١. "شَبَابٌ فِي مَهَبِّ الرِيح"

339 26 59
                                    

{السَبت ٢/١٢/٢٠٢٨}
الساعة ٥:٣٦ مساءً

كانَ يومًا عصيبًا، جسَدُها قدْ أُرهقَ ونفْسيَتُها في وضعٍ مُزرٍ أكثر.

للمرّةِ التاسعة عشر في هذا المساء قامت برفعِ كفّها إلى جبينِها لتُبْعدَ الخُصلات الفوضوية عن مدى رؤيتها، لحُسنِ حظّها الطُرقُ فارغة لأنّها لوْ لمْ تَكُن كذلك لكانَتْ في خبرِ كانَ منذُ وقتٍ طويل بسببِ قيادتها المتهوْرة. طلَبَ مِنها آيدن عِدّةَ مرات أنْ يأتي بنفسهِ ويُقلّها إلى الشقة لكنّها رفَضت، هاتِفها ما زالَ مرْمِيًا و منْسيًّا في المَقْعد الأمامي بجانِبها، شاشتهُ تُضيئ بين الحينِ والآخر مُعلنةً وصول إشعارِ رسالةٍ يُعبّر فيها مُرسِلُها عن قلقهِ وشفقته.

لكنّها لا تُرِيد شفقةَ أحد. حتى ولو بعدَ ألفَ سنةٍ من العذاب والألم.

هارموني كانتْ واثِقة بأنَّ كُلّ هذه الإِشعارات إمّا مِن آيدن أو مِنْ لورين، أو كِلاهما. لكنّها لم تأبه لمِن اتّصلَ بِها أو أرسلَ لها رسائل لا معدودة طوالَ هذهِ الأُمسية البارِدة، جُلُّ ما خطرَ على بالِها هو أنْ تَصِل إلى ذلك المكان بأَسرعِ وقتٍ مُمكن.
...

"م-مَرحَبًا؟" صوتُه كانَ مُترددًا و مُثقلًا بالحزنِ أكثر من العادة، مما جعلَ القشعريرة تسري في جسدِ هارموني عندَ سماعه.

"آرثر؟ آه أيّها اللعين لا تُخِفْنِي هَكذا؟ أَينَ أنت؟"

"لا يُهِّم... فَكُلّ هذا سيكونُ قريبًا بلا معنى..." القشعريرة عادَت لتسري في بدنِها بعدَ سماعِ كلماته، مع أنّها كانَت على عِلم بالأيامِ السيئة التي كانَت تُراوِدُ صديقَها المُقرّب، إلا أنّ صوتُه لم يكُن أبدًا مُرْفقٌ لمثلِ هذهِ المشاعِر القاتِمة. وهذا ما زادَ من قلقها.

"آرثر لا تتحدّث بهذهِ الطريقة، لا تدع هذا الشيء ينالُ مِنك! ابقى قويًّا ولوْ لفترةٍ أطول!"

وهُنا، كأنّما هارموني قد أشعَلت فتيلًا في رُوحِ آرثر وصارَ يصيح في الهاتِف بانفعال.

"لا أُطِيقُ الانتظارَ هارموني! لا أُطِيقُ الاستيقاظَ والشعورِ بالسعادةِ المُزَيفة لمجرّدِ أنني ما زِلتُ أتنّفس! لا أُطِيقُ نظرةَ أمّي المتعجبة في الصباحِ لأنني ما زِلتُ حيًّا أُرزق ولستُ في سريري مُجمّدٌ من الداخلِ والخارج والدمُ الأزرق كأنّما مسكوبٌ عليّ! لقدْ سئِمت من كلِّ هذا!"

"لقدْ قطعتُ عهدًا أَليسَ كذلك؟ ألمْ أعِدكَ بأنني سأجِدُ التِرياق؟ لقدْ قطعنا كلَّ هذه المسافة لمَ نستسلم الآن؟"

"لا أدري هارموني أ-أنا فقط سئمتُ من هذهِ الحياة ومن هذا الألمِ الذي يحفِرُ في داخلي!" بدأَ الشابُ الأصغر سِنًّا بالبكاءِ على الطرفِ الثاني من المكالمة بينما احتضنت هي الألم الطاعِن في قلبِها بصمت، محاولةً هي الأُخرى ألّا تبكي.

An Eternal Night |:| لَيلَةٌ أَبَدِيَّةٌحيث تعيش القصص. اكتشف الآن