الفصل الثالث

10.8K 463 14
                                    


كان يوم امل مختلفا تماما عن أحمد فحين صعدت للمنزل لم تهتم لأمر زميلاتها في السكن بل توجهت بصمت إلى غرفتها واسرعت تبدل ملابسها .
لا تفارقها صورة عينيه الساحرة حتى وضعت رأسها على وسادتها لتنام ابتسمت وهى تتذكر أدبه معها لم يهتم لملابسها التى تكرهها لتفصيلها جسدها ..لم تثيره زينتها الصارخة بل لم يرفع عينيه ليتفحصها من الأساس .كانت عينيه طيلة الوقت خالية من التعبير ورغم أن هذا محبطا لفتاة فى مثل جمالها إلا أنها شعرت بالراحة فقد سئمت نظرات العشق الكاذبة التى تراها بأعين الرجال .
لذا شعرت معه بالراحة فقد سار بجوارها بصمت حتى لم يمد كفه بحجة المصافحة .أنه يشبه ابطال الافلام العربيه القديمة ذلك الشاب الفارس ذو الاخلاق والمبادئ.
ربما اعمتها سعادتها بشعورها بالاحترام والتقدير عن حقيقة ما يحدث،فهذا الفارس  لم يخلق.  إلا لاميرة ..لا لفتاة البار .
ورغم كل شيء غفت بسعادة ونامت نوما هانئا لم يراودها كابوسها اليومى لتستمتع بالنوم منذ فترة طويلة .
***************************
اكمل أحمد يومه اعتياديا، هاتف والديه لتبدى والدته لهفة لرؤيته فيعدها بزيارة قريبة ،توجه للمسجد وعاد يعمل على أبحاثه فهو يقرأ ويسجل أفكاره على جهاز اللابتوب الخاص به صوتيا . تناول اليسير من الطعام بلا شهية ولم ينم مطلقا لكن حين اقترب الليل بدأ الخمول يزحف لجسده ويسيطر عليه فقد بذل مجهودا مضاعفا ببقاءه مستيقظا يومين متتاليين.
ليستسلم اخيرا للنوم الذى ساعده في قضاء تلك الساعات البطيئة .استيقظ قرابة الواحدة صباحا يشعر بآلام شديدة بجسده .توجه للمرحاض وحصل على حمام  دافئ ساعده كثيرا في  الاسترخاء والراحة.ليصلى العشاء وقد شارفت الساعة على الثانية صباحا،ها هو موعد عودتها يقترب وهو لم يحزم أمره بعد .صلى الفجر وقرر اخيرا أن يكتفى بالاستمتاع لخطواتها فهو لا يراها بكل الأحوال.حقا شعر قلبه بالراحة للقرب منها وتبادل بعض الكلمات معها .لكن ما الفائدة .
لذا لزم موقعه خلف باب الشرفة ينتظر مرورها .
*************************
كان يوم امل بالمنزل جيدا فقد تحاشت التعامل مع رفيقاتها اللائى يقتلن ما لديها من امل في الحياة ويصررن على اخبارها يوميا أن الضياع والمستقبل الملوث هو مصيرها مثلهن جميعا.
أما يومها بالعمل فقد أثبت لها ذلك اثباتا عمليا .
توجهت لعملها فى موعدها اليومى قرابة الخامسة عصرا .لتعمل ورفيقاتها على التنظيف وغسل الكؤوس وبعد اعداد المكان تفتح الابواب فى السابعة مساء.ليبدا الرواد المعتادين فى التوافد لكن وقت الذروة يبدأ من العاشرة مساءً حيث يتكدس البار بالسكارى كل له مشروبه الخاص الذى جاء يتجرعه ليذهب بعقله هاربا من الواقع .ايا كانت الأسباب فالنتيجة واحدة كل يهرب من واقعه.
كثيرا ما يعجب بجمالها أحد الرواد ويطلب مشاركتها كؤوسه اللعينة وكانت تقبل ذلك تحت ضغط من مستر غسان صاحب البار .لكن هذه الليلة لم يكتفى هذا السكير بمشاركة الخمر بل طلب بوقاحة مرافقته لمنزله .
وبالطبع لم يجد مستر غسان مشكلة في ذلك .ليتوجه لها ويخبرها ببرود وكأنه أمرا طبيعيا فبينما تدور بين الطاولات بإبتسامة مشرقة اقبل عليها بهدوء : لولا تعالى عاوزك .
اقبلت عليه وهى تتوجس خيفة من طلباته التى تكرهها ليفاجأها قائلا : شايفة الجست اللى قاعد على ترابيزة اتنين ؟
نظرت بإتجاه الطاولة وهى تقول: ايوة مستر غسان.ماله؟
ابتسم لها بخبث وهو يقول: النهاردة ليلة حظك لولا .الشاب ده مليونير وهيديكى كل اللى تطلبيه .
قطبت جبينها بعدم فهم أو عدم رغبة في الفهم وعادت تتساءل : وهو هيدينى بمناسبة ايه؟؟
تحسس غسان ذراعها بإصبعه وهو يقول: علشان تقضى الليلة معاه طبعا يا لولا .ما هو مش معقول الجمال ده كله يفضل يخدم على التربيزات .
عادت خطوة للخلف بفزع وهى تقول: ده مستحيل يحصل .
قبض غسان على ذراعها بقوة وهو يقول بغضب مكتوم : شوفى بقا علشان انا استحملتك كتير .بقا لك خمس شهور شغالة هنا وعاملة فيها شريفة .ماشى وانا مصدقك لكن انا بقا يا حلوة ما بشغلش شرفاء هنا.
نظرت له بخوف ليكمل قائلا: انا هكون طيب معاكى على الاخر وهصبر الراجل لبكرة بس يا تيجى بكرة جاهزة ليه يا ماتجيش خالص وانسى انك تشتغلى فى اى بار فى وسط البلد تانى
دفعها للخلف بقسوة وهو يقول: اوكيه يا حلوة .
وتركها ليتجه لذلك الشاب الجالس بترقب على الطاولة تاركها مختنقة القلب لتقضى ما بقى لها من ساعات العمل ترسم ابتسامة زائفة وما إن اذن لها غسان بالمغادرة حتى خرجت من المكان لتترك لدموعها العنان .
**********************
بمجرد أن وصلته خطواتها الغاضبة والتى تنبأه أن أمورها ليست على ما يرام مطلقا .ارهف السمع ليستمع لشهقة مكتومة طعنت قلبه مباشرة ليسرع ملتقطا مفاتيحه فى طريقه للخارج .
هرول نزولا على غير عادته فهو دائما حريصا فى خطواته لكنه هذه المرة يهرول رغبة في اللحاق بها ، شقته بالدور الاول علوى لذا لم يستغرق وقتا طويلا ليصل أمام البناية لكنه كان كافيا لتتجاوزه بمسافة لا بأس بها، عاد يحث خطاه للإسراع متناسيا قواعد السلامة لحالته الخاصة وما أن شعر بإقترابه حتى لفظ اسمها بكل ما يحمل قلبه من قلق: امل !!!!
توقفت خطواتها لكن اللعنة على ذلك العجز إنه حتى لا يعلم إن كانت تنظر إليه. مرات قليلة اشعرته بالعجز هذه منها ،يعلم انها تقف أمامه لكن لا يعلم إن كانت تنظر له ليقول : بتعيطى ليه؟؟
اقتربت منه بخطوات سريعة ليتأكد انها تنظر له وهي تقول: انت تعرف عنى ايه ؟؟
هز رأسه لتقول: ماتعرفش حاجة اكيد .انا بشتغل في بار ....عارف يعنى ايه بار ؟؟؟
هز رأسه إيجابيا لتقول : لا ماتعرفش ولا عمرك هتعرف غير لما تشوف بعينك .
ابتلع ريقه بصعوبة وهو يقول: حد اذاكى ؟؟!!
هز رأسها دون أن يراها وهى تقول: انا اذيت نفسى
واجهشت بالبكاء وهى تسير مبتعدة ليسرع فيوقفها مرة أخرى: امل استنى .
رنة الرجاء بصوته أوقفتها مرغمة لتستمع إليه فيقول بنفس الرجاء : ممكن نتمشى شوية ..ماتخافيش مش هأخرك
هزت رأسها وهو بالطبع لم يراها ليقول بلهفة : مش سامع
ظنت أنه يمازحها لتبتسم من بين دموعها وهي تقول: ممكن
تنهد براحة و إقترب بإتجاهها سار لتحاذى خطواته بينما تنهمر دموعها ليتساءل بقلق بالغ: طيب ممكن تحكى لى حصل ايه ؟
أسرعت بلا تفكير : لا طبعا صحيح انا معرفش عنك حاجة بس شكلك طيب وابن ناس ولا يمكن ادخلك فى مشاكل زى دى
ابتسم ابتسامة باهتة واعتبر هذا اطراء ليقول وهو يتنهد : طيب هو انتى مالكيش حد خالص ،اخوات ،قرايب اى حد
عادت تتحدث بلا تفكير : لا طبعا ليا اخويا محمود هو اصغر مني بس طول عمره راجل البيت .
حانت منه إلتفاته بإتجاهها وهو يشعر بنبرة الألم ليقول : طيي ووالدك ووالدتك فين؟
تنهدت وهى تقول: ماما الله يرحمها .
اسرع يقول بأسف : الله يرحمها.انا اسف . طيب والدك عايش؟
كان حديثه الودود قد خفف من حدة بكاءها فلم يعد يستمع لشهقاتها بل استمع للحزن المسيطر على صوتها : اه عايش بس مش عايش ..زيه زى الناس اللى بيجو البار مش فى الدنيا
حاول أن يكون الحوار اكثر ودا وهو يقول: انا قلت لك قبل كدة انى صعيدى صح ؟
هزت رأسها إيجابيا وبالطبع لم يراها ليكمل حديثه : احنا من سوهاج من بلد اسمها طهطا .هو انتى من هنا ؟من القاهرة يعنى ؟
لم تفكر لوهلة واحدة وهي تجيبه بصدق: لا انا من دمنهور
رسم علامات التعجب على وجهه ليبدو اكثر اقناعا : يااه بعيد بردو وعايشة هنا لوحدك ؟
بدأ القلق يتسلل لقلبها لتقول : لا مع بنات زيى .
فى محاولة لبث الطمأنينة لها غير مجرى الحديث عائدا لشقيقها : واخوكى بقا شغال ايه؟
يقسم أنه رأى ابتسامتها واستمع للفخر بصوتها وهى تقول: محمود ؟ ده احسن سباك فى ؟دمنهور مفيش حد مايعرفش محمود السنوسى فى البلد كلها
ابتسم بسعادة حقيقة لهذه المعلومة الهامة التى وفرت عليه العديد من الأسئلة ليردد براحة : ربنا يبارك فيه .
بدأ هو يشعر بالقلق لابتعادهما عن المنطقة التى يعرفها جيدا .هو يكره أن يتواجد في مكان لا يعرفه .خاصة أنها لا تعلم حتى الآن أنه كفيف ليتوقف عن السير ويقول : احنا بعدنا اوى يلا نرجع علشان ماتتاخريش .
واستدار بالفعل لتسير جانبه بصمت فكان فى طريق العودة مطرق الرأس يستمع لخطواتها ليحدد اتجاهه حتى توقفت هى : البيت اهوه انا هطلع بقا .
تحركت خطوتين ليوقفها متسائلا: امل انتى بتصلى ؟
هزت رأسها نفيا هو لم يراها بالطبع لكن شعر بخجلها من الإجابة فقال بثقة : انتى خوفتى عليا وماردتيش تحكى لى حصلك ايه .لكن لو حكيتى لربنا اكيد هيساعدك .ربنا ما بيرجعش محتاج ابدا .
لم يستمع إلى اجابتها بل استمع لخطواتها تبتعد ،انتظر قليلا حتى تأكد من دخولها البناية ليتجه عائدا لمنزله وهو يتمنى أن تسير الاحداث كما يخطط برأسه.

فتاة البار / بقلم قسمة الشبينىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن