فكرية: الدعوة الثالثة

296 45 22
                                    

كنت أجد أن هذه المرأة لغزا محيرا.. كتلة من التحدي لقسوة الظروف و ظلف العيش، لكن ذلك لم يمنعها من أن تشق طريقا لأبنائها في الحياة. أعادتني أمي للواقع حين قالت لها:
"يجب أن تتناولي الإفطار معنا، يا "أم حودة"..."
"لا و الله فطرت من النجمة، و لله الحمد تسلمي. راح أقوم بقى عشان ورايا غسيل و ترويق البيت..."
قاطعتها بسرعة:
"تقومي فين؟ دا إنت قعدتك حلوة.. إحكيلي بس إنت ليه اللي بتقومي بترويق البيت مش بتقولي ابنك متجوز و عايش معاكي في البيت؟"
"يا أختي.. بالك إنتي مرته تساعدني حتى في الخبيز!  دا أنا طلبت منها تقعد قصادي ترحرح العيش، قعدت تقولي ظهري.. وسطي و أبصر إيه. قولت الله لا يحوجني لها و لا غيرها و خبزت أنا.. حتى "محمود" ابني رجع يومها من الصلاة، و شافني قاعدة لوحدي. سألني ليه يا أما قاعدة تخبزي لحالك؟ سكت، و ناولته كام رغيف ياكلهم بالهنا مع مراته..

و عرفت منه بعدين إنه طلع زعق لها ليه منزلتش تساعدني، و ردت عليه إنها عرضت عليا و قال إيه أنا اللي رفضت

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

و عرفت منه بعدين إنه طلع زعق لها ليه منزلتش تساعدني، و ردت عليه إنها عرضت عليا و قال إيه أنا اللي رفضت.. لكن يا بنتي أنا مرضتش أقوله علي اللي حصل، و أخرب عليه ليه بيته طالما ربنا عاطيني العافية و مش حواجني لحد.."
" ربنا يفرح قلبك يا "أم حوده" معلش بكرة تعقل و تريحك و تريح إبنك.."
"ما هو اللي مسكتني إنها مريحة ابني و مهنناه. أصلها أكبر منه بثمان سنين، فمدلعاه، و أهي حامل ثاني أهي."
"ما شاء الله تبارك الله! كده بقى عندك حفيدتين."
"لا.. لا! بنتي الوسطانية معاها ثلاث عيال، و الصغيرة معاها سبعة.. الكبيرة لسه مجوزاها من سنة و ربك لسه ما أرادش لها، و أحمد ابني لسه متجوزش، محمود معاه بنت، و ربك العالم اللي جاي في السكة إيه...

أنا كنت أم لعشرة.. خمسة عند ربي في الجنة، و خمسة جوني عوض منه سبحانه إذا شاء."
"ربنا يخلي يا أجمل جدة."
ضحكت على كلمة أجمل، و قالت:
"دا بس من أصلك. ربنا يستر عرضك.. أنا كنت زي الفل بس طلاق بنتي الوسطانية مرتين هو اللي جابلي السكر.."

بانت ملامح الأسى على وجهها، و أخبرتني أنها ظنت أن ابنتها ستعيش نفس مأساتها. كانت المسكينة قد تزوجت من رجل يعمل في أحد المصانع، لكنه أدمن الحشيش، و الذي قاده لأنواع أخطر من الإدمان. كان يضرب زوجته ليل نهار، و طلقها، ثم توسط أبناء الحلال كي تعد مع أولادها للمنزل.. كان ساعتها يتعاطى الحشيش و بعض الحبوب المخدرة فقط، فيتأرجح مزاجه بين حالة منتشية بعد تدخينه، أو خمول و بلاهة بعد الإنتشاء، و نرفزة عصبية كعارض للإنسحاب، لذا كان يكيل الركلات لمن يفتعل الضوضاء من أطفاله، و لزوجته نفسها إذا حاولت الدفاع عن الضحية المسكينة التي تقع تحت أنيابه.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 06, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

عجوز بقلب طفلةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن