وهذه طفلة في عامها السادس بعد العقد الأول من عمرها، تقف مثل جيش عرمرم، تحارب بسيفها ذي الحدين، فها هي تبطش يمينًا، وتبطش يسارًا، وكأن البحر من ورائها والعدو من أمامها، والقدس لواؤها، طفلة تناست كل ألوان المرح، كل أنغام الفرح، حتى شعرها الغجري صار قصائد شعر مدوية، أما ابتسامتها خلف قضبان المحتل، فما أجملها قصة عشق أبدية، تحكي عهدًا لشرق ساد العرب والعجم يا عهد.
يا عهد، خلف أسوار المحتل أنت حرة عزيزة، وابتسمي فابتسامتك خنجر مستل في أعناقهم، ونظرات عينيك ترهبهم، وسكونك فلسفات يحار لها أصحاب العقول، وحذاء قدميك المقيدتين أطهر وأنقى، من أطهرهم. وقيدك الذي حول معصمك وسام الأحرار، تقلده قبلك كل المدافعين عن أوطانهم. فعذرًا إن أوجعاك فذاك دليل انحطاط، وخزي، وعار، لمواثيق وصكوك وعهود من غربهم، لطالما تغنوا أنها للإنسان حقوق.
يا قدس، سيسألك المحتل عن عهد. عذرًا عذرًا. أقصد يا عهد، سيسألونك عن القدس فقولي لهم، أنا وآبائي وأجدادي القدس. والتاريخ القدس. والجغرافيا القدس. والماضي القدس. والحاضر القدس. والمستقبل القدس. فهلموا واقتلونا، أو حرفوا التاريخ، أو غيروا الجغرافيا، أو اجمعوا الحاضر والماضي والمستقبل وألقوهم في غيابات الجب، إن استطعتم لذلك سبيلاً.
يا عهد، سيسألونك عن ديانتك، فقولي لهم أنا كل الأديان السماوية، مسلمة أنا، لكني كنت نصرانية، بعد زمان كنت فيه يهودية، فأنا في الأصل إبراهيمية. يا عهد، سيسألونك عن عمرك، فقولي لهم أنا أقدم عاصمة في التاريخ. يا عهد، سيقولون لكِ لا تحدثينا عن ماضٍ ولى، والقوم كل القوم كزمانك من خلفك قد ولوا، فقولي لهم والله ما ولى ماضٍ ولا قومٍ؛ فبعد الخطاب جاء صلاح الدين وبعدهم جاء أجدادي وبعدهم جئنا، واعلم أيها المحتل أن القوم كل القوم من أمامي ومن خلفي، وما طابت لكم قدس.
يا عهد، سيقولون لكِ استسلمي فنحن الأقوى، فقولي لهم نعم أنتم الآن فقط الأقوى، لكني لست الأضعف، إنما هي كبوات تصاب بها الأمم العظام.
يا عهد عذرًا إن كان الصمت حليفنا، والسكون رايتنا، فغدا سيأتي اليوم الذي نرضيك ونرضي القدس فينا، وهو قادم لا محالة.
![](https://img.wattpad.com/cover/108943457-288-k589233.jpg)
أنت تقرأ
شخصية وحكمة
Randomفي هذا العمل ... سترى كتابات ... تعكس تجارب شخصيات متنوعة من انحاء العالم المختلفة فترقب ... لترى كيف أن الزمان تغير إلا أن الكلمات والكتابة أبدية في كل زمان ومكان