اقتباس ٢

5.3K 217 100
                                    

طفقا عائدين بعد أتمت تلك الولادة المتعسرة من بعد صلاة الفجر تقريبا و ها قد شارف المغرب على الرحيل و بدأت العتمة فى الانتشار .. كان التعب بلغ منها مبلغه و كانت تشعر ان كل عضلة من عضلات جسدها متشنجة نظرا للمجهود الذى قامت به النهار بطوله .. لكن كل هذا لا شئ ما ان اتم الله على يديها تلك الولادة بسلام و الام و جنينها بخير مما أشعرها بالسعادة فتنهدت فى ارتياح جذب انتباهه ليتطلع اليها بطرف لحظ يحاول ان يغض الطرف عنها دوما .. لكن كيف له ان يفعل و كل ما فيه يناديها و خاصة و هى بهذا القرب الدامى منه تشاركه أريكة الكارتة التى تهتز بهما فى طريقهما للبيت الكبير على ذاك الدرب الذى بدأت شمسه فى المغيب مخلفه ورائها شفق ذهبى مخلوط بالحمرة اورث الأجواء نوعا من السحر لا يمكن مقاومته ..
انتفض فجأة مطرودا من جحيم خواطره عندما هتفت هى فى تعجب متسائلة :- ايه الصوت ده يا عفيف بيه !؟
تساءل بدوره :- صوت ايه !؟..
ارهفت السمع هامسة :- حاسة انى سامعة صوت غنا او حاجة شبه كده .. ده صحيح و لا بيتهئ لى !؟..
ابتسم فى رزانة مجيبا :- لا صحيح يا داكتورة ..
و ادار العربة لتسلك طريقا فرعيا ضيقا اشرف بهما على سهل منخفض رأت فيه من على البعد بعض من خيام و شادر منصوب ..
نظرت دلال لعفيف فى تعجب هامسة :- ايه ده !؟..
رد هامسا بدوره :- دى خيام الحلب ..
هتفت مستفسرة :- اه .. قصدك الغجر مش كده !؟..
ابتسم مؤكدا :- ايوه يا داكتورة صح .. بجيتى خبيرة اهااا ..
ابتسمت فى خجل :- يعنى افتكرت كلام خالة وسيلة عليهم ..
هم بالحديث الا انها تنبهت للغناء الذى بدأ من جديد بالأسفل فنزلت من الكارتة مشدوهة و مأخوذة اليه .. وقفت تتطلع من موضعها فوق تلك التلة البعيدة على ذاك الصخب الدائر بالأسفل و تناهى لمسامعها أهازيجهم و رقص فتياتهم.. و مشاعلهم المستعرة بأركان المكان بالأسفل تضفى عليه جوا أسطوريا خلب لبها ..
كان هو لايزل بالعربة متطلعا اليها فى تيه مأخوذا كليا بصورتها التى تتراقص اللحظة امام ناظريه على انعكاس اللهب القادم من البعد .. كانت قطعة فريدة وضعت فى لوحة فائقة الجمال فزادتها حسنا
نزل بدوره من الكارتة سائرا فى حذّر ليقف جوارها محاولا الا يقطع ذاك السحر الذى شملهما و ان لا يخرجها من ذاك الجو الذى أضحت اسيرته تماما ..
تناهى لمسامعهما الغناء الذى علت وتيرته بالأسفل لتصلهما ..
يا حنة .. يا حنة .. يا حنة .. يا جطر الندى ..
يا شباك حبيبى يا عينى .. چلاب الهوى ..

همست دلال مسحورة :- الله .. بحب الاغنية دى قووى..
نظر اليها مسحورا بها و تنحنح محاولا ان يجلو صوته هامسا بدوره :- اغانى عن حكاوى جديمة ..
و حاول ان يجذب نفسه خارج ذاك السحر الذى يدعوه اليه كنداهة لا يستطيع منها فكاكا فاستطرد هاتفا :- و الاغنية دى بالذات .. عن حكاية جديمة جوى ..
تنبهت لحديثه فتساءلت فى شغف للمعرفة :- قديمة قوى ازاى !؟.. من امتى يعنى !؟..
ابتسم عندما علم انه اثار فضولها فهتف :- من ايّام الدولة الطولونية ..
هتفت متعجبة :- ياااه .. دى قديمة قوى فعلا .. بس واضح انها حكاية مش عادية عشان تعيش كل ده !؟..
اكد هامسا و هو يومئ برأسه :- اكيد .. حكاية لسه عايشة و بتتغنى .. لانها بتحكى عن فرحة و حزن متعشجين ف بعض زى الارابيسك ..
هتفت فى حيرة :- ازاى !؟..
همس يحكى و أهازيج الغجر عن الحكاية تكمل تلك الخلفية الخلابة :- دى حكاية الاميرة جطر الندى بنت خمارويه و حفيدة احمد بن طولون .. كانت شابة ف غاية الچمال و كان ابوها بيحبها چدا و لكن كان فى مشاكل و صراعات كبيرة بين ابوها حاكم مصر و بين الخليفة العباسي المعتضد .. شاف الاتنين ان انسب وسيلة عشان ينهوا الخلاف چواز جطر الندى من بن الخليفة .. و فعلا تم تچهيز العروسة بچهاز فى قافلة اولها ف العراج و اخرها ف مصر و كان فيها من عچايب الدنيا اللى عمر ما حد شافه..
همست دلال فى فضول :- و بعدين .!؟...
ابتسم مستطردا :- بيقولوا ان ابوها بنى لها جصور ع الطريج من مصر لبغداد كل ما تكون عايزة تستريح تنزل ف جصر منيهم لحد ما وصلت بغداد .. و زى ما بيجولوا برضك تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ..
هتف تتعجله فى فضول :- ايه اللى حصل !؟..
قهقه لحماستها مستطردا :- شافها الخليفة المعتضد فبهرته بچمالها فعزم انه يتچوزها هو مش ابنه ..
شهقت دلال فى صدمة هاتفة :- يا عينى .. ضاعت فرحتها ..
اكد عفيف :- بالظبط .. بس هى ملهاش انها ترفض للاسف .. لانه چواز سياسى م الاساس .. عشان كِده جلت لك .. رغم مظاهر البذخ و الفشخرة اللى أتعمل بيها الزفاف و الأربعين ليلة حنة اللى اتجام فيها الفرح و اللى بيتغنوا بيها لحد دلوجت الا انها مكنتش سعيدة ابدا..
همست دلال فى شجن :- اكيد ..هتبقى سعيدة ازاى و عمرها بدل ما تعيشه مع حد يحبها راح ف صفقة سياسة !؟..
صمت عفيف و لم يعقب و اخيرا استدار يصعد الكارتة بعد ان تركته و صعدت قبله .. هز لجام الفرس بين كفيه لتتحرك عائدة متخذة الطريق الرئيسى مرة اخرى لتدير دلال رأسها متطلعة خلفها لمضارب الغجر و هم لازالوا على غناءهم يتناهى لمسامعها كلمات اوصلها الريح و العربة تندفع مبتعدة ..
استنى .. و استنى .. لما تفوت على بستانا
و تصبح و تمسى .. تطلب مفتاح الچنة ..
و أهديك شال الأفراح .. مليان ورد و تفاح ..
و الفرحة الكبيرة نقسمها سوا ..
و أتوه بين حبيبى يا عينى و الليل و الهوى ..
الرواية بتنزل فصول حاليا على صفحتى .. تشرفونى ❤️❤️

 اقتباسات جلاب الهوى   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن