البائسة

1.5K 86 38
                                    

في مكان مجهول بجانب مقهى يقع في ركن شارع طويل على الرصيف يوجد طاولة صغيرة وحولها كرسيان من بين عدة طاولات.

تجلس فتاة وحيدة على تلك الطاولة واضعة يديها على الطاولة وهي تحدق في الافق,

لا يوجد اي شخص في ذلك المكان سواها وجميع المحلات والابنية وحتى السيارات فارغة من الاشخاص.

الزمان مجهول ولكن الوقت كان في منتصف الظهيرة وهي لا تعرف ماذا تفعل هناك او ما الذي اتى بها, ولكنها استمرت تفكر بصمت شديد, كانت نحيفة القوام متوسطة الطول عيناها جميلتان توحيان بالحزن واليأس الشديدين.

فجأة وبينما هي تتأمل وتفكر ظهر شخص يرتدي بزة رسمية سوداء اللون ذو شعر قصير ويغطي خديه لحية خفيفة, من حيث لا مكان وبدأ بالسير نحوها, اقترب واستأذن للجلوس بجانبها, سحب الكرسي وجلس.

لم تعره اي اهتمام وبقيت صامتة وبعد سكوت لعدة دقائق نطق اسمها ثم اخبرها عن ما يدور في عقلها وطلب منها الا تقدم على ذلك الامر.

ردت قائلة انه لا يعلم عنها اي شيء سوى اسمها وقالت ان يدعها وشأنها, سكت لثواني قليلة ثم اخبرها انه يعرف عنها ما يريد معرفته ولا حاجة للولوج في التفاصيل وقال انه لم يريد ان يعرف عنها ولكن الصدف الغريبة كانت دائما ما تجعله يكتشف المزيد عن حياتها وقال ايضا ان عينيها هي التي تخبر كل شيء وان تصرفاتها وطريقة كلامها كافية لكي يلاحظ ويعرف ما يجول في اعماقها.

اكملت قائلة انها لن تتخلى عن قرارها الذي يدعي انه يعلم بأمره, وانها ماضية قدما فيه.

قال لها دعيني اجعلك ترين بعض الومضات من مستقبلك لو اقدمت على ذلك الامر, قالت له انا موافقة ولكني لا أؤمن بالمستقبل, فرد عليها انه ليس المستقبل ولكن طبيعة الامور لو اخذت ذلك المنعطف فانه سوف يحصل الذي ستراه بعد قليل.

نهضت معه فقال لها لنمشي قليلا وبعد عدة خطوات تحول الشارع الطويل الى مشفى وبدأوا بالسير في اروقة ذلك المشفى لم تهتم للتغير الذي حصل في الزمان والمكان فقد كانت حزينة لدرجة عدم الاكتراث.

وبينما هم يتمشون كان المشفى مليئا بالناس والاطباء ثم وصلوا الى ردهة كبيرة وفيها المرضى مستلقون على الاسرة, فقال لها ان تلاحظ تلك الفتاة التي توزع الادوية وان تركز عليها.

فقد كانت فتاة تبلغ الحادية والعشرين من العمر تدفع عربة الادوية وعندما تصل الى كل سرير تقوم بإعطاء الادوية الى الطبيب المسؤول الذي كان بدوره يعطيه للمرضى او يحقنهم به, وبعد ان انهوا الجولة نظر اليها باحتقار وقال لها ان تنصرف الان وتذهب لتودي اعمال اخرى بينما ذهب هو الاخر لكي يرتاح في غرفته.

وبينما هي تمشي كانت ثلاثة طبيبات متعجرفات يتجهن نحوها وعندما مروا بجانبها نظرت احداهن اليها نظرة جعلت هذه الفتاة تشعر بالاسى لأنها كانت جميلة جدا وجميع الاطباء تتجه انظارهم نحوها ولكن في نفس الوقت كانوا يرون انفسهم اعلى مكانة منها, وان هذه الفتاة اقل شانا منهم, في تلك الاثناء كانت الفتاة التي اتت برفقة الشخص الغريب تنظر اليها بإمعان وقالت اليست هذه انا, نعم انها انا ولكن كيف؟

قال الشاب ذو البزة ليس المهم كيف, فقد أخبرتك منذ البداية اني سأريك شيئا لم ترينه من قبل, المهم ان هذه لحظات قليلة فقط اما الباقي فهو يكرر نفسه ولا يقل سوأ عن ما رأيته بل هناك الاقسى.

فهل يستحق المال هذه التضحية؟ من اجل مرتب تتقاضينه نهاية كل شهر بعد ان تحملت كل انواع الاهانة والاحتقار من قبل اشخاص لا يعرفون سوى الدراسة والعيش من اجل المادة.

سكتت الفتاة لعدة دقائق ثم قالت ولكنك لا تعرف عن حياتي شيئا ولم تعش طفولتي ولا تشعر بما اشعر, فأجاب قائلا وانت لا تعرفين شيئا عني ولا عن طفولتي لا تعرفين اني احمل هموم تبكي الجبال وقصصا لأناس ساعدتهم على مر العصور لم يعرفوا معنى السعادة لقد كنت بئرا يرمون احزانهم فيه ثم يمضون ولم يسألني احد ما هي قصتك او لما انت مبتهج ومرح طوال الوقت, لذلك لا تحكمي على الاخرين من تصرفاتهم, وانا اعلم ان هناك ربا لا ينسى احد وان المال يأتي, وان الحياة لم تنتهي في هذا المكان حتى لوكان مزعجا او لا يحتمل فهي ازمة وستنتهي, فالنعش من اجل غدا اجمل ولنعش وكأن هذه اخر ليلة لنا على هذه الارض.

واذا كنتي مستاءة من المكان الذي انت فيه الان فحاولي ان تجدي شخصا يفهمك, انسان مختلف عن الاخرين تخبريه عن همومك وعن مشاكلك عله يساعدك فالصداقة هي نبض الحياة ولحن الايام بها نرى العالم ملون, صدقيني لو بقيتي هنا فأني اعدك بالسعادة والراحة والفرح وبعد ان تنتهي هذه الايام ستبقى كالنجوم تدور في مخيلتنا كلما شعرنا بالحزن تذكرنا تلك اللحظات الجميلة لترجع الابتسامة على وجوهنا.

دعيني اخذك الى عالم اخر, عالم يخلو من الحزن حيث تكوني الاميرة وكل من حولك طوع امرك, كوني ما هو مقدر لكي ان تكوني ولا ترضي بالقليل وفي امكانك تحقيق المستحيل, اخرجي من قوقعتك وانظري الى العالم انظري الى الحياة بمنظوري وسترين الفرق اسمحي لي بأن اساعدك ارجوك اني اتوسل اليك ان تفكري جيدا ولا تدعي احد يؤثر على افكارك انت اكتبي قدرك, انت اكتبي النهاية التي تريدين.

واذا كنت مصرة على قرارك الخاطئ فعندي رجاء اخير الا وهو ان نبقى اصدقاء واذا احتجت اي شيء في اي زمان ومكان فقط ناديني في مخيلتك وسآتيك على الفور لقد بعت كثيرا من الامل لكل من يحتاجه فانا في هذه الحياة بائع الامل والدليل لدي اصدقاء زرعت فيهم الوفاء فحصدت الولاء, لا يعدون على اصابع اليد.

ارجو ان تسمحي لي بالذهاب ولكني سأبقى اراقبك طوال الزمن ولن اتخلى عنك ابد,

قالت الى اين ومن انت وما اسمك؟

اجاب: انا شخص لا يريد حتى كلمة شكرا انما اعيش على الطيبة الموجودة في قلوب الاخرين والصداقة التي بينهم, واسمي انت تعرفينه جيدا, الوداع.

ثم فرقع بأصبعه الايمن فاستيقظت من الحلم الذي كانت غارقة فيه.

في صباح ذلك اليوم, كان يوما رائعا ابتسمت لأول مرة بعد مدة طويلة ابتسامة انقى من بياض الثلج ولمعت عيناها ببريق كان اشد من بريق النجوم, حتى ان يومها لم تذهب الى جامعتها وانما بقيت تفكر في ذلك الحلم.

واهب الأملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن