من الواقع

47 1 0
                                    

كانت تمر كُل يٌومٍ أمامه في الجامعة , حفظ مواعيدٌها , وموادها , يعرف صديقٌاتها واحدة واحدة , كانت عيناهٌ تركضٌ خلفها , أما هي , فلم تنتبه لهُ , كان حياٌؤها أكبر من أن تراقب الوجوه والعيون, وهذا ما زاده جنونٌٌ بها !
***************************
مرّت أمامهُ مرّةً , فقال بنفسه :
كيفٌ لهذه الأنثى أن تعبر من بينٌ مئات الطالبات , ولا أرى غيرٌها , ولا أرى سواها , كيفٌ لتلك الألوان على كُل الوجوه أن لا تظهر أمام صفاء وجهها , وبراءة عيٌونها ….
كيفٌ لها بلباسها المحتشم. , أن تلفت عينٌ رجل , بأن تشد انتباههُ من بينٌ تلك الأجساد التي تتعرى مجانا !
فلو يجٌد سوى دخان سيجٌارته , ينٌفثه , يرٌاقبها إلى أن دخلت قاعتها , فغادر بهدوء …
***************************
كانتً هي عادتهٌ الوحيدة , لا يأبهُ بأي أحد إلا بها , يتابع تفاصيلها , يعاتبها في قلبه إن فعلت شيئا لا يعجبه , إن غابت في ذلك اليوم يقضيه مكتئب
, إن ابتسَمت إبتسم , إن كانتً حزينة يواسيها في قلبه , كان مٌقترناََ بها , لفصلٍ و نصًف , من غير أن تلحظه , أو تحس به !
***************************
مرّ من جانبها , مُحاولا إكتشاف شيئاٌٌ ما في قلبه , كان مُترددا خوفاََ أن يخيب أمله , هل ياترُى تضع عِطراََ يشٌمه كُل الرجال حولها , هل ستخرج من قلبي بعدما دخلتهٌ بحسنها ….
وحينٌ مرّ وإبتعد , إعتلت وجهه ابتسامة بيضٌاء , جلس على المقعد رٌاقبها , تنتظر دخول جميعٌ الطلاب الذكور, لتدخل بهدوء ملكة …..
***************************
كان يجٌلس في “ كفتيرٌياٌ ” الجامعة , حينٌ دخلت مع صديقٌتها , فاقترب مِنهما أحد الشباب , وأراد التحدث إلى صديقٌتها , فابتعدت هي عنهما , فلم ترضى على نفسها مجرد وجود رجل غريبٌ بالقرب منها , على الرغم أنه لا يحٌادثها !
فابتسم , وقال : اللهم إجعلها من نصيبي !
***************************
كُل ما يشٌغل باله أن نهايةٌ سنواته في الجامعة قد اقتربت , أما هي فما زالت بالبدايةٌ , كيفٌ سيرٌاها بعد ذلك,
كيفٌ يرٌاقبها و يحرسها , كيفٌ يمٌلأ قلبهُ منها , هل يذٌهب ويحٌدثها , أو أن هذا التصرف قد يٌنهي على كل شي ءً !
مرّت أمامه , كانت كالمعتاد هادئة , امتلأت عينٌاها وقاراََ خلف نظارتها , سمع صديقٌتها تنادي إسمها ,فعرفه لأوّل مرة , فأصبح متيمٌا فيهٌ , من أول مرة !
شاء الله أن يجٌمع بينٌهما في أحد الندوات بالجامعة , “ كيفٌ تكون إيجٌابيا ” , تمسك هي بدفاترها , و يمٌسك هو بقلبه , يخطف نظرة من وجهها , يتٌسارع نبضه كقطارِِ جنوني السرعة , يلٌتقط أنفاسه ويهٌمس بداخله
“ حنينٌ ” …
وقف ليشٌارك ويجٌيبٌ على سؤال المحاضر , قُل شيئٌا إيجٌابيا , فقال : أن يكٌون أمام عينٌيك دوما, إنسان مختلف !!
. لملم قلبه , وخرج ينٌتظرها عند الباب , وهو يعٌلم تماما أنها أوّل الداخلينٌ إلى المكان , وآخر الخارجين …
***************************
تسلل خلفها بعد انتهاء آخر محاضراتها , لم تكن أبدا تبقى بعد المحاضرات , كانت تعرف أن وقت الفراغ في جو الجامعة قد يؤٌثر بها سلباََ , ركبت الحافلة إلى البيتٌ , فركبها , أخرجت مصحفاََ صغيرٌاََ من حقيبٌتها وقرأت ,ولم يكٌن معه مصحف !
تأخذ أنفاساََ فينٌقبض قلبه , ترفع عينٌها للنافذة فتتطاير عيناهٌ خلف عيناها , وحين توقفت الحافلة ونزلت منها .تبعها , ليعٌرف بيتٌها , أو ليعٌرف كيفٌ ستسيرٌ في الشارع , فلم تتلفت لغايةٌ وصولها بيتٌها , لذلك كان من السهل أن تٌبعها ديون أن ترهٌ !
***************************
يرى وجهها في كُل مكان , في وجوه أطفال الحي , في واجهات المحلّات الكبيرٌة , في إشارات المرور. وأوراق الشجر…..
“ …. لو أني كلمتها , ما الذي سيحٌدث وما هي ردّة فعلها , كيف سأبدأ بالكلام , كيفٌ و كيفٌ ”
أصابتهُ نوبة ارتباك , مع أن كان الحل واضحا جداََ ..!
همس وهو يحٌوير عقله :
“ د خول البيت من بابه , تلك الأنثى تعلم أنها جميلٌة , وتعلم أنها لو أطلقت العنان لنفسها سيرٌكض خلفها ألفا…, لكنها عاندت كُل شيءً , واحتفظت بنفسها لذلك الرجل الذي يدخل من ذلك الباب ”
فقال بنفسه : “ ستكونين لي , وسأكون ذلك الرجل ” .
***************************
إنتهى العام الدراسي , فانتهى وجودهٌ في الجامعة , ما عاد له مكان يسٌتطيعٌ من خلاله رؤيتٌها , ما عاد كُل يٌومٍ ينٌتظرها عند باب الجامعةويٌوصلها إلى قاعات محاضراتها ..
“ يجٌب أن أكلمها , لن أقول إلا خيرٌا , أعلم أنها لا تحادث أي شخص إلا للضرورة , لن ترفض أن تحادثني فهو ليسٌ حراما , هناك آيةٌ واضحة جدا بالقرآن تحلل ذلك وأنا متأكد بأنها تعرفها , سأقول لها قولاََ
معروفا ولن أتردد ” .
كان يٌوم تخرجه , وكانت هي تحضر ذلك اليٌوم مع زميلٌاتها , لم يلٌتفت لأحد سواها , ظل يرٌاقبها إلى أن انتهى الحفل , خرجت فخرج خلفها , رمى ثوب التخرج إلى أحد أصدقاءه , فقابلها وجها لوجه خارج الجامعة ..
السلام عليكٌم
- وعليكم السلام
أنا إسم محمد عياٌش , كان تخرجي اليوم , كنت أراقبك من حوالي السنة منذ تسجيلٌك بالجامعة ..
بدت عليهٌا علامات الاستغراب و الخجل والارتباك ..
- تفضل , ماذا تريدٌ !
علت في الشارع أمام الجامعة أصوات السيارات , وأصوات غناء الطلاب الفرحينٌ في تخرجهم , وعلا فوق كل هذا الصوت , صوت نبضه الذي خلع قلبه , يقف مُرتبكا أمام ذلك الوجه الذي ما فارقه منذ أن رآه ,
وتلعثمت حواسهُ أمام هذه الأنثى التي أربكت لسانه…
أنا فقط أردت أن أقول بأني معجب فيكٌِ , بأخلاقك وبتصرفاتك , أريدٌ أن أكلم أهلك , هل أنت مرتبطة !
“ نعو أنا مرتبطة ”
أصابتهُ سكتةُ صمت , فقال بإرتباك : انا اسف , شكرا
أدارت ظهرها ومشت , ولم تدرِ لمَ قالت لهُ ذلك !
***************************
رمت كُتبها على السريرٌ , وجلسَت أمام المرآة تنظر لنفسها , من هو هذا الشاب !
كيفٌ راقبني , ولماذا ظل صامتا طوال هذه المدة !
أسئلة دارت في مُخيلٌّتها , أغلقت على روحها كُل النوافذ , وانطوت تبحث عن إجابات , أو تفسيرٌات , أو أي صورة تؤكد بأن هذا الرجل كان يقٌصد بها خيراََ فهو كان صريحٌاََ واضحاََ , لا مجال للشك في كلماته.
رمى نفسه بينٌ يدٌي أمه .. بكى عليهٌا , أي على نفسه , بكى بحرقة , لو تسأله أمه عن السبب سوى أنها كانت تقول :
يا أمي , إن كنت تبكي هماََ أدعو الله أن يزيلٌ همك , وإن كنت تبكي جرحاََ أدعو الله أن يشٌفيكٌ قلبك منه ,وإن كنت تبكي إمرأة فلا تبكي على ما كتب الله لك من نصيبٌ , فنصيبٌك لك ولو هربت منه هرباََ ..
انتحب طويلٌا , ثم نام بين يديها ..
ذهَبَت باليومِ التالي هائمة على روحها .. تبحث عن لوحة أسماء الخريجين
وَقفت أمام اللوحة, تبحث عن ذلك الإسم وتلك الصورة , ذلك الإسم الذي لا تدري كيفٌ خرج من عباءة القدر و تسلل إلى قدرها , وجدت إسمه وصورته , وقفت تنظر لها بتمعن وتأكدت أنهُ هو …
- هل أنت متأكدة بأنك مرتبطة ؟
أصابتها نوبة فزع من ذلك الصوت الذي باغتها , كانت الصورة أمام عينٌها , والصوت تسلل من خلفها !
هو ذاته الصوت الذي كان يصٌارع أصوات السياٌرات ليصٌل إليهٌا , نفس الصوت المرتجف , هو ذاته الرجل الذي بحثت عن صورته , رمت بنظرها على الأرض , ولم تدرِ ماذا تفعل أو تقول , إلا أنها قالت… لأ
وفرّت هاربة من عيٌونه
إبتسم وقال بنفسه : كنت أعلم ذلك … ولن يردني عن باب بيتك شيئاََ…

الوطنيه الحقيقيهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن