هُناك....بَعيداً في إِحدى بيوتِ قَرية سوڤاني النّائِية، ما وراءَ البابِ الخشبيِّ المُتآكلِ السّاترِ لسكّانِ البيتِ الحجريِّ الآيلِ للسُّقوط، حدَث و أنْ تواجدَت غرفةٌ واحدةٌ بمَنافِعها، و قَد تكوّرَ صاحبُ المَكانِ الّذي كان يُعاني حينها من حمّى شَديدة.
هو رجلٌ في نِهاية عَقده الرّابع، قد خطّ الزّمنُ تجاعيدَ متعرّجة على لوحةِ وجْهه الأَسمر.
حبّاتُ العرق تتكاثرُ أعلى جبْهته، أشبهَ بانشطارٍ جُرثومي.
ملتحفاً ببطّانيّةٍ استخدمها الدّهرُ في نزهةٍ طويلة، كثيرةٌ هي ثقوبها، لا هي تردّ برْداً ولا هي تُدفئُ مصاباً بنزلةِ بردٍ حتّى.السّرير الخشبيّ - الذي ربّما وُجِد قبل ميلاد الرّجلِ بسنينٍ- يُفرقعُ بين الفينةِ و الأخرى مُشتكياً من كومةِ العظامِ المتكتّلةِ أعلاه.
"مرّ وقتٌ طويلٌ منذ خروجِها"...
هكذا قال في نفسه و هو ينتظر الطّبيبَ الذي منَ المفترَضِ سيأتي بصُحبةِ ابنته التي هرعتْ بما تبقّى معهما من نقودٍ تدقّ أبوابَ الأطبّاء القليلين السّاكنين القرية.صريرٌ عالٍ صرخ به البابُ الخشبيُّ قُبيْل دخولِ الفتاةِ الهَزيلة التي كانتْ في مَطلع عقدها الثّاني على الأغلب، أماراتُ الخيبةِ جليّةٌ على ملامِحها الدّقيقة النّاعمة و قد تشعّثَ شعرُها الأشقرُ لدى عدْوِها لكلّ تلكَ المسافات.
هتَفت من بَين أنفاسها اللّاهثَة :
" أبي....سأعتني بِك....ألسْتُ أَفي بالغرض؟...."
قالتها آتيةً بوعاء الماءِ الباردِ لتجْثوَ على رُكبَتَيها بجانبِ والدها.
أكملت و الألمُ واضحٌ في نبرتها :
" كلاهُما مشغولان، و ثالثُهما المتفرّغُ لم يَكتفي بِما أحمِلهُ من نقود...."لحظةُ صمتٍ سادتِ الموقف.....
أشاحَت بوجهها لئلّا يلمحَ أباها الدّرّتين اللتينِ كادتا تلوذانِ بالفرارِ من مُقلَتيْها العسَليّتين.
عادت بعد لحظةٍ لتحدّقَ به و ابتسامةٌ مُفعمةٌ بالأملِ اليائسِ تطفو على شفَتيها.
سرحَ الأخيرُ في فجوةٍ صغيرةٍ بزاوية السّقف، رؤيته تتشوّش ببطء، لم يعُدْ يَعي ما حَوله، لكنّه تمتمَ من بَين شَهقاتِه المتقطّعة :
" لا بدّ أنْ....أصلح.....فجوة....شِتاء..."
و لم يتمكّن من إِتمامِ هلوَساتِه، فقد أسدلَ الظّلام سِتارهُ على وعيِه.ابتسمتْ صوفيا و داعبَت وجهه بشفَقة :
" أبي....حتّى و أنت في هذهِ الحالة..."نفضَتْ عبَراتها بسرعة و أسرَعتْ تغيّر الكمّادات الباردَة لمريضِها الذي كانَ صدرُه يعلو و يهبِط بسرعةٍ جنونيّة.
بعد مُضيِّ يومانِ تَعافى الأرْبعينيّ خلالهما جزئيّاً، كان يُجاهد للوقوفِ باتّزانٍ على ساقَيْه المرتعِشَتيْن..
توجّّه مُستنداً على ما حوله من أثاثٍ حقيرٍ لينظُر إلى قِطعة المِرآة المكسورةِ و يصفّف شعرهُ الخفيفَ بأَصابعهِ حيثُ الشّيب آخذٌ بالتّفتُّقِ و الانتشارِ ببطءٍ بين خصلهِ السّوداء الفاحِمة.
أنت تقرأ
سوڤاني..
القصة القصيرةهناك....حيث تقبع سوڤاني في زاوية النّسيان تحت قطرات السّماء المتلبّدة بالغيوم....صدحت قهقهات ستظلّ أصدائها تتردّد في أذهان قرّاء هذه القصّة🖤 مشاركة في مسابقة : في جوف الألوان ❤️ مزجت فيها ا...