قصة الشاب الصابرهذا الشاب كانت كل أسباب الدنيا والحياة بعيدة عنه وتُدْبِر عنه بالميل والذراع ، وكان هذا الشاب يعيش في ضنك شديد جدًّا وحالته صعبة إلى حد بعيد وإلى أقصى درجة ، وكان من ابتلاء الله له أن يرى أمامه أن بعض الوظائف تتيسر أمامه وظائف كثيرة وفيها مال كثير ولكن هذه الوظائف إذا قيست بميزان الشرع فإنها وظائف محرمة غير مقبولة شرعًا ، فكان كلما جاءت وظيفة أمامه ذهب إلى أحد الشيوخ ليسأله عن حكم الله تعالى في هذه الوظيفة ، والشيخ ينظر إلى حاله الشديد وحالته المتعسرة ويشفق عليه إشفاقًا كبيرًا ولكنه في نهاية الأمر يضع الأمر بميزان الشرع فيرى أن العمل محرم ولا يجوز بحال من الأحوال ، فيفتي الشاب بعدم جواز هذا العمل ، فيذهب الشاب ويعود إلى الشيخ مرة أخرى بعد عدة أيام بوظيفة جديدة ويستفتيه فيها فيفتيه الشيخ بأن هذا العمل أيضًا غير موافق للشرع ، والشيخ يشفق على هذا الشاب إشفاقًا كبيرًا ، وفي المرة الثالثة أيضًا يفعل ذلك والشيخ يقول له : إن العمل لا يجوز .
ويظل الشيخ يشفق على هذا الشاب وعلى مدى صدقه مع الله لدرجة أنه كل مرة يستفتيه والشيخ يرد عليه بعدم الجواز فيمتثل الشاب ولا يعمل في هذه الوظيفة مع علمه بحاجته الشديدة إلى العمل ، فهو لم يتزوج بعدُ ويريد المال ليعفَّ نفسه، فكان هذا الشاب على درجة كبيرة جدًّا من الصبر على هذا البلاء رغم شدته وفقره وهوان حاله ورقة أمره .
وتمر الأيام يومًا بعد آخر والشاب في ضيق شديد والأبواب في وجهه مُقْفَلة حتى في يوم من الأيام يفتح الله له بابًا من الرزق الحلال الطاهر الذي لا تشوبه شائبة ، وكان لا يظن أن يأتيه العمل من هذا الباب أبدًا ولكن الله عز وجل يسر له الأمور نظير صدقه وإخلاصه وطلبه للحلال ، فهذا الشاب لم يستعجل الحرام أبدًا فجازاه الله تعالى بالرزق الوفير الحلال ثم انتقل الشاب إلى المدينة وخطب فتاة ديِّنة وتزوجها، وفتح الله عليه من أبواب رزقه الشيء الكثير ورزقه بالولد الكثير ، وعاد إلى بلده ومسقط رأسه فاشترى به قصرًا كبيرًا ، وكان هذا من توفيق الله تعالى له نظير ما اجتهد في حياته وأنه ظل يأبى أن يعمل حتى يوفقه الله للعمل الحلال الطيب .