لا بد من اننا سمعنا عن أمراض نفسية شهيرة وشائعة في كل المجتمعات، وإن كان بعضها يختصّ بأمراض معينة، إلاّ أن ثمة ما هو مشترك بينها مثل القلق والفصام والوسواس القهري والهوس والإدمان وغيرها من الأمراض. لكن ثمّة أمراضاً نفسية أخرى أقل شيوعاً وأكثر غرابة وفرادة يُصاب بها بعض الأشخاص لأسباب متنوّعة، منها ما يصيب شعوباً دون غيرها. وتشكل ضغوط الحياة عموماً والمشكلات الأسرية والإجتماعية المتنوعة التي يواجهها الفرد، العوامل الأبرز للإصابة بالإضطرابات النفسيّة، ويظهر ذلك جلياً من خلال مجتمعنا اللبناني الذي يعاني فيه واحد من أربعة لبنانيين مرضاً نفسياً، وهو رقم مرتفع جداً. لكن بعض الأمراض تبقى أسبابها مجهولة ويلفّها الغموض، كما تتميّز بالغرابة حيال أعراضها وطريقة تجلّيها في المصابين بها.
في هذا التحقيق يطلعنا المعالج النفسي الدكتور باتريك فهد على عدد من أغرب الأمراض النفسيّة التي قد تصيب الإنسان.- التهام الذات Autophagia
يقضي فريد ساعات يقضم أظافره وأجزاء من أصابعه، هو الذي احتار أهله معه منذ صغره بالطريقة الأفضل لردعه عما يفعل. لكنهم لم يعلموا إلاّ أخيراً أنه مصاب بتوهم التهام الذات. وبحسب علم النفس، يعمد المريض به الى قضم أو مضغ أجزاء من جسده باندفاع. وهذا الاضطراب ينتج من عدم القدرة على التحكم بالذات، ويبدأ بمجرد قضم الأظافر لينتهي الأمر بمشكلة كبيرة تتمثل بمضغ المريض لأصابعه!- الهوس الشبقي Erotomania
قصد عماد عيادة طبيبه النفسي ليخبره أنه يعيش حالة غرام ملتهب ذات إطار رومانسي سطحي للغاية، وأنه مولع بحبيبته بقدر ولعها فيه. لكن مشكلته أن العالم أجمع يريد التفريق بينهما ويمنع اتصالهما. لماذا؟ ما من أسباب واضحة، مما جعل الطبيب يعمّق من استفساراته الى أن توصّل الى أنه مريضه مصاب بالهوس الشبقي من خلال علامات مطاردة من يزعم أنها حبيبته ومعاكستها. لكن الحبيبة تكون ضحية المريض عادةً والذي يخطط للاعتداء على من يظن أنهم يمنعون اتصاله بها، وقد لا يتوانى عن ارتكاب عمل إجرامي لإرضاء الضحية!- هوس الكتب Bibliomania
تعرّفت اليه زوجته عاشقاً للكتب، ونقل لها أهله أنه عشق رافقه منذ الصغر، فكان يجن جنون سمير بمجرد رؤية أي كتاب في أي مكان، ناسبين ذلك الى أنه ولع بالمعرفة والعلم. لكن زوجته أدركت أنه مرض نفسي! هي حالة متطرفة من حب الكتب، وقد تبدأ أعراضه الأولى منذ الصغر من دون أي ملاحظة. والإشارات الأولى لهوس الكتب تبدأ بالشعور بالبهجة والسرور عند مشاهدة أي كتاب، وسرعان ما ينقلب الأمر إلى الرغبة في اقتناء ومطالعة أي كتاب من أي نوع. أما المرحلة المتقدمة منه،| فتتميّز بالرغبة في تجميع أكبر عدد من الكتب على افتراض إمكان الإفادة منها يوماً ما. ومن صفات البيبليوماني أنه إن احترق بيته فأول ما يفكر بإنقاذه هو كتبه الخاصة، ويكون في قمة بهجته حين يحضر معارض الكتب أو يسمع بإقامتها في مكان ما. ومهووس الكتب يرتدي بالضرورة نظارات طبيّة ويصاب بصداع مزمن لعدم قدرته على ترك الكتاب الجيد في الوقت المناسب، كما أنه لا يملك حساباً في المصرف لأنه لا يستطيع كف يده عن شراء كتاب جديد حتى وإن كان بلغة لا يعرفها، محاولاً إقناع نفسه بأنه عند الضرورة سيبيع الفائض منها، لكنه في الحقيقة لا يقبل حتى إعارتها. ولا يتذكر المهووس بالكتب تاريخ زواجه أو تاريخ ولادة ابنه، ولكنه يتذكر تاريخ وظروف شراء أي كتاب يملكه! ومن المهم التفريق بين "البيبليوماني" ومن يضطر للقراءة بغرض الدراسة، فالأخير تنقطع علاقته بالكتب وقد يسارع للتخلص منها بمجرد انتفاء حاجته إليها، أما "البيبليوماني" فعلاقته مع الكتب لا تنقطع إلاّ بدخوله القبر.