بين الحقيقه و الخيال

109 12 34
                                    

أنا خائفٌ يا أمي
ليتني دوريٌّ في بستانْ
ليتني سمكةٌ في بحرٍ يأكلني حوتٌ واحد
ليتني مثلُ ذلك الحلم الذي يعيشُ في شراييني
يعيشُ في دمي
ليتني قلمي
أقولُ ما أشاءُ
ولا يسمعني أحدْ

آهاتي عميقةُ يا أمي
آهاتٌ عميقةٌ صامتة

يقتلني الحلم و تحييني الحقيقة

ليتني مصباحٌ في غرفةِ عاهرة
تهتم بشكلي و موقعي المناسب لسريرها الصارخ
وتطفئني بعد ثالث كأسِ نبيذٍ و لعاب

إنني أرتجف خوفاً
وبرداً
وسهراً
وقهوةً
وغضبا

لايبدو الخوفُ في ملامحي
أخاف أن يفضحَ خوفي غضبي و رفضي للواقع
ربما سأموتُ خوفاً
أو ربما سأموتُ قهراً
هذا هو الحب يا أمي
يقتلُ السابح في آفاقه قهراً
و يقتلُهُ خوفا

هاأنذا أمارسُ حقَّ اللجوء كاملاً
فلا تقلقي
تُراني أصوِّرُ زخّات المطر
التي تروي الأرضَ
ولا تروي القلوبَ المتصلِّبة

في لبنان
عندي لكل قطرةِ مطرٍ حكاية

أعطني النايَ لأرحل
لم يَعد نايي يطاق
وأنينُ النايِ يوقد
كل جمراتِ القلوب

وإذا البلبل غنى
و لم يجد من يسمعه
كتم البلبل لحناً
وأضاع القافية

والحقُّ لا يخفى
وإن كثرت
ستائر البغيِ
والأحقادُ تشتعلُ

لا تقُلْ كنتم جميعاً عندنا
كنا نعاني الأمرَّينِ
من ظلمٍ و من تعبِ
وظهورُ أُولي العزم منا كسرت
فضربةُ نكرانِ الجميل
لا تغفرُ
لو أنني طيرٌ لرحتُ مهاجراً
لو أنني حوتٌ أغوصُ و أهربُ
لو أنني جبلٌ لرحتُ مُسيَّراً
لو أنني بحرٌ لرحتُ مُسجَّرا
يا ليتني قمراً
أنيرُ لأهل بيروتَ
سهراتِ خمرتهم
آهاتِ لوعتهم

البارحة يا أمي
منذ تسعةِ أعوامٍ و بضعُ ثواني
مرَّ الموت من أمامي
صفعني بقوةً
فلم أتألم
فتنهَّد قائلاً
الحمدُ لله أَنك لم تسقط و لم تمُتْ
فقط أُعطيتَ المزيدَ
من كآبةِ الحياه
فهمستُ في أُذُنِهِ بغضب
إياكَ أن تذهب
خذني معك
فبدا بينَ كلماتي الغاضبة
و صمته الجليل الوقور
مصيرٌ مجهول الخطى
وحديثٌ طويل
فقتلتُ الخوفَ في داخلي
إذ لم يكن هناكَ شهودٌ عيان

منار السعيد

#Manar_Alsaeed

منار السعيد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن