كان يقف ضمن الواقفين في باحة البيت ، يتصبب عرقاً تحت أشعة شمس تموز الحارقة . يشعر بغربة الوجوه الكالحة وهي تنفث دخان سجائرها بتوتر كأنها تنتظر انتهاء مراسيم عزاء لم يعد لها أهمية في زمن أصبح الموت فيه هو كل ما يرغب به المرء ويتمناه .
ويخيل إليه أن أيادي . أيادي كثيرة تمتد نحوه وتشد قبضتها عليه وتحاول خنقه . يحس بأن روحه المتعبة تغادر جسده .
تتردد في أذنه صرخات وبكاء والدته وأخواته في الغرفة أمامه وهي تهذي بذكرى والده المتوفي للتو وتعرض حسناته على الواقفين ، مساء أمس جاءه اتصال هاتفي من شقيقته الكبيرة تخبره بحالة والده الحرجة وعليه أن يأتي مسرعاً . عاد على متن أول طائرة كي يلحق به قبل أن يغمض عينه للمرة الأخيرة. أرد أن يعتذر له عما فعله به بعد مرور سنوات من الجفاء والغياب ولم يلحق به فقد وصل متاخراً . وأنشأ يفكر كيف سيغفر له وهو من أختار الرحيل متعمدا ولم تلاقي توسلات والدته ترحيبا لديه . كان خليقا به أن يحزن هذا الحزن الهائل ويتحمل ذنب الغياب ، واستجمع قواه المنهكة وحث خطاه نحو الغرفة . رأى والدته منحنية على الجسد الخاوي وتواصل بكاءها الغير منقطع وأخواته وأبناء عمومته . افسحوا إليه الطريق وهو يحس بالاختناق ، أمسك بكف والده وسرت في أطرافه رعشة ممزوجة بالخوف والخيبة من الوصول إلى المصير المحتوم ثم انحنى وطبع قبلة على جبينه البارد تتخللها طائفة من الدموع وود لو يصرخ ولكن صوته يهرب منه مجددا .
#سرور_العلي .
قبلة إعتذار