التناغم الأول

2.5K 58 12
                                    


قالت الجدة: أتعلمون يا أحفادي مم خلق سيدنا ادم؟
.
الحفيدتان:لا يا جدة
-خلق من تراب
-وما هو التراب؟؟
سكتت الجدة لبرهة لتكتم أحزانها وقالت:
شئ ناعم الملمس له عدة ألوان كنا نلعب به ونحن صغار
قالت سالي باندفاع
-أكنتم تلعبون بأصلكم؟؟
ضحكت الجدة ولم تدري كيف سترد على حفيدتها سالي فقالت باختصار:ولم لا
سألت سمر-الحفيدة الأصغر سنا- :ولماذا لا يوجد تراب هنا؟
الجدة: لقد استبدلوه بالرخام والبلاط ونسوا أن يشعروا بدفء الأرض
سمر:وهل كانت الأرض دافئة؟
الجدة: نعم ولم يكن هناك سوى ارض شاسعة وشمس ساطعة
سمر:وهل كل هذا بالخارج؟
الجدة:نعم
سمر بسذاجة: اذن ماذا ننتظر هيا لنخرج الآن؟!
ابتسمت الجدة بأسى وقالت:لم يعد هناك شئ من هذا ....
كل شئ اختفى...أخفيناه
سالي:أوصفي لنا شكل الشمس يا جدة؟
لا لقد تأخر الوقت هيا اخلدوا للنوم وغدا سأصفها لكم تصبحون على خير
********************************
الجدة:سمر سالي هيا استيقظوا الهي هيا قوموا
-نريد النوم قليلا
-لا يجب أن تذهبوا للمدرسة وقبل ذلك عليكم أن تتناولوا الإفطار هيا هيا
قامت الفتاتان مكرهتين ليله البارحة قضياها باللهو واللعب بعد أن خرجت الجدة من غرفتهم حتى تأخروا عن وقت النوم قامتا بتكاسل وغيرتا إعدادات جهاز التنفس يقوم الجهاز بإنذارهما ما إذا كانا في مكان يقل فيه الأكسجين حتى لا يموتون اختناقا!
تناولا الإفطار الذي هو عبارة عن أقراص تمضغ لها عدة نكهات ...وبعد الإفطار تناولا حبوب الفيتامينات التي لا غنى عنها
قالت الجدة:على أيامي لم يكن احد يتناول هذه الحبوب سوى عندما يكبرون في السن وتتساقط أسنانهم ليسوا وهم في سن التاسعة عشر فقط!!
منذ لحظة الولادة توضع هذه الفيتامينات في الحليب المصنع ...تعطي المولود الكم الكافي من المواد الأساسية ليواجه الحياة ولو بجسم هزيل ضعيف!
خرجت سالي وهي مرتدية الدرع الواقي يغطيها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها يحتاجون عند خروجهم لحماية أنفسهم من الأشعة الضارة والمواد المتطايرة مع أنهم يعيشون في بيئة من المفترض أنهم جهزوها لتكون محمية من التلوث ولكن أينما وجد البشر وجد التخريب
في الطريق كان رأس سالي مثقل بالأفكار التي لا عد لها ولا حصر كانت تفكر فيما قالته الجدة بالأمس فقالت:
يبدو إن الإنسان وحش هناك أسطورة وحش يدعى قودزيلا يأكل البشر يبدو أن قودزيلا مجرد أسطورة نحن من أكلنا أنفسنا أنا وحش أنا قودزيلا!!
في هذه الأثناء كانت أختها سمر-البالغة 14 سنه- تتأمل الطريق صوت طنين ...مواطن يمشي في الشارع اخبره الجهاز المثبت في ظهره -وظهر كل البشر حاليا - أن كمية الأكسجين في هذا المكان قليله فثبت القناع حتى لا يموت اختناقا محني ظهره مغطى بطبقة عازلة يشبه الآلات في شكله ...تنظر إلى السماء من خلال السقف الكرة البلورية المسماة (نييمار) على شكل نصف دائرة وتتساءل هل حقا كانت السماء زرقاء صافية؟؟
وقد علقوا عليها مصابيحهم لتضيء مدينتهم البائسة ...ترى ما لون الشمس؟ ماهي الحيوانات؟ كم أتمنى حيوانا أليفا ليس آليا ...حيوان حقيقي..أريد أرنبا ناعم الملمس كما تصفه جدتي ليس آلتا باردة ليس لها إلا أن تعيد شريط الأصوات كلما ضغطنا على زر التشغيل و إيقافه كلما سئمنا منه أناس عابسة ووجوه كالحة صنعت قفصا ورضيت العيش فيه ...وفي غمرة أفكارهم توقفت المركبة ليدخلوا إلى المدرسة
*********************************
-هل تسمعينني مراد يتكلم مراد من كوكب الأرض يتحدث إليك
سالي:كفاك مزاحا
-منذ الصباح وأنتي ساهمة ما الأمر؟ ما الذي تخفينه؟
-أمر لا يهمك
-ربما قد يهمني
-حسنا بالأمس حكت لنا جدة نورة عن اصل سيدنا آدم يقال أنه خلق من تراب
-معلومة قديمة
-وهل تعلم ما هو التراب؟
-سمعت عنه قبلا ولكن أنتي قولي لي
-شئ ناعم الملمس له عدة ألوان يقال أيضا أنهم كانوا يدوسون عليه ويلعبون به
أخذت نفسا عميقا وأكملت:
ذلك التراب الذي لم أره في حياتي خلقت من شئ لم ألمسه قط ...أتمنى الحرية أتمنى أن اخرج وافتح يدي للسماء وأن أرى بوضوح المكان الذي عاش فيه أجدادي أريد أن اجري دون وجهه أو غاية أريد أن اشعر بالحرية أريد أن اشعر أنني إنسان...
قاطعها مراد:أنت مجنونه الخارج لم يعد كما كان أيام أجدادك المكان لم يعد مأهولا بالسكان لم يعد صالحا للحياة
قالت سالي:وهل هنا مكان صالح في للحياة؟ ألم تسمع عن حالات الوفاة بسبب نقص الأكسجين؟ أو حالات التسمم ؟..إن المكان موبوء وهذا طبيعي لأننا نعيش في قفص...وأعادت الكلمة الأخيرة كأنها راقت لها:نعم قفص
مراد:إذن أنت مصرة على الخروج من القفص على حد تعبيرك!
سالي:أتمنى ذلك
سكت مراد فجأة وسهم في خياله ثم عاد وقال:حسنا إذا خرجتي عديني بأنك ستأخذينني معك لا أريد أن تموتي أمامي سوف احزن عليكِ فلنمت معا
فخرت سالي فاها متعجبة وقالت: إذن أنت تصدقني وستضحي بحياتك من اجلي؟؟
مراد:بل سأضحي بكل شئ من أجلك
خجلت سالي وتصاعد الدم حتى استقر في وجنتيها ليصبغها بالأحمر:تذكر كلامك جيدا لأنني عازمة حقا على ذلك
مراد:حسنا سوف نرى
ودق الجرس معلنا عن موعد انتهاء الاستراحة فصعد الطلاب إلى فصولهم
************************************
دخل المعلم الفصل وقال: اليوم لن أعطيكم أي دروس
فرح الطلاب ولكنه استدرك وقال: ولكني سأحدثكم عن موضوع علمي هذه المرة فهل أنتم موافقين؟
رد الطلاب بتردد واضح وصوت خفيض: موافقين
-حسنا من يعرف ماذا يعني الغليان الكبير؟
لم يرد احد من الطلاب لجهلهم ماذا يقصد
-هو أن كل من يخرج إلى الشمس تتبخر كل السوائل التي في جسده في ثواني ويموت يسمي العلماء هذه العملية بتبخر الأجساد
قالت سالي:هذا مريع ألم يستطيعوا فعل شئ حيال هذا ؟
نظر مراد إلى سالي وقام بحركة درامية تعبيرا عن تبخر الأجساد كتعليق على رغبتها في الخروج وقام يضحك مع نفسه
شعرت سالي بالحنق ولكنها تجاهلته لتستمع إلى جواب المعلم الذي قال:
بلى اوجدوا حلولا بسيطة وقريبة المدى وكان أسوأها هو أن عشنا في مستعمره (نييمار) داخل نصف كرة كبيرة مغلقة ومبردة دون الاكتراث لما يحدث في الخارج بعض ممن عاشوا ذلك الزمان أقاموا مظاهرات واعترضوا والبعض الآخر رأى أن الأوان قد فات والأغلبية آثروا الصمت لأن فيه راحة لهم من مشاكل جمة
قالت طالبة:ولكنك لم توضح هذه الحلول؟؟
الأستاذ: تلك الحلول لم يكن احد يطبقها ازرع شجرة اعد التدوير اقتصد في الاستهلاك المشي أفضل من المركبات وغيرها الكثير من الشعارات الزائفة والكلام الضائع
قالت سالي:وماذا عن علمائهم؟
الأستاذ: بحثوا في الأمر بجدية وأوجدوا حلولا جذرية ولكنها لم تطبق
احد الطلاب: ولماذا لم يطبقوها؟
أجاب الأستاذ: قلوب تطمع للثروة والمجد لو طبقت هذه الحلول سيخسرون ثروتهم وستخسر الكثير من الشركات وسيسقط اقتصاد دول كبرى تعتمد اعتمادا كليا على منتجات تضر أكثر مما تنفع ولم تكن على استعداد أن تترك مركزها من اجل البشرية ومن اجل حياة أفضل
************************************

تناغمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن