- كان الثلج يتساقط والريح تتقاذفه هنا وهناك الى أن يصطدم بأسيجة النباتات حول أشجار الحديقة حيث يكون يكون سياجا ناصعا, وكانت كيم في تلك اللحظة مستندة بمرفقيها على دعامة النافذة تتطلع بأنقباض الى الأرض الممتدة أمام عينيها , وفيما هي كذلك عادت صديقتها من المطبخ حاملة صينية قهوة , وفاجأتها كيم قائلة:
" لا يأتي الثلج الا في عطلة نهاية الأسبوع , نعمل في المكاتب خمسة أيام وسط جو خانق وعندما نوقن من أننا سنستمتع بعطلة أسبوعية نستحقها يفاجئنا الثلج فيحرمنا من هذه العطلة ويفوت علينا كل توقعاتنا".
وبالفعل , صممت الصديقتان قبل ثلاثة أسابيع على الأفادة من الحياة والقيام بشيء ما في عطلات نهاية الأسبوع , وهذا ما حدث أذ قضيتا نهاية الأأسبوعين الأولين في التجول بالسيارة وزيارة بعض الأماكن الهامة , ولكن في عطلة أسبوعهما الثالث فاجأهما الثلج فتركهما قابعتين في البيت .ونظرتا بأسف الى السماء المتلبدة بالغيوم والتي لا تبشر بالأنفراج مدة يومين على الأقل , وضعت كارول الصينية علىالطاولة وقالت:
" تستطيع على الأقل الذهاب في السيارة الى مكان ما أذا خف تساقط الثلج".
" أتتوقعين أن يخف؟ في أي حال ليس من المسلي قيادة السيارة والبقاء داخلها في طقس مثل هذا".
قالت كيم ذلك وتركت النافذة لترتمي على المقعد , عندها أقترحت كارول أن تقوما ببعض الأشغال المنزلية , فأجابتكيم:
"الأشغال المنزلية ليست من ميولي كما تعلمين , هناك أشياء أكثر أثارة لي من الأشغال المنزلية".
" مثلا؟".
" أحدها قراءة الكتب".
ضحكت كارول وقالت منوهة:
" وشيء آخر يا كيم , عزوفك عن الزواج".
" لا أرى في الزواج أي فائدة".
قالت كيم ذلك ثم أضافت:
" ماذا تجد المرأة في الزواج؟".
كانت كارول قد أنتقلت الى بيت صديقتها كيم منذ شهر عندما تزوجت صديقة أخرى لكيم ,وهي ستمكث معها حتى عودة زوجها من مهمة في أميركا للشركة التي يعمل لحسابها , وكانت كارول هي التي أقترحت على كيم أن تكون ضيفة عليها لأبعاد الممل عنها والترويح عن وحدتها في منزلها الصغير الدافىء , وقد أستعادت كارول عملها في الشركة التي كانت موظفة فيها قبل الزواج , أسوة بزوجها , وكيم تعمل سكرتيرة للمدير .
وأستأنفت كيم الحديث بقولها :
" خذي حياتك مثلا يا كارول , كم تتقاضين مقابل ساعة عمل في المنزل؟".
كان هذا سؤالا لم تتوقعه كارول التي أجابت:
" ماذا يعني كلامك هذا؟ الحقيقة أنني لم أفكر بهذا أبدا".
" أنه كبير الأهمية , هناك سيارة للممزل لا يمكنك أستعمالها لأن دافيد يستعملها ,أليس كذلك؟".
" طبعا ,ولكن ماذا في ذلك؟".
" يأخذها دافيد كل صباح وتلتزمين البيت لتقومي بالأعمال المنزلية كالغسل والتنظيف والطبخ والترقيع والبستنة .... ألم تتأملي أبدا فيما يفيد دافيد منك مقابل النقود التي يمنحك أياها؟ هل قمت بعملية حسابية بسيطة لتتبيني ما تحصلين عليه".
" بالطبع لا, وليس عندي أي نية لعمل ذلك".
" جربي ولو مرة واحدة , وأنا أراهن أن أجرك لا يتعدى الخمسين بنسا للساعة الواحدة".
" هراء ! خمسون بنسا؟".
وأنفجرت كارول ضاحكة ثم تابعت:
" خمسون بنسا فقط ؟ أنك تهذين ".
أستندت كيم الى الوسائد وفي يدها فنجان القهوة , وكانت تتتتتتفحص كارول بعينيها .... ثم قالت:
" أنك تعملين في البيت أثنتي عشرة ساعة يوميا في أقل تقدير , فكم يقدم لك زوجك لمصاريف البيت؟".
" أنه يقدم لي مصروفا شخصيا قدره عشرة جنيهات".
" حسنا , تعملين سبعة أيام في الأسبوع بأجر يقل عن خمسين بنسا للساعة الواحدة , أنك بلهاء ككل النساء المتزوجات اللواتي يستغلهن أزواجهن بلباقة تعميهن عن التفكير في الأمر".
قالت ذلك ثم رشفت من القهوة مرة أو مرتين وهي تنتظر لترى مدى أثر كلامها في كارول التي كانت تفكر مقطبةالجبين .
" حسابك صحيح ... خمسون بنسا للساعة , أيمكن تصور ذلك ؟".
" خمسون بنسا مع مصروف معيشتك طبعا".
" صدقيني يا كيم , أنا شخصيا لم أفكر في هذا نطلقا".
" لست وحدك يا كارول , فأن معظم النساء يجهلن ذلك , أنهن يؤدين أعمالا تافهة تشغل كل أوقاتهن ولا تترك لهن ساعة أسترخاء.... وكل ذلك مقابل خمسين بنسا فقط , يا لكن من معتوهات!".
أخذت كارول تكرر بصورة آلية:
" لم أفكر في ذلك .... لم أفكر في ذلك...".
ثم أردفت قائلة:
" أنه لرهيب حقا , خمسون بنسا ! لا عجب في أن تحسدك صديقاتك".
" أعلم أنهن يحسدنني , فأنا أعمل مثلك سبع ساعات مع الفارق هو أنني أحتفظ لنفسي بالمبلغ كله , وأنا أقود سيارتي بنفسي وأذهب ساعة أشاء ومتى أشاء , هل كان في أمكانك أن ترافقيني في عطلة الأسبوعين الفائتين لو أن دافيد كان هنا".
قالت كارول مشككة:
"قد يرافقني هو مثلا".
قالت كيم ساخرة:
" ربما.... أنك على علم بما يعمله عندما يكونون في المنزل لعطلة نهاية الأسبوع , يتلهون بتلميع السيارة ,ويتسلون بالبطارية والتزييت وما شاكل ذلك , ويولون الحديقة شيئا من أهتمامهم أو يثرثرون مع جارهم من فوق السياج ,والمصيبة هي أنك تماشينهم في حديثهم الذي يدور معظمه حول عملهم أو حول رياضتهم المفضلة".
أجابت كارول بصوت فيه شيء من الحزن:
" أنك على حق , ولك طريقة خاصة في أبراز ضجر الزواج يا كيم".
" ضجر؟ لم يمض على زواجك الوقت الكافي بعد لتتبيني مقدار هذا الضجر يا كارول".
قالت كارول :
" أذن ستعيشين عانسا طول حياتك؟".
تمعنت كيم في مغزى هذه العبارة , وتساءلت أذا كان العنوس أهون الشرين , وأجابت على الفور لتطرد هذا الفكر من مخيلتها:
" لا أحب كلمة (عانس) أنا بنت عزباء".
" أنما لفترة , ولن تكوني كذلك بعد عشرين سنة".
" سيكون لي حينذاك مظهر أكثر نضارة وشبابا من أمرأة متزوجة عمرها من عمري".
وأضافت قائلة كأنها لا تريد أن تعطيها فرصة الأجابة:
" اكون المتزوجات في سن الأربعين هزيلات ومتثاقلات من جراء الهموم والأعمال البيتية المضنية".
قالت كارول مترددة:
" أنت على صواب , فالعازبات لا يظهرن أكبر من أعمارهن كالمتزوجات".
" أنا محقة ومدركة وضعي ,وأكرر ما قلته وهو أن معظمهم يستغلون النساء وأنا لن أكون واحدة منهن".
" هل تكرهين الرجال يا كيم؟".
" ليس تماما , ولكنني لا أكترث بهم , هذا كل ما في الأمر , معظمهم يسيئون معاملة النساء أساءة مهينة ولا يحلسبون على ذلك بسبب حماقة النساء أنفسهن...".
وهنا قطع رنين جرس التلفون عليها حديثها , فوضعت كيم الفنجان على الطاولة ونهضت مسرعة نحو الرواق ورفعت السماعة , بدا من حديثها أن هناك جدالا مع مخاطبها في الطرف الآخر ولم تفلح كيم في مقاطعته , وعندما سنحت لها الفرصة رفعت صوتها حانقة وقالت:
" وهذه المرة أيضا يا فيكي؟ أنعا الخامسة!".
أجابت فيكي منتحبة:
" أن المسألة رهيبة لدرجة لا أستطيع معها أن أبقى مخطوبة له يا كيم".
" أذن تخلي عنه , أن ذلك لسهل عليك بعد الخبرة الطويلة التي أكتسبتها في صدر الرجال ,أما أنا فلا أستطيع أبعاده عنك".
" هذا هو بيت القصيد , أن تفصليه عني , أنا شخصيا لا أستطيع ذلك".
" أذن تزوجيه".
قالت فيكي يا ئسة:
" أرجوك يا كيم , كوني حليمة معي, لا أحد غيرك يستطيع مساعدتي , كيف تريدينني أن أتزوج رجلا رهيبا , قاسيا ,وقحا , في أعتقادي أنه من النوع الذي يتمكن من الشابات بسهولة قصوى ....تفهمين ما أعني".
بدا الأعياء والملل على وجه كيم التي تنهدت وقالت:
" لا يا فيكي , لا أفهم ما تعنين".
" بلى , تفهمين وتعرفين هذا النوع من الرجال الذين ينصبون الشراك للشاباتو... أنه شرس....".
وفجأة صمتت :
" أذن لماذا تورطت في خطوبته ؟".
" ليس الأمر بهذه السهولة , أنهم بارعون في الصيد , وأنا أعجز من أن أرفض ولن أرضخ في المستقبل , ولكن عليك أن تساعديني أولا, أرجوك , ساعديني , ساعديني!".
نظرت كيم الى السماعة لحظة , وكانت على وشك أعادتها الى مكانها عندما سمعت نشيجا فطار صوابها ,وصرخت غاضبة:
" ماذا تريدين مني ؟ لماذا لا تكون لك الأرادة الكافية لقذفه الى الجحيم كما قذفت غيره من قبله؟".
" هذا يختلف عن غيره , أنه سيقتلني .... وهناك عمتي مارغاريت ".
" عمتك؟".
لم تلتق كيم بعمتها من قبل ,ولكنها كانت تعرف عظم محبتها لفيكي التي تقيم معها منذ وفاة والدتها قبل أربع سنوات.
" وما سأن عمتك بشؤونك الشخصية؟".
" لأن عمتي سئمت من مشاكلي كما تقول".
" أنا لا ألومها على ذلك".
" وهددتني بأنها ستحرمني الميراث أذا رفضت جوليان الذي تعتقد أنه شخص مدهش".
" هل عمتك مقتنعة بما تقول؟".
" كل الأقتناع".
كان في صوت فيمي ما أقنع كيم بقوة حجتها ,ومضت برهة صمت أجزم بأنها داهية أكثر مما أتصور , أما بصدد جوليان , فهل هو حقا حسب وصفك؟ أهو بهذا السوء؟".
" أنه رهيب ويخيفني , أرجوك يا كيم , دعيني أقابلك.... أو ستأتين أنت ألي؟ تعالي أنت لأننا سنكون بمفردنا بغياب عمتي التي ذهبت لتزور صديقة لها مريضة , أتأتين يا كيم؟ أنني يائسة جدا جدا وسأنتحر أذا زوجتني عمتي من جوليان , وهذا قرار لا تراجع عنه".
وأخذت فيكي تجهش بالبكاء.
" لا تتفوهي بحماقات يا فيكي , أنا آتية اليك حالا مع أنني في حيرة من أمر مساعدتك".
" أنت ذكية وعملية وعدم حبك للرجال سيسهل عليك مهمتك".
لم تشأ كيم الأستمرار في الحديث , فعادت الى صديقتها كارول التي روّعها شحوب وجهها.
" الشحوب الذي تلاحظينه هو شحوب غضب".
" مثيلاتك لا يغضبن".
قالت كيم عابسة:
" أنت لا تعرفينني حق المعرفة , أنها فيكي الأخت الصغرى لصديقتي ليز التي تعيش الآن مع زوجها في كندا , لا أراها كثيرا بسبب فارق السن بيننا , وفيكي هذه لها ولع خاص بالخطوبات وفسخ الخطوبات .....".
" من كلامك أفهم أنها تكون قد خطبت لا أقل من ست مرات ".
" لست بعيدة عن الرقم الصحيح..... خمس مرات بالضبك".
حدقت كارول بعينين بنفسجيتين فيهما الكثير من الدهشة والأستغراب وقالت:
" أنك ولا شك تبالغين , وأذا كان هذا صحيحا فلماذا لا تستقر صديقتك هذه على رأي؟".
" أنه لشيء مضحك مبك حقا , حجتها في ذلك هي أن الرجال يجرونها الى مواقف رومانسية .... القمر الجميل وسحر الليل والسماء المتلألئة وما الى ذلك ... ومن ثم يتقدمون بطلب يدها .... كل بدوره طبعا ".
ضحكت كيم بمرارة ثم تابعت حديثها قائلة:
فيكي من النوع الذي لا يقوى على الرفض , وهذه المرة تريد التخلص من خطيبها بكل الوسائل وتجزم أنه شؤم عليها , ولكنها لا تستطيع مجابهته بالرفض , هذا عدا مشكلة عائلية داخلية لا أستطيع البوح بها .
وهنا ألقت كيم نظرة على الساعة فنهضت وهي تعتذر الى كارول لأن عليها أن تسرع الى فيكي التي تتوقع منها المساعدة.
" وأي مساعدة تستطيعين تقديمها ؟".
" لا أدري في الحقيقة , ولكم لفيكي في! ثقة عمياء , وهي تنظر اليّ كمنقذة ولذا عليّ أن أسرع اليها , وأعتذر لتركك وحدك وسأحاول أن أعود قبل الظهيرة".
" حسنا ,ولكن أنتبعي فالطرق زلقة وخطرة".
عندما وصلت كيم الى بيت فيكي كانت عذه واقفة أمام المدخل تبلل وجنتيها , نظرت كيم الى وجه فيكي الجميل وقوامها الرشيق وهي واقفة أمام البيت الريفي الصغير غير عابئة بالثلج المتساقط من حولها....
وقالت:
" لماذا أنت هنا في الخارج؟ لندخل , وأخلعي عنك هذا الوجوم فنهاية العالم لم تأت بعد".
" كم أنا شاكرة لك يا كيم , أنك واقعية وأنا معك , فنهاية العالم لم تأت بعد".
قالت فيمي ذلك وهما تدخلان البيت , وقادتها الى غرفة واسعة فيها مدفأة نارها متأججة تنشر دفئا ناعما.
وما كادتا تجلسان حتى بادرتها فيكي بقولها:
" أنت رائعة حقا قواما ومنظرا , دعيني اتأملك قليلا قبل أن تخلعي معطفك".
تراجعت فيكي الى الوراء لتبدي أعجابها بينما كانت كيم تخلع معطفها الأحمر المزدان بفرو أبيض حول الياقة وعلى الجيوب , وتجاهلتها تماما بوجهها المتألق وبروز عظام وجنتيها وجبينها العريض , الدال على الذكاء , وكان لها شعر بلون العسل الذهبي وعينان داكنتان وشفتان ممتلئتان كلهما دعوة , وكل هذا يتعارض مع تأكيداتهاالمتكررة بأنها لن ترتكب هفوة الوقوع في الحب , ومن يراها لن يصدق حرفا مما تقول , كانت فيكي ترى في كيم ما لا تراه هذه في نفسها ,وتنبهت كيم الى نظرة الأعجاب التي دامت أكثر من اللازم فصعد الدم الى وجهها رغم ما هو معروف عنها من السيطرة على عواطفها , فأنتهرت فيكي قائلة:
" دعيك من هذا يا فيكي ولنستمع الى قصتك التي تشغل الباب".
تعرفت فيكي الى جوليان بارتيل وفي أقل من أسبوعين تقدم بطلب يدها وحصل على موافقتها بسرعة ربما أدهشته , وها هي مخطوبة الآن منذ أكثر من ثلاثة أسابيع , لم تتمالك كيم من مقاطعتها فقالت:
" ثلاثة أسابيع من الخطوبة , وخطوبة بعد أسبوعين فقط من التعارف.... هذا تحسن عجيب في العلاقات.....".
" أرجوك, كيم.... نعم ثلاثة أسابيع أكتشفت بعدها أنني لا أحبه مطلقا".
رأت كيم في القصة وجهين, وجها مسليا ووجها يستدر الشفقة , فأشفقت على صديقتها وقالت لها بصوت فيه عطف وتفهم:
"هذه هي أسطوانة الحب, ولكن لماذا لم تصارحيه بشعورك نحوه؟".
" لأنني خائفة....".
وغلب عليها البكاء ,وبعد أن هدأت وجففت الدموع من عينيها الماديتين تابعت سرد قصتها قائلة:
" ولما حاولت أن أصارحه ... وليتني لم أفعل.... تبدلت هيئته وبات كمجرم , أذ قال بصوت رهيب كمن أعتاد ألقاء الأوامر أن عليّ الزواج بدون أي تأخير".
" كان ذلك بعد أسبوعين من تعرفه عليك؟".
" نعم و..... فوق ذلك فأنه سينتقل بي لنعيش في دير!".
" أين؟!".
" في دير قديم ليس فيه شيء من أسباب الراحة العصرية , وتريد عمتي مني أن أتزوجه.....".
داخل كيم شعور من الشك فسألتها وهي ترقبها عن كثب:
" هل كل ما تقولينه صحيح؟".
" أنني أقسم على ذلك".
" وأين يعيش الآن؟".
" يعيش في شقة .... ولكن الدير الذي أشتراه موجود في جبال ويلز جنوب غربي الجزر البريطانية , وهو مهجور منذ سنوات ويبعد أميالا عن أي مكان مأهول.... كيم, قد يقتلني ولن يدري بذلك أحد.....".
" لا تكوني حمقاء يا فيكي, لماذا يريد أن يقتلك؟".
" لماذا يقتل الرجال والنساء؟".
وأجهشت في البكاء.
" وأذا لم يقتلني فأنه سيقسو علي , أنني متأكدة من ذلك".
" كيف تكونين متأكدة من ذلك؟ هل عاملك بقسوة ؟".
" لقد أرعبني عندما ألمحت له بأنني سأتركه , كان مخيفا".
" وما شأن عمتك في أرغامك على الزواج منه؟".
" أنها تحرّم عليّ حتى التفكير في تركه , وتقول أن جوليان هو الرجل الملائم لي....".
وأخنق صوتها فأنتظرت كيم وأخذت تحدق في المدفأة , وهنا قالت فيكي:
" تقول عمتي أنني بحاجة الى يد قوية تقودني والى رجل يبقيني حيث يجب , وكما ترين فأن عمتي لا تلاطفني هي الأخرى".
رأت كيم في قرارة نفسها أن عمتها على حق , غير أن هناك فرقا شاسعا بين السيطرة وبين الأرهاب".
" هذا يعني أن جوليان رجل متسلط , وأعترف لك بأنني شككت في أنك كنت تبالغين أول الأمر ".
أحتدت فيكي قليلا وأكدت قولها السابق بأن ما أطلعتها عليه هو الحقيقة بعينها .... وأن جوليان رجل رهيب.
" لنفرض أن كل هذا صحيح , أريد منك الآن أن تصفي جوليان بكل تجرد وبلا محاباة".
" أنه طويل القامة , عريض المنكبين , أسمر ......أنتظري , سأريك صورة له".
قالت فيكي ذلك وتركت الغرفة بسرعة , وما لبثت أن عادت وناولت كيم صورة شمسية.
" كانت في حوزتي لكن عمتي أخذتها مني الأمر الذي لم يرق لجوليان , أنه غريب الأطوار حقا , تصوري رجلا يكره أن تؤخذ له صورة".
كانت كيم تتمعن في الصورة مقطبة الحاجبين , وتأكدت أن فيكي لم تبالغ و فأن الصورة تدل على رجل هو عينة صادقة للقسوة , رفعت كيم عينيها نحو فيكي وألقت نظرة ثانية على الصورة ثم سألت:
" قولي لي بحق السماء , كيف وقعت فيفخالب رجل كهذا؟".
وخرج من حلقها شهيق أن دل على شيء فأنما على أن كيم تأثرت بشكل هذا الرجل ... حاجبان كثيفان كأنهما قدا من حجر الصوان , شفتان مطبقتان دلالة على العزم , بريق عينين سوداوين , وشعر أسود.
" هل هو كما تبينه الصورة؟".
" الصورة طبق الأصل , وكما ترين لا أستطيع الزواج منه , ألا توافقينني؟".
" كل الموافقة يا فيكي".
" يتملكني أحساس غريب كلما فكرت كيف أنني أنسقت له , ولكن الذي يحيرني من أمره هو أنه عانقني ,وهذه ناحية أنسانية عاطفية لم أتوقعها منه.... وأحمر وجه فيكي عندما تفوهت بهذه العبارة , وأرتبكت عندما لاحظت نظرة السخرية في عيني كيم.
وتساءلت كيم في نفسها .... أيمكن أن يكون لرجل مثل هذا قلب ينبض بالحب؟ وكيفيجد الحب طريقا الى قلبه , وألا فلماذا يصر على الزواج من فيكي التي لا تلائمه في شيء , ولكن أي أمرأة لن تقبل به ألا أذا كانت حمقاء أو لينة الطباع وساذجة مثل فيمي.
رسخ في ذهن كيم الآنأنها تفهمت وضع صديقتها , ووجدت في هذا الأنسان قوة ورجولة , ولكنها وجدت أيضا رغابا فطرية وحاجة ماسة الى زوجة تناسبه , وعقدة العقد هي أن أختياره لم يقع ألا على فتاة مسكينة لينة العريكة , بريئة وسهلة الأخضاع ,وعندما تبين له أن فيكي تنوي معارضته , أرغى وأزبد وأخذ يتوعدها بالويل والثبور , وهذا ما دفع كيم لأنقاذ فيكي من براثنه , ولا بد لها من جمع المزيد من المعلومات ,وسألت:
" كيف توصل جوليان الى كسب ثقة عمتك؟ لا أتصور أن ينخدع أحد برجل من هذا الطراز".
" تكرر عمتي على مسامعي أنني بحاجة الى من يضبطني والى زوج يضربني".
" زوج يضربك؟ .... أيمكن أن يكون هذا هو ما تريده عمتك؟".
لم تصدق كيم ما سمعته , وودت لو أن فيكي لم تغمض عينيها لترى فيهما ما يختلج في أعماقها , قالت هذه الأخيرة باكية:
" نعم , هذا ما تريده عمتي , وأقسم لك أن ذلك صحيح".
" يعني هذا أنها حكمت عليك أن تحيي مع هذا الرجل حياة كلها عبودية وشقاء".
" هذا بسبب طيشي وما جره على عمتي من كوارث".
قالت ذلك ونم صوتها عن الندم:
" بالرغم من أقرارك بالذنب , هل تجرؤ عمتك على ألقائك في أحضان هذا الرجل الذي لا يحبك!".
" لا يحبني.........؟".
كانت الأنانية واضحة في سؤالها المقتضب مع أنها تتوق الى التخلص من جوليان ,وتابعت فيكي كلامها قائلة:
" لكنه يؤكد لي أنني المرأة التي يريدها زوجة له".
أجابت كيم بلهجة فيها نغمة سخرية :
" طبعا , أنه يريد أمرأة مثلك أنت".
نظرت فيكي اليها مشدوهة , ولكن كيم تابعت كلامها بصوت حاد:
" سأساعدك يا فيكي , فأتركي الأمر لي , ولكن أول خطوة نخطوها هي تعكير صفو العلاقات بينه وبين عمتك , وعندما يتم لنا ذلك ستبدأ هي بالضغط هليك لنبذ جوليان ".
صمتت كيم لتتأمل في عمق ما تفوهت به لتوها , وأخذت تنظر الى النار في الموقد كمن يستلهم عونا من السماء , فشتان بين القول والفعل وأمامها رجل كله دهاء , وصولي , والتغلب عليه يتطلب دهاء من الدرجة نفسها أن لم يكن أكبر , وقالت فيكي بشيء من الفتور:
" لا أرى طريقة لفصم العلاقة بينه وبين عمتي مارغريت , فبالنسبة اليها هو الدنيا كلها ".
" أذت ذوق عمتك ومنطقها ليسا رفيعين , ولكن هذا لن يثنينا عن عزمنا".
وكعادتها العفوية في التنقل من حال الى حال , من اليأس الى الأمل وبالعكس, سألت فيكي سؤالا كله توقعات:
" هل فكرت في شيء عملي ؟ ما هو؟ بالله عليك يا كيم أخبريني.....".
" لا تتسرعي , لا يجب أن نقتحم بابا لا نعلم ما وراءه , أذ أننا نجابه رجلا فظا حاذقا قد يسبب لنا المتاعب أذا هو أشتم رائحة المؤامرة ".
صمتت كيم ولكنها تابعت حديثها مع نفسها قائلة .....( ستكون الطامة علي أنا وحدي , لأن فشلي في الخطة التي صممتها لتوي ستوقعني في خطر جسيم ولا حيلة لي في أبتكار خطة مماثلة تكون بديلا عن الأولى ,ولما لاحظت فيكي عزوف كيم عن الجواب نهضت من مكانها قائلة أنها ستهيء فنجانا من الشاي , أتاح غيابها فرصة لأن تنصرف كيم الى وضع اللمسات الأخيرة على مشروعها , كانت بحاجة الى معلومات كثيرة وكانت فيكي تجيب عن أسئلتها من المطبخ , حتى أذا أكتملت خطتها أطمأنت الى سلامتها وتنفيذها بشكل ناجح.
وفيما كانتا تتناولان الشاي أمام المدفأة , أطلعت كيم فيكي على خطوط المشروع , فلم تتمالك هذه نفسها وأخذت تعبر عن أعجابها بحماس ظاهر قائلة:
" أنت عبقرية يا كيم , كنت واثقة من مقدرتك وستنجحين ,أنك نبيهة فعلا , مسكين جوليان , لا يدري ما يخبىء له القدر من مفاجآت".
أجابت كيم بتواضع :
" أعتقد أنني وجوليان متساويان في المقدرة والدهاء , وسيقر بذلك عندما أنتصر عليه ".
• وتناولت قطعة من البسكويت من الطبق الذي مدته فيكي اليها وراحت تقضمه شاردة الذهن..... في الظاهر على الأقل , ثم قالت:
" أمتأكدة أنت من أنه سيقدم لي شرابا؟".
" نعم, الشراب بأنواعه جاهز في خزانة خاصة لها غطاء يفتح الى أعلى .
نهضت وهي تذكر دور فيكي بالدور الذي ستلعبه في هذه العملية , ثم أكدت عليها منبهة:
" هليك أن تكوني هناك في الموعد المحدد مهما حدث ,فأن نجتح عمليتنا متوقف كليا على وجودك مع عمتك في تلك اللحظة المعينة".
" أعلم ذلك جيدا وكوني متأكدة أننا سنكون هناك عند تمام التاسعة والنصف".
قالت فيكي ذلك بحماسها المعهود وعفويتها البريئة , شكرت كيم وهي ترافقها الى الباب وقالت:
" لك قلب طيب , وأنا أشكر صنيعك وأعجب بمقدرتك على حبك خطة كهذه لتنالي من هذا الرجل الرهيب".
وبعد صمت وجيز أضافت قائلة:
" هل تعتقدين يا كيم أنه حقا رهيب؟".
أومأت كيم بالأيجاب , وتابعت فيكي حديثها كأنها تحاول أقناع نفسها بما تقول:
" أنه لكذلك , أقسم لك , لا يتوانى عن النيل من أي أمرأة أذا سنحت له الفرصة ,أنه دنيء".
" لا عليك منه , في كل الأحوال , لن تواتيه الفرصة لينال منك , فلا تقلقي".
دخلت كيم سيارتها ولوحت الواحدة للأخرى مبتسمين مودعتين , لم تبرح صورة فيكي من مخيلة كيم , فمثيلات هذه البنت يقعن لقمة سائغة لرجل ماكر يعرف كيف يستغل سذاجة ورعونة طباعهن , وأتجه فكرها الى جوليان فأرتعشت قليلا عندما تصورته وهو يخرج من هذه المعركة خاسرا , كما تصورت ردة الفعل فيه, وأسفت لأنها لن تكون هناك لترى هزيمته ,ولكنها سرت في الوقت نفسه لأنها لا ترغب في ذلك.......".
أنت تقرأ
~ اللغز / للكاتبة آن هامبسون ~
Romanceالملخص ماذا لو سبق العقل القلب مرة؟ ماذا لو قررت أمرأة أن تجربتها المرة السابقة لن تتكرر؟ هل يمكن أن تصمد أمام الرجل القدري الذي ينتصب كالمارد أمامها؟أسئلة طالعت كيم عندما حاولت أنقاذ صديقتها من ورطة فوقعت هي فيها ,والمشكلة ليست هنا فالرجل- جوليان...