السلوكي

106 3 8
                                    

قصة"السلوكي"

-منذ متى وأنت على هذه الحال؟
-منذ خمسة أشهر! منذ الحادثة!..

عقد الطبيب حاجبيه، ونظر إلى الصور الطبقية المحورية المرفوقة مع ملفه الطبي وقال:" وهل مازالت تشعر بالرغبة في السفر خلسة إلى إيطاليا!".

أجابه المريض قائلا:" نعم!.. نعم، أريد "الحرقة"!"..

هتف الطبيب محاولا لفظ حرف الحاء كما جاء على لسان مريضه:" ه ه هرقة!"..

قال له المريض:" لا.. لا.. ححح.. ححح حرقة!"..

رفع الطبيب حاجبه و قال:" أخبرني! من أين أنت؟ هل أنت عربي!".

انتفض المريض وقال:" أنا ألماني أبا عن جد!.. ألا ترى زرقة عيني و بياض بشرتي و شعري الأصهب!".

ضحك الطبيب وقال:"نحن في زمن التهجين!.. آسف! لا عليك، لا تغضب!".

واستطرد قائلا:" أخبرني كيف قمت بهذا الحادث و أين؟ حدثني! ما الذي جرى؟ و كيف وصل بك الحال إلى هنا؟! "..

تنهد المريض وقال:" الأمر بدأ عندما زرت إحدى دول شمال إفريقيا، كنت في جولة سياحية  بالجنوب التونسي.. لقد كانت رحلة رائعة!"..

زفر المريض و استطرد بأسف قائلا:"هنا بدأت المشكلة، صرت أشعر بشيء غريب! أصبحت لدي رغبة عارمة في "تبزنيس"!..".

هتف الطبيب مستغربا:" تبزنيس"!..
لا أرى غرابة في ذلك!  بالعكس هذا شيء جيد، أن تفتح مشاريع هناك و تقوم باستثمارات في مجال البزنس! إنه حقا شيء مشرف و ممتاز!..".

نكس المريض رأسه وقال بخجل:" أنا لا أقصد البزنس الأوروبي.. لا ليس ذاك!..
بل بزنس من نوع آخر.!.
أقصد.. أقصد!..
التقرب من جميع الإناث..
تحرش! تحرش!".

جحظت عينا الطبيب و قال:" تحرش!
وأين البزنس في ذلك!".

حرك المريض رأسه متأسفا و قال:" لا أدري.. هذا ما أحاول أن أفهمه منك يا دكتور!..".

أردف يتمّ حديثه:" كنت عائدا مع مجموعتي السياحية إلى جزيرة جربة كي نستقل الطائرة من هناك نحو ألمانيا، ولكن سيارتنا انزلقت في منحدر وعر، أصبت على أثره بٱرتجاج في المخ ونزف حاد، و تم نقلي  إلى أحد المستشفيات العمومية!".

أطلق الطبيب صيحة فزع و قال:"لاتقلها!.. مستشفى عمومي... هناك!".

هتف المريض بٱستغراب قائلا:" نعم.. نعم.. يا دكتور! مستشفى عمومي!..".

سأل الطبيب بلهفة:" وكيف عاملوك !.. هل اهتموا بك جيدا!".
نظر المريض نحو النافذة مبتسما و عاد بذاكرته قائلا:" لقد احسنوا معاملتي، وفروا لي غرفة خاصة و تبرعوا لي بدماء طازجة، رغم تأكيد جميع المرضى أن الحصول على دماء يكلف مالا كثيرا..
اهتم الممرضون و الممرضات بي و سهر الأطباء على راحتي و كذلك فعل ملحق سفارتنا هناك!.. "..

سكت ثم استطرد قائلا:" المشكلة بدأت بعد عودتي إلى أرض الوطن! لقد بتُّ لا أنام!..".

صمت هنيهة و أردف قائلا بخجل:" أنا أمضي ليلي أقلب صفحات الفيسبوك!.. و أصل إلى العمل متأخرا في الصباح!
أبحث لي عن رفقة كي أحتسي قهوتي و أثرثر، إلى أن..أن..".

هتف الطبيب بلهفة:" إلى أن ماذا!.. هيا أخبرني؟!".

همس المريض قائلا:" إلى أن طردت!".

وأضاف:" منذ ذلك اليوم أصبحت لا أغادر المقهى و لا أفارق الشيشة، أنظر إلى المارة و أندب حظي و ألعن وجودي هنا في هذا البلد!.. لا أترك فتاة إلا و "أبزنسها"!..
لقد زاد بي الحال سوءًا و زادت معه رغبتي في الهجرة خلسة  إلى  خارج البلاد، إلى إيطاليا!..
ولا أعلم لما إيطاليا بالذات!".

استغرب الطبيب من حالة مريضه، وبحث بين التقارير و الأبحاث النفسية عن سبب تغير سلوكه، وخلص إلى أنه تعرض إلى عدوى مرضية تعرف" بالفيروس السلوكي"!...

يتنقل "السلوكي"  بين الأشخاص ذوي المناعة السلوكية الضعيفة و تدوم فترة سبات هذا الفيروس عشرة أيام، و ينشط إذا وجد المريضُ نفسه في بيئة غير بيئة الفيروس الأصلية!..

حاول الطبيب إتباع نظام علاج دوائي مرفوق بحصص دعم نفسي، ولكن حالة المريض تدهورت و انتكست فصار سوداويا و محدود الفكر، قليل التركيز و بليد الذهن..

خلص الطبيب إلى أن العلاج لا يكون إلا بنقل دماء ألمانية طازجة ذات جودة عالية، لذلك تم انتقاء ثلة من الألمان، ذوي العرق الآري الأصيل حتى يتبرعوا له بالدماء..

تم تزويد المريض بجرعة وريدية و أدى ذلك إلى تجاوب المريض وتغير مزاجه..

مر شهر على تلك الحادثة، واستبشر الطبيب خيرا، و استمر ذلك أسابيع أخرى حتى عاد اللغط من جديد يعكر صفو أروقة المستشفى!..

في ذلك الصباح، دخل الطبيب إلى غرفة الفحص كي يباشر اللقاء مع مريضه الجديد ولكنه صاح متفاجئا:" أنت!.. أنت من جديد!"..

كان المريض مكمم الفم، مسلسل اليدين والساقين، معصوب العينين، يرافقه رجل ملثم، كان أحد أفراد القوات الخاصة بفرقة مكافحة الإرهاب..

خاطبه المرافق قائلا بحزم: "
أيها الطبيب!
تجربتك فاشلة!
لقد تسبب علاجك في كارثة و أصبح مريضك عنصرا من عناصر "النيو-نازية"!..
لقد شارك في قتل تسعة مواطنين من أصول عرقية مختلفة" يهود و عرب و غجر و رومان!.. و " صار معاد للسامية و أدخل البلاد في أزمة سياسية ".

هتف الطبيب فزعا و قال:"
ماذا أفعل، أنا أيضا روماني!.. ما الحل؟!".

جز المسؤول على أسنانه وقال:" هل أنا من سيخبرك عن الحل!".

واستطرد قائلا بغضب عارم: " احقنه بدماء غبية، ساذجة، خنوعة، هلاّسة.. أو بزناسة!!.. هكذا نأمن شره!".

أجابه الطبيب قائلا بجزع:" أخاف أن أفعلها، ويعود ثائرا!..
خبز وماء و ميركل لا!"..

🎉 لقد انتهيت من قراءة السلوكي © بقلم درصاف الذيب 🎉
السلوكي © بقلم درصاف الذيبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن