من الواضح أن ما حصل إلى غاية اليوم هو تغير جزئي في منظومة الحكم في الجزائر بفضل الحراك، والجزئية هنا بمعنيين، معنى أن المحاسبة تتم بطريقة مجتزأة ومتسرعة، ومعنى أن جزءا من النظام أزيح بينما بقي جزء آخر هو الذي يدير دفة الحكم إلى الآن، والحقيقة الثانية هي أن الحراك الشعبي ما يزال غير راض على الحاصل من تلك التغييرات الجزئية، لذلك هو يراهن على تواصله واستمراريته لتحقيق نتائج أفضل؛ لكن السؤال المركزي هو عن طبيعة "النتائج الأفضل" التي يبحث عنها الحراك؟
من المهم التذكير أنّ رفض الحراك للرئيس والحكومة الحاليين من طرف الحراك الشعبي كان لسبب رئيس هو أنه من المستبعد أن تنظم انتخابات نزيهة في ظل حكمهما بوصفهما من ركائز النظام المراد رحيله، لذلك كانت المطالبة برحيل الباءات من أجل تحسين المكاسب، ذلك أن الجمهور يسعى لـ "تحسين شروط نزاهة الانتخابات" باعتبارها العملية التي من خلالها يحصل الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ولتوضيح المقصود بالانتقال هنا لابد من الإشارة إلى محدّدين مهمّين هما:
الأول: أن الانتقال الأكثر أمانا يكون عبر عملية انتخابية تحدد مباشرة رئيس المرحلة المقبلة، وتجاوُز فكرة المجالس الانتقالية فضلا عن لا جدوى إيقاف كل شيء إلى غاية تحديد دستور جديد، لأن المجلس الانتقالي سيشكل فرصة سانحة للمنظومة القديمة للعودة في ثوب جديد، أما تجديد الدستور فهو أيضا من مداخل المناورة، ما يجعل من فكرة الذهاب مباشرة إلى انتخاب رئيس الجمهورية المطلب الأمثل للحراك، وذلك لما يحوزه منصب الرئيس في الدستور الحالي من صلاحيات عظمى تصل إلى حد التصرف في تركيبة المؤسسات الأمنية، فضلا عن القضاء والمجالس الوطنية، ما يعني أن انتخاب رئيس سيكفل من حيث المبدأ أفضل ضمانة لإحقاق سلطة الشعب على المسار السياسي لما بعد المرحلة الأولى من الحراك.
كان الكلام عن ضرورة الاحتراز والتحفظ في المطالب منطلق أساسا من المحاذير التي تعتري الحراك انطلاقا من كون الحراك ومنذ اللحظة الأولى قد تضمن بالقوة أو بالفعل "الثورة المضادة"
الثاني: هو الحقيقة الاجتماعية والتاريخية التي تتمثل في عدم إمكان تحقق "ضربة قاضية" على كل المنظومة لسبب من شقين: أن النظام له جذوره في الواقع الاجتماعي في حدّ ذاته، حيث الفساد الذي خرج الشعب من أجل إنهائه هو منتشر في العمق الاجتماعي الذي خرج للحراك، وأن التغيير السياسي يتطلب مرافقة مُحايِثة وهو التغير الثقافي، ذلك الذي عبّر عنه بن نبي بـ"القابلية للاستعمار"، فحتى لو افترضنا أن أسبابها النفسية الاجتماعية قد زالت من عند المجتمع نهائيا، فإنه يبقى أن يعايش تجربته الفعلية في ممارسة سلطته على نفسه، وذلك ما يتطلب المحاولة والخطأ والتصويب، أي أن فتوة تجربة حكم الشعب لنفسه بنفسه ستقتضي فترة من التجارب حتى تستوي على سوقها.
أنت تقرأ
هذه هي شروط الانتقال المثمر والآمن للحراك الجزائري
Sachbücherمن الواضح أن ما حصل إلى غاية اليوم هو تغير جزئي في منظومة الحكم في الجزائر بفضل الحراك، والجزئية هنا بمعنيين، معنى أن المحاسبة تتم بطريقة مجتزأة ومتسرعة، ومعنى أن جزءا من النظام أزيح بينما بقي جزء آخر هو الذي يدير دفة الحكم إلى الآن، والحقيقة الثاني...