٠٧

1.8K 267 72
                                    


إن ذاكرتنا تتمسك بإصرار شديد بالذكريات الكريهة المنفرة، أما الأشياء الجميلة فلابد أن نكتبها في مفكرتنا حتى لا ننساها.
"مجهول"

___________

١٣/مايو/٢٠١٣
نيويورك / جامعة كولومبيا
كلية الطب.

بالنسبة للكثيرين يعتبر دخول الجامعة حلمًا صعبًا هو بداية لأحلام أكبر إن تسهل الحصول عليه، وقد كانت كذلك بالنسبة لي أيضًا.

عملت بجد خلال سنوات الثانوية حتى أحصل على منحة جامعة كولومبيا للطب، ظننت حينها أنني وبدخول الجامعة سأخطو خارج دائرة القلق والخوف من النبذ التي كانت تحيط بي في المدرسة الثانوية في مجتمع الجامعة الأكثر تحرراً وتقبلاً وأنني سأستطيع التركيز على حلمي الأكبر في أن أصبح طبيبة. لكني كنتُ مخطئة.

******

سرت بتعجل في الممر الترابي الذي يؤدي للمباني الشرقية. كنت متأخرة لعشر دقائق وهي كافية لكي أُمنع من دخول المحاضرة بالفعل، إلا أن المنع كان أخر ما يخيفني، إذ لم تكن هذه المرة الأولى التي أتأخر فيها.

عندما وصلت إلى باب القاعة كان المحاضر الدكتور فرانز قد بدأ تقديم الدرس بالفعل وكان بابه مغلقًا، إستطعت رؤيته عبر نافذة الباب الزجاجية وهو يحاضر الطلبة الذين لم يكمل عددهم العشرة فمادته هذه ليست مهمة في مقررنا الطبي إلا أننا مجبورون على أخذها في أحد الفصول الدراسية قبل تخرجنا.

ربما هذا ما جعله يتشدد على طلبته كثيرًا لشعوره بأنهم يقللون منه ومن مادته، لكن معاملته لهم لا تقارن بتلك التي يخصني بها.

إبتعدت بسرعة عن النافذة حتى لا يراني ووقفت على يمين الباب أتململ بينما لا أعرف ماذا أفعل.
هل أذهب وأتجاهل أمر المحاضرة، أم أبقى وأحاول إستمالته بطريقة ما ليدخلني؟

لكني لم أُمنح شرف التفكير في حلٍ إذ سرعان ما فُتح الباب عن الدكتور فرانز، الرجل الخمسيني أحمرُ الشعر وذو النمش الذي غطى وسط وجهه بكثافة، إرتجفت حينما رأيت إبتسامته الهازئة وهو يقول لي:
" أنظروا من قرر الحضور أخيراً.. الآنسة عبدالسلام."

كان ينطق إسم والدي بطرف لسانه كأنه يذكر كلمة سيئة ما، لم أحب يومًا طريقته في النظر إليّ والحديث معي والتي كانت مستهزئة بلا شك لتكون السبب في معرفة زملائي في محاضرته لأصولي ولتكون أيضًا دافعًا لهم لمعاملتي بالمثل.

إرتبكت لوهلة قبل أن أتردد قائلة:
" د.. دكتور.. أنا أسفة.. أسفة على التأخر، لقد تأخر البعض في المشرحة و منعنا المحاضر من الخروجـ.."
قاطعني ناهراً وهو يفتح الباب على مصراعيه ليرى ويسمع كل من في داخل القاعة حوارنا:
" وتتعذرين أيضاً! ألا تعلمين أن الإلتزام بالمواعيد هو أهم مافي هذه المهنة! هذه ليست المرة الأولى التي تتأخرين فيها. ألم يعلمك والداك الجاهلان هذا."

 هُوية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن