استدعاء

140 4 0
                                    

.س : حالتك الاجتماعية ؟
. ج : أرمل.
.س : هل لديك أبناء ؟
.ج: نعم .. ولد وبنت .
كان (شهاب جوده) يجلس على أحد المقاعد الوثيرة في حجرة الجلوس
بمنزله الواسع عندما كان يشاهد الفيلم الأجنبي المريخيون قادمون. الجزء
السابع) على شاشة تليفزيونه المجسم.
الجزء السابع مثل الجزء السادس ومثل بقية الأجزاء السابقة .. وربما
الأجزاء التالية أيضا .. إذا فكروا في إنتاج المزيد من الأجزاء .. نفس الفكرة
.. كوكب الأرض يتعرض للهجوم مجددا على يد المريخيون الأشرار .. الكثير
من المعارك الفضائية والخدع البصرية المبهرة .. رائدات الفضاء الحسناوات
المثيرات بقاتلن بشراسة تحت قيادة رئيسهم الوسيم في معارك لا تنتهي ضد
المريخيون .. ويقتل قائد الغزو المريخي في نهاية الفيلم ليعتقد المشاهد أن
السلسلة انتهت عند هذا الجزء .. لكنه يكتشف بعد ذلك أن هناك مريخي
جدید قرر إعادة المحاولة في جزء آخر.
كان (شهاب) يتابع أحداث الفيلم بملل .. فهذه النوعية من الأفلام لا
تستهويه لكنه كان مجبرا على المشاهدة لأنه لا يجد شيئا أفضل يشاهده وهو
جالسا مع ابنه الصغير .. فهذا الفيلم كان يعرض على قناة الأفلام الوحيدة
التي تعرض الأفلام المناسبة لجميع أفراد الأسرة أو الأفلام الأخرى بعد حذف
المشاهد الساخنة منها .. لذا هو يشاهدها مع ابنه وهو في غاية الاطمئنان ..
عكس القنوات الأخرى التي قام بحجبها بكلمة سر.
وليس لديه الآن بال رائق لمشاهدة القنوات الرياضية أو الإخبارية أوالعلمية
أوالحوارية .. إلخ.
إذا أردنا أن نصف (شهاب) من الناحية الجسمانية لتصنع له صورة في
مخيلتك .. سنقول أنه يمتلك جسم رياضى ممشوق القوام .. ذو وجه مستطيل
بجبهة عالية .. عينيان بنيتان .. وشارب أسود رفيع بنفس لون شعره.
كان ابنه (سمير) ذو التسع سنوات يجلس على حجره ومنهمك في لعب
القتال الدامي) على شاشة هاتفه المحمول .
هل تريد وصفا للابن؟
إنه طفل .. والأطفال جميعهم يتشابهون في الشكل .
ما زلت مُصرا على الوصف؟ .. حسنا .. يمكننا القول أنه يشبه أبيه كثيرا
.. ولو حصلت على صورة لـ (شهاب جوده ) في طفولته سوف تعتقد أنها صورة
لابنه الآن.
قال الأب :
. ألم أنصحك مرارا بارتداء النظارة الواقية أثناء اللعب ؟
لم يهتم الطفل بما قاله أبيه واستمر في اللعب .. فسأله بجدية :
. أين نظارتك ؟
كذب الطفل قائلا :
.لقد ضاعت .
سأله مرة أخرى وكأنه يعلم جيدا أن ابنه يكذب .. لقد اعتاد على هذه
الأمور معه :
. أين نظارتك يا ولد ؟ .
قال (سمير) باستسلام :
.على الكومود بحجرتي .
قال الأب بلهجة غاضبة من إهمال ابنه :
.لماذا لا ترتديها؟
أوقف الطفل اللعبة (إيقاف مؤقت) ثم التفت إلى أبيه قائلا :
.لقد قلت لك من قبل .. أنا أكره هذه النظارات العتيقة .. لا أطيق ارتدائها .. تجعل أصدقائي يسخرون منى طوال الوقت بسببها .
قال (شهاب) محاولا إقناع ابنه بارتداء النظارات :
. ولكنها تحمى عينيك ونظرك .. هل تعلم الخطر الذي يكمن في شاشة هذا
المحمول .. أوشاشة السينما التي بحجرتك أوجهاز الـ..
قاطعه الطفل قائلا :
.نحن في عام ۲۰۵۳ .. وما زلت تجبرني على ارتداء هذه النظارات .. ألم
تسمع عن شيئا يدعي الجراحة ؟ .. عمليات العين الأبدية) ؟ كل أصدقائي
أجروا هذه العمليات عندما ولدوا ليحافظوا على عيونهم للأبد .. ولهذا لا
يحتاجون أبدا لارتداء أي نظارات واقية .
قال الأب بلهجة حاسمة :
. أنا لن أعرّضك أبدا لأي جراحة .
حاول الطفل إقناع أبيه قائلا :
. لا تقلق .. إنها عمليات آمنة تماما ولا توجد بها أي نسبة خطر .
مازال (شهاب) مصرا على رأيه .. قال بحنان أبوي :
. أنا أقلق عليك بشدة .. ولن أسمح بحدوث هذا أبدا.
قال (سمير) بعناد طفولي :
. ولكن .. .
قاطعه الأب بلهجة حاسمة :
.لا تجادلني .. إذهب والبس نظارتك إن أردت اللعب.
وقبل أن يعترض الطفل أو يقل حرفا .. انطلق صوت مميز من جيب والده
.. قال الطفل بضيق :
. العمل .. مرة أخرى .
كان الطفل يعرف هذا الصوت جيدا ويستطيع تمييزه .. إنه جرس استدعاء
لوالده ليذهب إلى عمله فورا .
ما هو عملك يا أبي ؟ ) لقد سأله الطفل مرارا هذا السؤال .. وفي كل مرة كان يجيبه إجابة مختلفة .. والأطفال غالبا لا يفهمون مهن آبائهم أوينسونها
أما ابنته (سلمى) التي تبلغ العشرين من عمرها عندما كانت تسأله
السؤال فكان يجيبها بأنه ممرض في إحدى المستشفيات ولهذا يأتيه الاستر
في أوقات كثيرة .. ولهذا أيضا لا يمكن أن يتأخر عن عمله أبدا .. ويذهب ال
بمجرد سماعه جرس الاستدعاء .
سأل (شهاب) ابنه وهو ينهض من مكانه :|
. أين أختك الآن ؟
أجابه على الفور :
.في المطبخ
قال الأب بلهجة آمرة :
. حسنا .. اذهب إلى غرفتك الآن وارتدي نظارتك .. لا تضايق أختك واسمع
كلامها.
.حاضر .
أطاع الطفل أوامر والده وصعد إلى غرفته بالطابق الثاني .
منزل (شهاب جوده) مكون من طابقين فقط .. في الطابق الثاني تتواجد
غرف النوم .. تصعد إليها عن طريق سلالم داخلية .
قال (شهاب) بصوت واضح وبنبرة معينة :|
.أغلق التليفزيون .
لم يحدث شيء .
المفروض أن يستجيب التليفزيون لأمره الصوتي .
كرر (شهاب) جملته بهدوء أكثر ..
.أغلق التليفزيون .
تمت الاستجابة هذه المرة وانطفأت الشاشة الكبيرة .. تنفس الصعداء وقال
. جيد .. لم يعطلني هذه المرة .
وتذكر المرة التي أصيب فيها بنزلة برد قوية جعلت صوته يخرج متحشرجا
فلم تستطع الآلات فهم أوامره الصوتية فكان يضطر لغلقها يدويا .
إتجه إلى المطبخ .. وجد ابنته منهمكة في غسيل الأطباق .. سألها متعجبا:
.لماذا لا تستخدمي غسالة الأطباق با (سلمى)؟
التفتت الفتاة الحسناء إلى أبيها وقالت :
. أحب الغسيل اليدوى .. اعتبرها رياضة .. أو عادة عودتنى عليها أمي .
نظر إلى يديها المغطاة برغاوى الصابون وقال :
. ولكني أريدك أن تحافظي على يديك ولا ترهقي نفسك .
ابتسمت ابتسامة صافية جميلة وقالت :
.لا تقلق .
ربت على كتفها ثم طبع على جبينها قبلة أبوية وقال بجدية :
. أنا خارج للعمل .. هل تحتاجين شيئا ؟
قطبت حاجبيها وقالت :
. ولكني كنت أعد لك القهوة التي تحبها .
وأشارت إلى الموقد الإلكتروني .. فقال لها :
. سأشربها عندما أعود .. لابد أن أخرج فورا .
ابتسمت الفتاة وقالت :
. سأنتظرك حتى تعود وأطمئن عليك .. وأصنعها لك مرة أخرى .
.لا .. سأتأخر.
ظهر الضيق على وجه الفتاة وأطفأت الموقد بالريموت كنترول .
ماذا تريدون وصفا لابنته (سلمى) ؟ حسنا .. إنها تشبه أمها في شبابها
.. إلى حد كبير.
ماذا ؟ أنتم لم تروا أمها أبدا ؟
حسنا .. يمكنني أن أصف لكم أمها .. كانت ..
لماذا تدافعوني ؟
مادا ؟ تريدون وصفاً للقناة وليس لأمها ؟
ألم أقل لكما أنهما متشابهتين ؟
حسنا .. حسنا .. لا داعي لكل هذا الإلحاح
إن (سلمى) شابة في العشرين كما أخبرتكم من قبل.. شقراء طويلة
.. وجه مستدير .. عينان خضراوتان واسعتان .. أنف رقيق .. شفاة متوسذة
الحجم متناسقة . دقن صغيرة .. رقيقة بيضاء ناعمة ثم نكتفي بهذا القدر
من الوصف.
فقال شهاب بلهجة أبوية حازمه
أخيك في غرفته .. انتبهي له .. لا تفتحوا الباب لأي أحد.. ذا شعرت بأي
خطر اطلقي جرس الإنذار البدائي واتصلي به .. لا تستخدمي جرس الإنذار
المتطور إلا في حالة ..
شعور بالملل يجتاحها كمن مسميع هذه النصائح الاف المرات حتى صارت
تحفظها أكثر من أسمها .. قاطعت أبيها قائلة:|
.إلا في حالة الضرورة القصوى .. أنا أعرف ما ستقوله .. هذه ليست
أول مرة .. اذهب لعملك يا أبي .. لا تتأخر أكثر من ذلك، .. هناك مريض يعاني
الآن ويحتاج مساعدتك .. لا تتأخر عليه .
ابتسم لها ابتسامة هادئة وقال :
حسنا ، هل تحتاجين شيئا ؟
قبلته من وجنته وقالت :
. شكرا يا أبي .. انتبه لنفسك .
تصبح على خير.
. وأنت من أهله .
تركها وذهب إلى غرفة مكتبه ليأخذ حقيبته ويغادر على الفور .
.س : وما هو معنى (منظف جرائم) ؟
. ج : المجرم بعدما يرتكب جريمته يتصل بي .. أذهب بسرعة إليه لأقوم
بتنظيف المكان ومسح أي بصمات .. لا أترك أي شيء يدل على وجوده أو وجود
القتيل .. حسب رغبة العميل .. فلو أن مسرح الجريمة مكان يخصه أكتفى
بالتخلص من الجثة ومسح آثار الجريمة .. لو أن المكان يخص القتيل أمسح
بصمات القاتل وأترك الجثة كما هي .. أو أتخلص منها .. حسب رغبة العميل
أيضا.
.س : هل تستطيع التفريق بين بصمات القاتل وبصمات القتيل ؟
ج : لا طبعا .. لكن القاتل يحدد لى الأماكن التي دخلها أوالأشياء التي
مسكها أو لمسها وبالتالي أقوم بمسح البصمات منها بما فيها بصماته وأترك
الباقي .
. س : لقد اعترفت أن عملك لم يكن إخفاء أدلة فقط .. ولكن إخفاء جثث
أيضا ؟
.ج: نعم .. ولكني لم أقتل أو أسرق أو أغتصب أو أرتكب أي جريمة .. أنا
فقط أنظف .
. التنظيف في حد ذاته جريمة .
.هذا رأيك أنت.
. س : هل تربح من هذا العمل كثيرا ؟
                          ••••••••••
-أخرج (شهاب) هاتفه الخاص بالعمل من جيب بنطلونه وطلب آخر رقم
اتصل به وكان أول سؤال وجهه للمتحدث :
. أين؟
سؤال مقتضب عن مسرح الجريمة .. أجابه الطرف الآخر قائلا :
. مساكن الشباب .. الشارع التاسع .. برج السعادة الدور الثامن شقة ۸ ب.
استقل (شهاب) سيارته الحديثة وقال بصوت واضح :
. مساكن الشباب .. الشارع التاسع .
ظهرت أمامه خريطة الكترونية على شاشة صغيرة بجوار عجلة القيادة ..
عليها نقطة حمراء تبين الهدف .. ونقطة خضراء تبين مكان السيارة الحالي ..
ثم صدر صوت أنثوي إلكتروني ناعم من السماعات بداخل السيارة يقول :
. بالسرعة العادية .. سوف تصل خلال ثلاث أيام.
ضحك (شهاب) بقوة قائلا :
. وأنا لن أستخدم السرعة العادية أبدا .. ولن أستخدم الطريق الطويل .
ثم أدار محرك سيارته وانطلق بها ثم قام بتزويد السرعة تدريجيا ..
فانطلق الصوت الإلكتروني مرة أخرى يقول :
. بالسرعة الحالية سوف تصل خلال يومين .. بالسرعة الحالية سوف تصل
خلال يوم .. بالسرعة الحا .. بالسرعة .. بالس.. بالسرعة الحالية سوف تصل
خلال ثلاث ساعات .. بالسرع.. بالسر .. بال.. بالسرعة الحالية سوف تصل
خلال عشر دقائق.
صاح (شهاب) وهويتحسس عجلة القيادة بمودة غير طبيعية قائلا بفرح:
.عشر دقائق ... هذا هوالكلام
وراح الصوت الإلكتروني يكمل قائلا :
... خلال سبع دقائق إذا اتبعت هذا الطريق المختصر بحيث يكون خاليا .
عند وصول (شهاب) للمكان المحدد .. انطلق الصوت الإلكتروني يقول
.لقد وصلت .. حمد لله على السلامة ..
ضحك (شهاب) وقال مازحا :
. الله يسلمك يا اختي ..
ثم انطلق بكل نشاط وحيوية إلى برج السعادة .. وصعد إلى الدور "
شقة ۸ب .. وأمام باب الشقة اتصل على العميل وقال :
.أنا أمام الشقة الآن.
كان العميل هو(مازن) الذي رد عليه قائلا :
. حسنا .. سأفتح لك الباب فورا .
وبمجرد أن فتح الباب رأي (شهاب) أمامه فقال مندهشا :
ماهذا؟

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 21, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

منظف الجرائمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن