها إلا عندما صارت مستخدمة لديهم .. فهم يختلطون بالناس بدون ألقابهم .. متواضعين وقريبين من النفس .. فالأم وابنها أكرماها وعاملاها بأفضل الطرق ..
صعدت الدرجات بسرعة وهي تقول في نفسها من العار حقاً أن يكون هذا القصر الملوكي المهيب خاوياً بهذه الطريقة المؤسفة .. فالعائلة بالكامل في الولايات المتحدة .. الجدة عادت قبل شهرين تقريباً تحت إصرارها العنيف بأنها تريد أن تقضي أواخر أيامها في بلادها .. بلاد العرب .. في مسقط رأسها .. في حضن وطنها وفي قلب مدينتها عمّان!
ابنها فيصل البكر ، متزوج ومقيم في الولايات المتحدة الأمريكية .. ترك أعماله وأشغاله كي يحقق لوالدته أمنيتها .. لكنه سافر قبل يومين ، عندها استغلت الجدة الفرصة كي تقنع " يارا" بالذهاب للمبيت في منزل والدتها ريثما يعود ابنها فيصل !! كانت كريمة معها أيما كرم .. لطيفة ولسانها رطباً بذكر الله .. صورة صحيحة لإمرأة في أواخر السبيعينات .. كلما رأتها يارا قالت في نفسها ( يارب تجعل كبرتي متلها .. لسان رطب بذكرك ونفس مابدها إلا رضاك )
فتحت يارا باب غرفة الجدة كما اعتادت أن تناديها باتفاق بينهما ، وقالت بصوتها العذب وبمرحها المعتاد:
- صباح الخير عالحلوين ، كيف صحتـ.... ، آسفة ما انتبهت إنو في حدا هون !
الفارق العظيم بنبرة صوتها من قمة المرح التي خبت تدريجياً ليحل محلها صوت خشن متردد يعبر عن صدمتها ،عبر تماماً عن حالة الذهول التي كانت فيها وهي تتأمل قامة طويلة متسمرة أمام سرير الجدة ويبدو أنهما يتناقشان بحدة ، فقد لمحت تقطيبة حاجيبي السيدة الكبيرة بما يدل على امتعاضها .
التفت صاحب القامة الطويلة بكتفيه العريضين ورأسه الداكن لينظر إليها بعينين أخبرتاها أنه ما اعتاد أن يتعامل إلا مع أصحاب الثروات ، شيء ما في نظراته ، وقفته ، وحتى طريقة استدارته أخبرها أنه سيدمر العالم فوق رأسها.. سمعته يقول وقد ارتفع أحد حاجبيه باستنكار :
- إنت يارا؟؟
إيماءة واحدة من رأسها تعني الإيجاب جعلته يضيف بامتعاض أكبر :
- كنت نايمة ببيتك ؟ !!!
مرة أخرى أومأت إيجاباً برأسها لكنها ازدردت ريقها رعباً أيضاً وهي تسمعه يضيف:
- مو نحنا اتفقنا مع المستشفى إنو الإجازة نص يوم بالأسبوع ؟؟
إيماءة ثالثة صدرت عنها لا إرادياً جعلته يلتفت للجدة قائلاً بحنق :
- هاي هي إلي بدكيش إياني أحكي معها وأضايقها .. هاي هي أشطر وأحسن ممرضة جبنالك إياها ؟؟
أجابته الجدة بحزم وبصوت واثق قوي جعل من يارا توقن أن هذه المرأة سليلة عائلة لم تعرف إلا العيش في القصور وإصدار الأوامر .. إمرأة من حديد كما يقال ، إمرأة لو طلب منها الآن وفي هذه اللحظة وفي سنها المتقدمة هذه أن تحكم بلداً ما لاستطاعت أن تديره بحركة واحدة من أصبعها .. أجابته :
- أيوا هاي أحسن ممرضة جبتولي إياها .. وأحسن من كل دكاترة أميركا تبعتك كمان ...
سكتت للحظات قبل أن تضيف بهدوء كبير ولهجة مطمئنة:
- بعدين إنت ليش مغلب حالك فيني ؟ مش أنا مرتاحة ؟؟ وماعدت أشكيلك من إشي .. خلص إذاً خلي موضوع يارا معي .. أنا وهي متفاهمين على كل شي !
التفت الرأس الأسود .. أم أنه بني ؟؟؟ لا يهم .. عليها أن تركز مع حركة شفاهه الغاضبة وتركز مع مايخرجه من حمم بركانية :
- وإنت طبعاً عاجبك الوضع هيك !! بتسرحي وبتمرحي وبتروحي وين مابدك وبتيجيلك ساعتين عند جدتي وبتقبضيلك مبلغ محترم آخر الشهر !!
يارا تجمدت في وقفتها وهي تحاول أن تستوعب ما يعنيه من كلامه ذاك .. هل حقاً كلّمها كأنها متسولة انتهازية ؟؟ شعرت بحلقها يجف وبعقلها يتوقف عن التفكير أرادت بشدة أن تصرخ بوجهه لتخبره أنها ليست كذلك ، وأنها لم تفارق جدته ولا حتى دقيقة واحدة خلال الشهر المنصرم .. لكن علمها بأنه حفيد السيدة الكبيرة جعلها تشعر بالخواء .. هل يعني هذا أنها ستراه كثيراً ؟؟ هل ستسمعه يكيل لها الإهانة تلو الأخرى كلما قرر أن يزور الجدة ؟؟ والأهم من ذلك ما مقدار الضرر الذي يمكن أن يلحقه بها إن هي أغضبته بإجابة مستفزة كما كانت تريد أن تفعل ... رأته يتأملها بعدم تصديق وهو يرى الوجوم الكامل على وجهها ولم تحرك ساكناً أمامه .. شعرت من تقطيبته وارتفاع حاجبه أنه غضب فعلاً منها والتفت إلى جدته من جديد وسمعته يصرخ بغيظ :
- مشان الله شو عاجبك فيها .. كتلة الغباء هاي .. لا أسمع لا أرى لا أتكلم .. فش ارسال ولا استقبال ..
سكت للحظة وفكر قليلاً قبل أن يسأل الجدة بتشكك وهدوء و كإنه فهم سبب تمسك جدته بها رغم غبائها :
- ليكون البنت خرسة " مابتحكي "عشان هيك حزنانة عليها وبدك تخليها عندك ؟
هذه المرة استطاع أن يستفزها حقاً ووجدت نفسها تقول بصوتها العذب :
- بس كيف خرسة وأول مادخلت حكيت صباح الخير ؟؟؟
التفت إليها وقد جعلته يشعر هو بالغباء لأنه اعتقد شيئاً كان واضح منذ البداية أنه غير صحيح و ارتسم تعبير استعلاء رهيب على ملامح وجهه المنحوتة منذ سالف الزمان ، وقال لها :
- تعلمي كيف تحكي مع أسيادك وأصحاب الفضل عليك !
كلماته كانت كنصل سكين سريع وحاد امتد بسرعة ليخترق جسدها ويجرحها عميقاً .. عميقاً جداً ، كانت حساسة بشكل مبالغ به من الناحية المادية .. وكأنها تشعر بالعار من نفسها وبالخجل من أي شخص تظنه أيسر حالاً منها... آثرت الصمت وهي تدير برأسها بعيداً عنه وكأنها لا تقوى على رؤيته فيما علا صوت الجدة وهي تقول :
- هاشم .. ترى التكبر مو من شيمك يمّة ، أترك هالبنت بحالها ولا تيجي تتشاطر عليها عشان جيبتك فيها شوية قروش أكتر منها .. هاي رزقة ربك هو قاسمها بين البشر !
التفت هاشم لجدته وهو يجيبها باتزان :
- يمة والله ماهو تكبر بس البنت واقفة ولا كإنو في حدا بيحكي معها .. ولما نطقت بتتمسخر حضرتها !!
ابتسمت الجدة لحفيدها الذي رغم كل الهموم التي تحملها في قلبها خوفاً عليه من قرارته التعسفية ، لكنه صاحب النصيب الأكبر في قلبها .. تربع على عرشه واحتله منذ اللحظة الأولى التي حدقت فيها عيناه في عينيها وهو ابن يومٍ واحد... رضيع صاحب سطوة في نظراته وغطرسة سرقت قلب جدته .. وبتردد سألته :
- اقعد يمّة سولف معي ... من أول ما دشيت من هالباب وإنت بديت خناق وقتال بتسأل عن الممرضة .. ما بدك تقولي سواليف حلوة عن الجامعة ... كم بنت صرت مطيح من أول محاضرة ؟؟
ارتسمت ابتسامة على الوجه العابس صعقت يارا .. فلقد اعتقدت لوهلة أنه ولد بهذه التقطيبة على جبينه وبتلك الشفاه المزمومة تعنتاً ... التبدّل الرهيب في ملامحه جعلها تحملق فيه وكأنها تنظر إلى آدمي لأول مرة في حياتها .. كان على وشك قول شيء لجدته عندما شعر بتسلط نظراتها عليه .. عادت التقطيبة، واستعادت شفتاه تبرمهما وهو يقول :
- شو رأيك تروحي تشوفي شغلك ؟؟ مع إني شاكك إنك عارفة شو يعني تمريض .. بس عالأقل قيسي للجدة الضغط والسكر ... بما إنك آخر مرة أخدتي قياسهم مبارح !!
هذه المرة التقطيبة ظهرت على وجه يارا وهي تفكر ... لقد أخذت قياسهم مساء البارحة الأول .. لأني كنت في إجازة يوم الأمس .. لم تدرك أن نظرتها الجوفاء أرسلت إشارات إنذار للعقل اللامع الذي يشتعل ذكاءً أمامها .. والتفت إلى جدته في الوقت الذي كانت فيه الأخيرة تغمزها وهي تعَضُ على شفاهها ، وكأنها تتفق معها على مسايرتها في كذبتها البيضاء كي لايكتشف الحفيد المتبرم الحقيقة ... التمع الغضب في نظراته وهو يكشف تآمر جدته عليه مع ممرضتها الفارغة الرأس .. ودون أن يفكر مرتين توجهت نطراته نحو يارا وصار يقترب منها بحزم وخطواته كانت بالنسبة إليها وكأنها تعداد الثواني الأخيرة لبداية تجربة ستمتهن كبرياءها بلا شك ، وهي ترى حمماً نارية تتميز غضباً في عينيه .. عينيه الذهبيتين أم لعلهما عسليتان ؟؟؟ مابالها مع الألوان هذا اليوم .. فكل شيء في هذا " الهاشم " يبدو متغيراً ولايستقر على حالة محددة .. اقترابه منها جعلها تزدري ريقها وترفع رأسها عالياً كي تصل عيناها لعينيه وهو يكلمها .. فرغم ضآلتها اجتماعياً أمام عملاق من عمالقة المجتمع الأردني ، إلا أنها ترفض أن يتم استصغارها ، التقت النظرات عينان عسلية تميل إلى اللون الزيتي الداكن .. مترقبة وفيها لمحة من العناد .. مع عينين ذهبية تلتمع غضباً .. وقوة ... وتسلط و كبريــــاء !! وسمعته يسألها بهدوء ذكرها بهدوء يسبق عاصفة مدمرة :
- إنت أخذت قياس الضغط والسكر مبارح للجدة ولا لأ ..
رطبت شفتيها وهي تحيد للحظة عن عينيه وتجيب بتردد :
- أنا كل يوم باخد القياسات ... فأكيـ .....
قاطعها صوته هادراً بغضب :
- هي كلمة وحدة .. يا آه .. يا لأ .. أخذت القياسات مبارح ولا لأ ؟؟
صوته وأسلوبه جلبا الدموع لعينيها ... والعناد لرأسها .. والتحدي لكلماتها.. سحبت نفساً كي تمنع دموعها من الظهور أمام هذا المتكبر وأجابت بثقة وذقنها يرتفع بتحدي :
- لأ ما أخدتهم !!
شعرت بخيبة أمل وهي تسمع الصوت المرتجف الذي تكلمت به ، لكن مفاجأتها كانت بالقبضة التي أمسكت بمرفقها وكأنها من حديد وهو يقول بصوتٍ يظهر من الغضب والغيظ ما عجز دماغها عن استيعابه أو فهم السبب الذي قد يجعله غاضباً لهذه الدرجة :
- يلا إذا أشوف .. بوجهك عالباب .. متل ما دخلت منه بتطلعي منه .. مش ناقصني نصّابين !!
شعرت بإهانة عظيمة ... وكأن ماء وجهها أريقَ فعلياً أمام ناظريها ، كانت ترتجف غضباً لكن كرامتها المجروحة جعلتها تنفض مرفقها من قبضته بقوة لم تتصور يوماً أنها تمتلكها ، وقبل أن تقول أو يقول شيئاً تفاجأ كلاهما بالجدة التي غادرت سريرها وهي تستند على عكازها وتربت على كتف هاشم قائلة :
- شو مالك احتريت يمّة ... البنت أنا أعطيتها إجازة مبارح ، كانت عمتك عندي ويارا مش شايفة أمها من أسبوع ... تعال اقعد يمّة وسولف معي .. ويمّة يارا روحي على غرفتك غيري وارتاحي شوي على بين ما أتفاهم أنا وهاشم ..
قاطعها هاشم بقهر سيطر عليه احتراماً لجدته :
- يمّة .. شو تغير!!! أنا قلتلها تروّح !!
شدته الجدة من كفه نحو الأرائك الموجودة في الغرفة الفارهة وهي تقول بلهجة فيها من الطمأنينة ما يهدّأ أكثر القلوب غضباً :
- الله لايجعلنا من قطّاعين النصيب يا يمّة.. ليش تقطع رزق هالبنت وهي مالها ذنب .. أنا أعطيتها إجازة بقولك !! تعال أقعد معي .. وهسة يارا بتعملك فنجان قهوة يرّوق قلبك عليها !
وغمزت ليارا بنظرة ذات معنى جعلت الأخيرة تشد على أسنانها غيظاً وهي لاتريد أن تعارض كلام السيدة المسنة التي تحبها كجدتها فعلاً ولكن فكرة أن تصنع القهوة خصيصاً لهذا الهاشم المتكبر جعلتها تشعر بالحنق فعلاً ... إلاً أنها قالت :
- من عيوني ... لعيونك ياجدة !
وغادرت الغرفة بهدوء وهي تسمعها تقول لها بمحبة :
- الله يسلملي هالعيون الحلوة يارب !
لم يكن قد مضى سوى دقائق معدودة على خروجها عندما عادت إلى الغرفة وهي تحمل فنجاني قهوة على طبق التقديم ويزين وجهها ابتسامة مودة رقيقة تخفي توترها العظيم لرؤية " الهاشم " من جديد ، كانت قد تخلصت من معطفها وبقيت بلباسها الأبيض الرسمي الذي كان يرسم انحناءاتها برقة عذبة ، ابتداءً من صدرها الناهض إلى حوضها المستدير مروراً بخصرها الرشيق .. استقرت نظراتها على الجدة التي كانت تبتسم ةهي تضع يدها على يد حفيدها الذي كان من الواضح جداً أنها تعشقه عشقاً ، التوت شفتيها وهي تفكر أنه قد يؤثر على جدته من ناحيتها ويقنعها بالتخلص من هذه الممرضة الغبية كما يعتقد .. اقتربت منهما وهي تقول برقة مدروسة :
- القهوة جاهزة ..
وانحنى جذعها نحوهما وهي تميل بصينية القهوة باتجاههما ، ارتفعت عينا هاشم عن جدته واختفت النظرة الودية التي تمتلئ حباً ليحل محلها الترفع والجفاء وهو يقول لها من طرف شفتيه وكأنه يستكثر على نفسه أن يتكلم معها :
- حطيها على الطاولة..
شعرت بالإهانة وهي ترى ارتفاع ذقنه بتكبر ضايقها ، لطالما ترفعت عن التعامل مع الأشخاص المتكبرين مظهرة نحوهم تكبراً يمنعهم من الإقتراب منها ، لكن هذا الهاشم يستحقرها وليس يتكبر عليها فقط .. أشعرها أنه يقرف حتى من امتداد يده نحوها ليأخذ فنجان قهوته منها ، تعامله مسها في صميم كرامتها وكبريائها ، وضعت طبق التقديم على الطاولة الصغيرة التي يجلسان أمامها وهي تسمع الجدة تقول لها :
- يارا.. لويش يمة جايبة فنجانين ؟ وين فنجانك ؟؟
ارتفع حاجب هاشم باستنكار وهو يوشك أن يقول شيئاً لكن يارا سبقته كي لاتسمع منه إهانة جديدة ربما تخرجها عن صمتها هذه المرة ، وقالت برقة مصطنعة :
- الله يسلملي عمرك يا جدة .. بس أنا سبقتكم وشربت فنجان قهوتي الصبح مع الماما قبل ما أطلع ... صحة وعافية على قلبكم
أوشكت أن تخرج من الغرفة كي تعود إليها عندما يغادر وبالتالي تفحص الجدة فحصها الصباحي المعتاد لكن صوته فاجأها وهو يخاطبها من وراء ظهرها قائلاً باستعلاء بات يزعجها بشدة :
- وين رايحة ؟؟ مو بكفي إنك مش ماخدة ضغطها وسكرها مبارح ؟؟ يلا شوفي شغلك خليني أتطمن على جدة قبل ما أطلع !!
شدت يارا على شفتيها بقوة قبل أن تستدير بهدوء شديد وهي تهمس بكلمة " حاضر " رغماً عنها لأن إثارة غضب هذا الحفيد البربري التصرفات هو آخر ما تحتاج إليه بعد الارتقاء الذي لمسته في حياتها بعد عملها مع الجدة !
أحضرت جهازي لضغط والسكر وجلست القرفصاء أمام الجدة التي ان تبتسم لها وهي تقول :
- يجعل عيني ما تنحرم شوفتك!
ابتسمت يارا برقة نابعة من القلب وهي تجيبها بصدق ومحبة كبيرة :
- الله يخليلنا إياك يارب ومايحرمنا منك !
بينما هي تأخذ قياس الضغط للجدة لفت نظرها أن هاشم قد أخذ فنجان القهوة الذي كانت يارا قد وضعته أمام جدته وغمز للأخيرة وهو يقول بينما ابتسامة ملتوية ظهرت على شفتيه :
- خليني أشرب فنجانك بلاش تكون حطت سم بفنجاني !!
ضحكت الجدة من قلبها وهي تجيبه بمودة كبيرة :
- والله يا هاشم عمرك ما بتتغير ... عليك أفكار كل أميركا ما بتغيرلك إياها !!
بادل هاشم جدته الابتسام وهو يقف قائلاً :
- ليش مضايقتك أميركا كل هالقد ؟
التوت شفتا جدته استياءً وهي تجيب :
- مش أميركا .. إلا الناس إلي عايشة بأميركا وصارت عوجا متلها متل الأمريكان !!
انحنى هاشم بحركة فاجأت يارا إذ أصبح قريباً منها لدرجة كبيرة ما جعلها ترفع رأسها بحركة دفاعية و هي تراقب مايريد أن يفعل ، وصلت يد هاشم إلى رأس جدته واستقرت شفتاه على جبينها في الوقت الذي أوشك فيه رأسه أن يصطدم برأس يارا فابتعدت مجفلة إلى الوراء ورائحة عطره الممتزجة بدفء جسده وأنفاسه التي صارت برائحة القهوة تتغلغل في الجو من حولها ، ارتبكت وهي تحمر خجلاً لمجرد شعورها أنه اقترب منها لدرجة جعلتها تشم رائحة عطره وأنفاسه الدافئة ، وسمعته يقول لجدته :
- أنا صار لازم أروح .. ديري بالك عحالك !!
وارتفعت عيناه باتجاه يارا التي انتبه أنها ابتعدت كالملسوعة في جلستها وقال لها بذات النظرة الجليدية المترفعة :
- من اليوم وطالع إجازاتك بتاخديها مني .. وبتديري بالك على صحة الجدة منيح .. وبس أرجع من الجامعة إلي قعدة معك عشان نتفاهم على دوامك مزبوط !
بالكاد خرجت همسة منها وهي تردد :
- ح.. حاضر !
لاحظت لوهلة تقطيبة التعجب التي ظهرت على جبينه فعرفت أن وجهها محمراً بوضوح عكس ماكانت تتمنى بصمت ... لطالما كان احمرار وجهها واضحاً للعيان ... ماذا تفعل بخجلها الفطري الذي يلفت دائماً الأنظار إليها !! راقبته يعقد حاجبيه أكثر من قبل وهو يسمع صوتها المرتجف قبل أن يودع جدته مرة أخرى ويخرج من الغرفة .. وأفكاره تحاول أن تلتقط سبب الاحمرار البريء الذي كسا وجه الممرضة فاضحاً ارتباكاً عظيماً كانت تعاني منه .. لكنه بعجرفته المعتادة .. نفض عن رأسه غبار هذه الأفكار التي تتجه نحو فتاة من العامة .. واتجه نحو سيارته المرسيدس السوداء الفارهة وهو يشير للسائق أن يبقى مكانه في غرفة استراحة الحراس ، واتجه نحو باب السائق كي يقود ( مرسيدسته ) بمهارة ملكية !

جنتى صحراء قلبك القاحله بقلم لولا سويتىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن