الحلقه رقم(6) من روايه فاطمه
......................................
وبعد أن كانت فاطمة هي القائمة بأحوال البيت, وهي التي جهزت احتياجات المولودة من الألف الى الياء من قبل أن ترى الحياة, وذلك بمساعدة أخواتها وفي أحيان كثيرة بمساعدتي
الآن أصبح شادي هو المسئول عن احتياجات الطفلة وتدريجيا احتياجات البيت بالكامل, بعد أن كان فقط ماكينة لصرف المال فبعد أن غادرت فاطمة المستشفى بأيام وجدناه يجهز حجرة كاملة بكل شيء قد تحتاجه لعشر سنوات قادمة على الأقل, وأصبح لا يجلس في مكان في البيت الا وهي متواجدة فيه, إما في مهدها النقال الصغير, أو في عربتها, وأصبح يحملها كثيرا ويلاعبها ويدللها ويتحدث إليها, ولكن, فجأة استوقفنا أنا وفاطمة يوما وفي عينيه سعادة كبيرة : انظرا, أنها تبتسم ابتسمت ساخرا بصمت من صغر عقله, فكيف لصغيرة مثلها أن تبتسم في هذا العمر؟
لكن فاطمة قالت باهتمام : حقا!
قال بتأكيد : نعم, لقد ابتسمت لي
عدت أكمل حديثي مع فاطمة وعاد هو لتأمل صغيرته, لكنه استوقفنا من جديد : انها تبتسم ثانية
لم أستطع أن أسكت فقلت: كيف لرضيعة في عمرها أن تبتسم!!
قال بتأكيد : لقد ابتسمت, أقسم لك
لكن فاطمة قامت من مكانها وجلست بجواره فنظر إليها وقال بإصرار وكأنما يحتاج لمن يؤيده : لقد ابتسمت لي, صدقيني نظرت فاطمة إلى وجه الصغيرة وامتلأت بالبشر والسرور, ثم نظرت الى شادي وقالت بابتسامة عذبة : أصدقك, لقد بدأت تتعرف عليك
أظنها تختصك أنت ببسماتها لأنها تحبك
قال مذهولا من عبارتها : أحقا!!!!
لو بحثت في كل الكتب عن عبارة كتلك تصنع ذلك الأثر في شادي ما نجحت, لقد ازداد إعجابي بذكاء تلك المرأة, لقد أدركت بذكائها أن شادي يحتاج إلى الحب وأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يربطه بالبيت هو ارتباطه بنور فمنذ اللحظة الأولى ولا يخفى على أحد مدى حب شادي لها, وأدركت فاطمة أن نمو هذا الحب وتقويته يرسخ الاستقرار في الأسرة ويزيد من تقاربهما
أكمل عندما وجدها تتململ تريد أن تتكلم: نعم كانت الرغبة في التقارب النفسي بينهما واستقرار الأسرة رغبة متبادلة فما الغريب في هذا؟؟
لكن الطريق كان طويلا أمامهما للوصول إلى نقطة التفاهم, لقد بدأت الأمور تعود الى طريقها الصحيح لكنهما بحاجة إلى المزيد من الوقت وما أسعدني للغاية أن شادي وفاطمة أصبح لهما دائرة انسجام خاصة بهما, فلديهما الآن شيء مشترك يتحدثان حوله كان شادي يسألها دائما عن كل ما يخص الطفلة من أمور وكيفية نموها وتطور حركتها لم يكن يتركها تغيب عن عينيه, وإن أمسكها لا يستطيع أحد أن يأخذها منه, إلا عندما تطلبها فاطمة لإرضاعها أو لتبديل ملابسها, فلم يكن يستطيع أن يعارضها وشيئا فشيئا بدأ شادي يتلافى أخطاء الماضي, ويحاول أن يتقرب الى زوجته ويفهمها ويعرف عنها معلومات أكثر بدأ يقتحم الدائرة التي صنعناها أنا وهي سويا, ويندمج معنا في الحوار فأول ما شده للحوار بيننا وجعله يشارك فيه عندما سمعني يوما أسأل فاطمة : ولكن ما الذي اضطرك للوقوف في محل النظارات بدلا من والدك؟
قالت بود : كما تعلم والدي مريض ولم يعد باستطاعته الوقوف لفترات طويلة, كما أن مرض عيناه يتطور بسرعة قلت موضحا : ولكن لم أنت بالذات وليست إحدى أخواتك؟
قالت ببساطة : عندما هاجم المرض أبي كنت في امتحانات الثانوية العامة, وكنا نتبادل أنا وأخواتي الوقوف في المحل, وقد تحملوا ظروفي الصعبة أثناء امتحاناتي, وعندما أنهيت الامتحانات كنت أواظب على الوقوف في المحل أكثر منهم تعويضا عن الفترة التي قضيتها في المذاكرة والامتحانات ثم قدمت أوراقي لمكتب تنسيق القبول بالجامعات بعد أن كتبت رغبتي الأولى معهد فني بصريات, وجاءت النتيجة كما كتبتها تماما والتحقت بالمعهد وتخرجت وأصبحت فني بصريات, وكان من البديهي أن أصبح أنا المسئولة عن المحل وكل ما يخص إدارته
سأل شادي فجأة : وماذا كنتي ستكتبين في الرغبات لو لم تضطرك الظروف لهذا المعهد؟
نظرت إليه نظرة غير المتوقع ثم قالت : كلية تربية قسم تاريخ
شجعته إجابتها على الاندماج في الحوار: أتحبين التاريخ لهذه الدرجة؟
قالت بابتسامة ودودة: كنت أتمنى دائما أن أصبح معلمة للتاريخ
قال بتردد: ولكن, أليست مهنة التدريس لم تعد كما كانت في الماضي؟
أعني أن مستقبلها ليس جيدا
قالت : أنا أحب التدريس كهواية أكثر منه عمل, عموما لقد أشبعت رغبتي بالتدريس لبعض الوقت
قال : كنت تدرسين لأخواتك, أليس كذلك؟
قالت : ليس هذا فحسب, بل كنت أدرس في إحدى مجموعات التقوية التى تقدمها الجمعية الخيرية التابعة لمسجد حينا بأجر رمزي خرجت تماما من الدائرة وتركتهما يتحدثان لتنمو علاقتهما وتزداد قربا, وسألها هو باهتمام أكبر : كنت تدرسين التاريخ في هذه الجمعية؟
قالت ببساطة : لا, بل اللغة الألمانية
رفع حاجباه بدهشة متفاجئا بإجابتها الغير متوقعة : اللغة الألمانية!!
وكيف تعلمتيها؟
قالت : كانت اللغة الثانية لي في الثانوية, أحببتها كثيرا بسبب معلمي الفاضل أكرمه الله هو الذي جعلني أحبها وأتقنها, ثم رشحني للدخول في مسابقة يقيمها معهد جوته لإختيار أفضل الطلبة في اللغة الألمانية على مستوى مدارس الجمهورية, وكنت احدى الفائزات في المسابقة, وكانت الجائزة عبارة عن دورة مكثفة مجانية لدراسة اللغة الألمانية في شهور الصيف في المعهد نفسه مما جعلني احدى المتميزات في اللغة الألمانية, لذلك فقد استعان بي مدير الجمعية لإعطاء مجموعات تقوية في اللغة الألمانية بأجر رمزي
قلت مستفسرا : ولم لم يطلب من مدرس متخصص
قالت : لم أسأله رغم أني أتوقع أنهم طلبوا منه أجر مرتفع
ابتسمت بإعجاب كبير لذلك الذكاء المتقد والاجتهاد والمثابرة, بل والعطاء أما شادي فقد استمع اليها بإنصات وكنت أنا مهتما بمراقبة تعبيرات وجهه التي كانت تتغير طوال حديثها بشكل لا يخفى على عين تتسع ابتسامته ويملأ الإعجاب عيناه, لا شك أنها هي أيضا لا حظت نظراته لها فقد أحنت رأسها في نهاية حديثها وشبكت أصابع كفيها وثبتت نظراتها عليهم كما لو كانت تهرب خجلا من نظراته, وكان الحياء يبدو جليا في تعبيرات وجهها وحركاتها
ولأول مرة يصبح ذكيا ويرفض أن ينهي الحوار الودود الهادئ الموشى ببسماتها الرقيقة, فتنحنح وحاول أن يرسم الجدية في ملامحه : إذا فأنت تجيدين اللغة الألمانية؟
قالت ولا زالت نظراتها تتجنب عيناه: نعم
قال : الحقيقة أنني سمعت جملة باللغة الألمانية ولا أفهم معناها, هلا ترجمتها لي؟
قالت بهدوء : نعم, وما هي
قال وابتسامته تتسع : Ich liebe dich
صمتت لفترة وتوردت وجنتاها ولم تنظر اليه أبدا, ولكنها قالت : عليك أن تسأل المخرج
قال بدهشة : أي مخرج
أجابت وهي تقوم من مكانها : مخرج الفيلم الذي سمعتها فيه
قلت محاولا إبقاؤها : إلى أين يا ابنتي؟
قالت بسرعة وهي تغادر الحجرة : اقترب موعد العشاء وعلى تجهيز الطعام
بمجرد أن أغلقت الباب خلفها فوجئ شادي الولهان بالنظر اليها بصفعة مني على قفاه أيقظته من هيامه, فهتف بغيظ : ما هذا يا جدي؟
قلت ساخرا : من تظنني يا ولد! قنطرة بينكما!
قال بغيظ : أرأيت كيف هربت؟
قلت : أيها الأبله الفتاة توقرني أكثر منك, أتظنني لا أفهم ما يدور؟ إن أردت مغازلتها ثانية فانتظر حتى تكون وحدها هب قائما وغادر الحجرة مسرعا
فهتفت بدهشة : إلى أين يا مخبول
قال قبل أن يغلق الباب خلفه : أعمل بنصيحتك
حتى تقام البيوت لابد لها من دعامتين وهما الزوج والزوجة
واحد فقط لا يستطيع إقامة البيت أن كان الآخر لا يبالي
فاطمة وحدها لم تكن تستطيع الإبقاء على البيت دون رغبة حقيقية من الدعامة الثانية, (أي شادي) ورغم ذلك حاولت حاولت بكل ما تستطيعه من جهد, وخاصة بعد أن أصبح لديها دافع قوي للإبقاء على حياتها مع شادي بعد كل ما فعله شادي معها تعامله بمثالية لم أرها في أى بيت من البيوت التى أعرفها, لم توجه له ولو حتى لوم أو عتاب, بل كلما اقترب شادي منها خطوة تقربت هي اليه عشرا, كانت تسهل عليه الأمور للغاية, لم يعد هناك تفكير في الإنفصال
لأن هناك نور وكانت أجمل اللحظات التي أرى فيها السعادة مرتسمة على وجه فاطمة عندما تتأمل شادي وهو يحمل طفلته ويلاعبها كلاهما يتفانى الآن في جعل البيت مستقرا وثابتا, لقد اجتمعا أخيرا على شيء, شيء يبذلان في سبيله أرواحهما لرسم مستقبل سعيد له
وهما يراقبانها وهي تكبر أمامهما شهرا بعد شهر كانت فاطمة هي الأكثر بذلا وعطاء, مخلوقة غير كافة الناس وجه جديد لها أراه لأول مرة وجه من يختلق السعادة اختلاقا
سمعت حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم يقول " إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الصبر بالتصبّر"رواه ابن حجر في فتح الباري مرفوعا 1\161 والهيثمي 1\128 و أوقفه بعض العلماء على بن مسعود
لكنها أول مرة أعرف فيها أن السعادة بالتظاهر بالسعادة, هذا هو المعني الجديد الذي علمتني إياه فاطمة لن تفهمي ما أقوله إلا إذا أوضحت لكي ما كانت تفعله مع زوجها
كنت من خلال أحاديثي الطويلة معها أستطيع أن أستنتج ما تحبه وما تكرهه, وكنت أراقب بصمت المتعجب عندما يهديها شادي شيئا وأنا أكاد أجزم أنها لا تحبه ولا يناسبها ثم أجدها تظهر فرحا غير عادي به قال عندما رأى علامات التعجب على وجهها : أتعجبين!
لم يكن التعجب فقط هو شعوري وأنا أراقبها وهي تصرخ بحماس ومرح عندما تتشارك هي وشادي في اللعب على الكمبيوتر كان الذهول ينتابني وأنا أراقب الفتاة الرصينة المثقفة ذات العقلية العملية التي يمكن أن تدير بلدا بأكملها وهي تشاكس زوجها كالأطفال وتضربه على كتفه كلما هزمها في لعبة سباق السيارات بل وتلقي بالنكات وقد يرتفع صوتها بالغناء المازح كلما حكمت القافية كما نقول وأيقنت أنها تتقرب إليه بما يحبه هو حتى ولو لم تكن هي تحبه
وتوارت لعبة الأذكياء أمام ألعاب الكمبيوتر التافهة كانت تعتني بي وتبذل جهدها لراحتي ورعايتي, ولكن عندما يدخل شادي إلى البيت ينسحب كل اهتمامها إليه
أخذها مني الأحمق لا تتعجبي فهي ابنتي الوحيدة, أنا مؤمن بذلك في قراره نفسي
كان لي صديق رأيته مرة يبكي بكاء حارا, وعندما سألته عن السبب قال ان ابنته تزوجت, أخذها منه رجل غريب يومها سخرت منه واتهمته بالجنون اليوم عرفت أن مشاعره كانت صادقة للغاية, فأى أب يعتقد أن ابنته, درته الغالية لا يستحقها أي رجل في هذا العالم
لكن العقل هو ما يلجم مشاعرنا ويهذبها, لهذا عندما نحكم عقولنا لا نرضى أبدا لبناتنا إلا بحياة مستقرة وبيت سعيد وزوج يرعاهن ويصونهن, لذلك كانت سعادتي تزداد كلما رأيت الوفاق والانسجام يزداد بينهما كان شادي سعيد للغاية بما وصل إليه مع فاطمة, لم يكن ينغص عيشه سوى مشاكل العمل كما كان يحكي لي أنا وفاطمة فهناك تلاعب بأموال الشركة ولكنه لا يعرف من على وجه التحديد الذي يتكسب من وراء ظهره, ويسرق من أموال الشركة لكم كانت سعادتي أن أرى شادي وهو يصب كل اهتمامه على بيته وعمله وينسى أصدقاؤه وحفلاتهم وسهراتهم, فالصغيرة (حبه الوحيد كما يطلق عليها دائما) أخذته من كل شيء وأنسته العالم
وإذا ما أراد الخروج فأول ما يفكر فيه هو أين يمكن أن يصطحب فاطمة وأى الأماكن يمكن أن تسعدها وتوصل عقله إلى أن يدعوني أنا وهي إلى معرض الكتاب, ورغم أنها كانت فكرته, إلا أنه تركنا أنا وهي نتجول في المعرض بحرية واختار هو أن يجالس صغيرته في ركن هادئ من أركان المعرض ويومها لم يخفى على مدى تلهف فاطمة لإنهاء الجولة سريعا والعودة إليه بحجج مختلفة, مرة نور جائعة, ومرة شادي وحده سيمل, ومرة أنا جائعة فلنتناول الغداء
وهكذا لا يمضي وقت طويل إلا وتعود إليه مسرعة, وكان هو رائعا بحق, فلم يشعرنا أنه ضائق أو ملول, ويومها استطاعت فاطمة أن تملأ البيت بكتب كثيرة في ثقافات مختلفة, ولم يبالي شادي بما أنفقته أو حتى يسألها كم دفعت, فقد حصل على شيء أغلى, سعادة فاطمة وقربها منه ولكن بقي شيء واحد ليطوى الماضي بكل ما فيه من ألم كما بدأ زواجهما بالصراحة المطلقة, فعليهما أن يبدءا تلك المرحلة من حياتهما بالصراحة المطلقة أيضا, وكما حكى لي شادي وهو متأثر كانت فاطمة ترضع طفلتها التي استيقظت بعد منتصف الليل وأيقظتنا, فبقدر حلاوتها وجمالها وخفة ظلها إلا أن صوت صراخها هو أسوأ ما فيها
كنت أجلس على المقعد الوثير بجوار النافذة أتأمل فاطمة وهي تجلس على السرير وترضع طفلتي وأخذت أذكر نفسي وأحادثها بأن تلك الصورة الجميلة التي أمامي هي أجمل ما في حياتي, صورة تحوي أغلى من امتلكت فاطمة وطفلتها
لم أكن أدري من أين أبدأ ولا كيف أصارحها, ولكن يجب أن أصارحها, فقلت بتردد : فقط لو يعود الزمن للوراء؟
قالت بابتسامة عذبة: لا تقل لو, بل تمنى أن يكون الحاضر أفضل والمستقبل أفضل وأفضل
امتلك بعض الشجاعة فاندفعت قائلا: أتمنى لو أستطيع أن أعوضك عما قاسيتيه بسببي
قالت بحنان : لا تكمل فقد نسيت كل شيء
غص حلقي بالندم : أما أنا فلا أستطيع أن أنسى, كلما نظرت الى صغيرتي وحبة قلبي وأتخيل أن رجل, أي رجل يخطفها مني ويتزوجها رغما عني وعنها أكاد أموت غضبا, أظنني قاتله لا محالة خفتت ابتسامتها لكنها قالت : صدقني ما كنت أتمنى أبدا أكثر مما أنا فيه الآن, إن نعم ربي على لا تحصى بيت جميل وزوج عطوف يحميني ويسترني وجد طيب وقرة عين لي ولك
نهضت من الكرسي واقتربت منها وركعت على ركبتي أمامها وأمسكت بكفها بين يدي والحب ينطق في لساني : فاطمة, منذ فترة وأنا أريد أن أصارحك بشيء
استمعت إلي باهتمام فأكملت : أنا أحبك, أحبك أكثر من أي شيء, لقد منحتيني سعادة لا توصف, أنتما أغلى ما لدى في هذا العالم غزت الدموع عينيها وظهر التأثر في ملامحها, وقالت بصوت رقيق : شادي, أنا..
قاطعتها بحب ولهفة وانطلقت مشاعري بصدق لأول مرة أشعر به مع أية امرأة : يا الهي, ما أحلى اسمي على شفتيك, لم أسمعه يوما بهذا الجمال طفرت دموعها وجرت على خديها وقالت : شادي, أنت العزيز الغالي, ان لك مكانة عالية في قلبي, أنت ..
خفتت الابتسامة من على شفتي ومن قلبي, لقد صدمتني عبارتها التي لم أتوقعها, فقاطعتها برجاء : تمنيت أن أسمع منك كلمة حب
أسبلت جفنيها بخجل وقالت بتردد: لقد اعتدت مني الصراحة المطلقة كما تعودنا معا غمرني إحباط هائل ويبدو أنه انعكس على نبرة صوتي وملامح وجهي : نعم
قالت : لو قلت أنني أحبك فلن أكون صادقة تماما, ولكن صدقني إن مكانتك في قلبي تزداد يوما بعد يوم, فقط امنح قلبي بعض الوقت ليعرف ما هو الحب فأنت زوجي وأبو ابنتي الذي لا يمكنني الاستغناء عنه, إن ما يربطنا هو أقوى رباط في الحياة, بل هو أقوى من رباط الحب
صمت قليلا أحاول أن أبتلع كلامها وأتقبله, وعندما أدركت أنها صادقة حقا وأن على بذل المزيد من الجهد لتثق بي قلت محاولا رسم ابتسامة جديدة على شفتاي : إذا فهل سامحتيني
قالت باسمة : علام أسامحك؟ لا أستطيع تذكر أي شيء أسامحك عليه, ولكن..
ترددت قليلا ثم قالت : لو طلبت منك شيء فهل تفعله؟
قلت بحماس صادق ورغبة حقيقية لإسعادها : اطلبي عيناي ولن أتأخر
قالت بدلال : مهما كان طلبي صعبا؟
قلت بتأكيد : الطالب أغلى من كل صعب
ترددت قليلا ثم قالت : أريدك أن تصلي فوجئت تماما بطلبها الغير متوقع, في لحظة ما ظننت أنها قد تطلب مالا أو ذهبا أو أي شيء للبيت أو لنور, لقد أوقعتني في حيرة كبيرة, لا لأنني لا أعرف كيف أصلي, ولا لأنني لم أفكر يوما في هذا الأمر ولكن..
أي امرأة هي التي تطلب مثل هذا الطلب الغريب؟ كنت مستعدا أن أمنحها كل ما تطلبه مهما كان ثمنه, بل كنت أعد نفسي لأشتري لها سيارة أو أنقلها إلى بيت جديد ربما فيلا في أرقى الأحياء
حيرني كثيرا أنها المرأة الوحيدة التي لم تهتم يوما بما أحمله من مال ولا بالقيمة المادية لهدية أهديتها إياها, امرأة لا يعنيها المال رغم أن زواجنا في ظاهره بدا خلاف ذلك يبدو أنني أطلت التفكير فسألتني برفق : أهو صعب لهذه الدرجة؟
قلت بارتباك : لا ولكني لم أكن أتوقع أن تطلبي مني هذا الطلب
قمت من الأرض وجلست بجوارها على السرير ثم قلت بعد تفكير: لا أدري, ولكني سأحاول
الغريب أنها رضيت مني بذلك الوعد الغير محدد ابتسمت لي واحتضنت ذراعي وقبلت كتفي بسعادة بالغة أيقظته من إحباطه قائلا : لا تأسى على نفسك فالجراح لا تشفى بين يوم وليلة, لا تنتظر منها أن تتدله في حبك لمجرد أن اعترفت بحبك أمامها
أتدرى أنها لو قالت غير ذلك لاعتبرته نفاقا منها وكذب أنت نفسك ما كنت لتقتنع لو قالتها لك بعد كل ما فعلته بها, يكفي أنها سامحتك وصفحت عن كل أفعالك ولم توجه لك ولو كلمة عتاب واحدة لقد رضيت بحياتها معك وتقبلتها وعليك ألا تتعجلها وترضى أنت أيضا بالسعادة التي تمنحها لك هدأ شادي بعد كلماتي له وبدأ يبحث عن قلب زوجته لينفذ إليه
أما فاطمة فكانت منشغلة بشيء آخر, بالوعد الذي وعده زوجها لها, لم تنسى, ولم تتوانى عن طلبها فكانت تستخدم طرقا في غاية الذكاء لتدفعه للصلاة دون أن تحرجه أو تشعره بالخجل, وكم من مرة تستعين بي لمساعدتها في تحقيق أملها بأن يصبح زوجها من المصلين
ولكن أنى لإنسان وصل الى هذه السن الكبيرة دون أن يركعها أمر صعب للغاية, واستغرق شادي أكثر من عام حتى يستطيع فقط أن يخرج معي لصلاة الجمعة مرة واحدة وكانت سعادة فاطمة عظيمة بذلك التطور الهائل (كانت تراه كذلك) كما كان صبرها عليه عظيما
فلأول مرة بعد عام كامل ترى نتيجة لتعبها ومجهودها معه مما منحها دافع قوى لاستكمال المسيرة والجهاد معه إلى مالا نهاية وهي في قمة اليقين أنها ستنجح يوما ما لا محالة, حتى لو طال عليها الأمد وامتد الزمن كما كنت أقول لها لكن يأسي منه لم يجد في نفسها أى ثقب يتسلل لها منه, فعزيمتها أقوى من الحديد, وان لم تفلح هي فستنجح بالتأكيد حبيبة قلبه وقرة عينه نور, فلا شك أنها ستستعين بها عليه يوما ما تلك هي عقلية فاطمة وهكذا تفكر وتتصرف
دوافعها وتصرفاتها تختلف تماما عن دوافع أية امرأة أخرى لا يهمها سوى أن يكون زوجها لها وحدها ينفق عليها وعلى أطفالها بسخاء ويحبها ويدللها أما هي فلم تطلب منه أى شيء لنفسها (رغم يقينها أنه سوف يلبي لها أى طلب تطلبه)
بل أن طلبها كان أولا لرضا ربها ثم حماية لزوجها من عذاب أليم أعلم ما تريدين قوله, أنها بشر وليست ملاكا فاطمة لم تكتسب تلك الصفات الملائكية بين يوم وليلة
حتى يتضح لكي مدى عمق شخصيتها وكيف تفكر وعلى أى أساس تكون اختياراتها وتصرفاتها سأحكي لكي مناقشة بينها وبين زوجها كنت حاضرا لها ومستمعا فيها
لكم كنت دوما أحبها وأحترمها وأقدر تضحياتها ولكنها كبرت في عيني للغاية بعد هذا الموقف
يا ترى ايه الحكايه؟!
هنعرف الحلقه الجايه
لو ملقتش تفاعل هعرف انكم مش حابيين الرواية وهوقف نشر شوية ولو لقيت تفاعل هنزل حلقة تاني بالليل