صمتت "فكرية" قليلا لترتشف قليلا من العناب الحلو البارد الذي قدمته لها، ثم عاودت استكمال حكايتها قائلة:
"أخويا جه مسافر على ملى وشه من البلد أول ما سمع إن جوزي إتجوز عليا زي ما قولتلك.. كان عاوزني أرجع معاه، و أسيب بناتي، لكن أنا قولتله لا! هقعد و أربي بناتي في بيتي في قلب أبوهم.."
"و جوزك عمل إيه لما أخوكي جالك؟"
شخصت ببصرها نحو النافذة المفتوحة، و كأنها تروي مشهدا تراه نصب عينيها في هذه اللحظة، ثم عاودت النظر إلى و هي تمتم بصوت خفيض يحمل الكثير من الألم و السخرية و قالت متهكمة:
"قالي أرجعي مع أخوكي، و خدي بناتك معاكي ليكي إيه هنا. لمي خلاجاتك و أرجعي!"
"يا ربي على النذالة و الخسة! و رجعتي؟"
"لا يا بنتي. أخويا عاوزني أرجع لحالي، و جوزي عاوزني أخد بناتي معايا.. و إن أهلي إتحملوني يوم، هيتحملوني أنا و بناتي الثلاثة لغاية إمتى؟قولتلهم لا مش راح أرجع البلد، و مش هسيب بيتي، و بإذن الله أربي بناتي في قلب أبوهم، عشان يعرفوه و يفتكروه و يجوزهم و يتصور معاهم في فرحهم قدام الناس.."
و لكن رغم تضحيتها، كان زوجها يهملها و بناتها كثيرا،و بما أن ما يقبضه كان يكفي بيتا واحد بأربعة أفواه غيره بالكاد. فكيف الحال به الآن و قد صار له بيتان.. بل و ثلاثة أفواه إضافية، فقد أنجبت له الزوجة الجديدة ذكرين.
بدأت "فكرية تنقم على زوجها إهانته لكرامتها، و عدم عدله في إنفاقه عليها و على بناتها مقارنة بزوجته الجديدة، و لأنها أبيّه، فقد باعت سرا إحدى قطع مصاغ قليلة كانت تملكها، كي تكفي حاجة بيتها. صارت تكرهه، تكاد تصرخ أنها لم تعد تطيق لمسته، فشهوته الأنانية كزوج، هي الشيء الوحيد الذي لم ينتقص رغم زواجه من أخرى. هل كان ذلك بسبب فحولته، أم أن جسدها الضئيل كان أكثر إمتاعا له؟ لم تعرف لذلك إجابة، رغم تساؤلها عن ذلك في عقلها أحيانا..
كان يناديها بأم البنات، و كأن ذلك سبة و إهانة! ما الفرق بينه و بين كفار الجاهلية الذين سمعت عنهم في خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ في المسجد المجاور لمكان إقامتها، إن النبي نفسه- صلوات الله و سلامه عليه- لم يعش له سوى البنات، و ابنته فاطمة الزهراء كانت قرة عين له! فكيف لزوجها و أمثاله بالتحقير من خلفة البنات بهذا الشكل؟
أنت تقرأ
عجوز بقلب طفلة
No Ficciónقصة دعاء إخترق حجاب السماء.. كفاح امرأة طغت على حياتها قسوة الظروف لكنها لم تستطع قتل إبتسامتها و لا هزيمة قلبها.. قلب طفلة في جسد عجوز... #سلوى