الفصل الأول

4.3K 112 3
                                    

أنا المصيبة

منذ أن وطأت قدمها الحافلة وهو لا يستطيع إزاحة عينيه عنها،

يراقبها بتعجب ودهشة وتسأل.

أهى مختلة ؟؟

لا يظن..فحديثها مع السائق كان طبيعيًا جدًا.

إذًا ما الذي يحدث هنا؟

كيف لفتاة مثلها التسكع فى الطرقات حتى هذا الوقت من الليل وحدها؟

الذى يعرفه أن البلاد الشرقية تجرم هذا لفتياتها بينما تعطى الحرية الكاملة للرجال بالتسكع حتى و إن تجاوز الوقت الساعات الأولى من النهار.

أما هى فكانت شاردة فى الطريق تحاول أن تفكر فى أى شئ بعيدًا عن حياتها المعقدة،لكن لا ذكريات غيرها

يبدوا أنه لا مفر لكِ آن.

وبعد مدة ترجلت من الحافلة تلفحها نسمات الهواء الباردة بعد أن كانت تحتمى من هذا البرد داخل الحافلة،أحكمت سترتها حولها ومازلت باقة الورد فى يدها وهمت بالسير نحو بنايتها القريبة من هنا،يتبعها السيد المندهش.

أنها علي وشك الوصول إلى سكنها ومع ذلك مازال ذلك الاحمق يتبعها،أيعقل أنه يتابعها؟!

سخرت من الفكرة التي راودتها لبرهة وهي تؤنب نفسها

"يتبع من يا حمقاء انتِ..ألا تنظرين في المرآة؟"

وأخيرًا وصلت إلى بنايتها الصغيرة المكونة من أربعة طوابق،ومازال هذا الشخص يتعقبها

الشئ الذي أثار ربتها وحفظتها.

نعم..لقد أثارت فضوله،

لكن ليس لدرجة أن يتبعها حتى المكان التى تسكن به.

لكن يبدو أن قدره سيظل يدهشه اليوم،فبالصدفة هى تعيش فى نفس البناية التي سيسكنها الفترة القادمة..أى أن تلك الغريبة جارته.

-"مهلًا مهلًا يا أنسة..انتظرى"

صاح بها وهو يراها تدلف إلى البناية أثناء شروده وتغلق الباب الحديدى من الداخل.

من هذا المتبجح بحق الله؟

ألا ينقصها سوى مخبول بنهاية اليوم يا عالم!

كادت تكمل طريقها إلى شقتها لكن صياح المتبجح أمرًا أيها بفتح الباب جعلها تتوقف قليلًا تتأمله ببعض الدهشة المزدوجة بالغضب.

رجل أشقر الشعر..أخضر العينين..متورد الوجه وهذا بفضل الجو البارد على ما تظن،ذقنه المهملة تناقض هندمة ملابسه المكونة من بذلة رمادية محلولة الازرار رغم البرد القارص مظهرة القميص الابيض اسفلها والملتصق بعضلات جسده القوية..بنطال يماثل البذلة فى اللون وتجاور قدمه حقيبة سفر.

أهو أبله كى يتبعها حقًا!

تقسم أنه بوسامته الفجة تلك بإشارة واحدة من يده سيمتلك جيشًا من الفتيات الحسناوات.

-"ماذا تريد؟"
سألته بحدة ليجيبها هو بتلقائية:

-"الولوج"

تعجبت من تبجحه لتصيح فيه قائلة:

-"يا لك من قليل حياء..أتظن أن صمتى عن تتبعك لى هو دعوة كى..."

وصمتت بعصبية تخجل من نطق الأمر حتى.

أما هو فلم يفهم مقصدها أو الذى ترمى إليه،وعندما كان بصدد شرح الأمر قاطعه صياح رجولى حاد،ولا لم يكن موجه له بل كان موجهًا لآن.

-"ما الذي تفعليه حبًا بالله آن؟!تمنعين الرجل من الدخول إلى البناية بصفاقة!"

تقدم ذاك الرجل الاربعينى من الباب مزيحًا أيها بحدة قبل أن يفتحه سامحًا للضيف بالدخول وهو يرحب به ترحيبًا حارًا.

-"أهلًا وسهلًا بك يا عَليّ بني لقد كنا بأنتظارك..أنرت البلد بأكملها"

رائع..هو ضيف أخيها!

يالها من صدفة غريبة،لكن لا يهم هى تريد النوم الأن فلتترك الدهشة وكل شئ للغد،فهو سيكون يوم حافل بكل المقاييس خصوصًا بعد أن يعرف أخوتها ما فعلته مع رنا.

ألقت نظرة أخيرة على الرجلين لتبتسم بسخرية من تحول أخيها من الرجل الحاد إلى الرجل الودود،منافق كبير يا أخى.

رحلت فى طريقها إلى شقتها والتي تحتل الطابق الثالث لتدخل إليها فيواجهها الظلام الدامس،لكنها لم تكلف نفسها إضاءة الأنوار بل اتجهت إلى غرفتها الخاصة بروتينية وهى تتخلص من حجابها ثم حذائها،وبعدها تجلس على الفراش بتعب بعد أن وضعت باقة الورد على طاولة صغيرة جوارها.

سحبت صورة صغيرة من أسفل وسادتها لتتأمل تلك الوجوه الباسمة الموجودة بها.

رسمت بأصابعها ملامح ذلك الأشيب الذى يمتلك أبتسامة تنبض بروح الشباب وعينيه تلمع بسعادة سببها الاثنين اللتان تحتلان ذراعيه.

فكانت الأولى سيدة جميلة فى منتصف العقد الثالث تتمتع بجمال غربي وهذا بفضل أصلها التركى.

أما الثانية فكانت طفلة فى السادسة من عمرها تتعلق فى رقبته بسعادة بالغة،سعيدة حتى مع تشوه وجهها.

لمست الجانب الأيمن من وجهها ومازلت تنظر إلى الصورة بحزن دفين،لقد كبرت وصارت بنفس عمر الجميلة الغربية..اسفة أقصد والدتها لكنها لم تكتسب جمال والدتها،أو اكتسبته لكن مع تشوه وجهها فلا مجال لرؤية هذا الجمال.

فقد كان نصف وجهها الأيمن مشوهًا بوحمة حمراء تغطيه وكأنها نجت من حادثة حريق كبيرة،لكن هذا لم يحدث هى فقط ولدت هكذا.

لكن هذا لا يعنى أن الحوادث لم تترك أثرها فى وجهها..

انتلقت بأصابعها إلى عينها اليمنى والتى كانت مغطاة بالشاش الأبيض،فهنا الجرح الذى تركه الحادث

والذى كانت هي الناجية الوحيدة منه..الحادث الذي أنهى حياتها السعيدة.

فى الحقيقة لقد كانت سعادة مزيفة من أختراع الأشيب والجميلة الغربية..أسفة مجددًا أقصد والديها.

بذلتم الكثير كي تعوضانى عن مصائب الحياة التى أصابتنى،حتى طالت كما المصائب كما طالتني..

أنا السبب،

أنا المصيبة.

رفقًا بقلبي المنبوذحيث تعيش القصص. اكتشف الآن