* لحظة لقائك *
كعادتها. تقف أمام نافذتها تطالع ميلاد أول خيط للنور يشق طريقه في السماء المظلمة ، بعد أن أدت صلاة الفجر.
تتنهد و تنظر إلى الشوارع التي تكاد تكون مظلمة ، و إلى المساجد التي انصرف المصلون منها إلا من عدد قليل.
تستمع إلى صوت العصافير التي تسبح ربها بإشراقة صباح جديد .إمرأة في العقد الرابع من عمرها، بيضاء البشرة حسنة الملامح،سوداء العينين ذات شعر طويل اسود تخلله بعض الشيب زاد لونه جمالا و بريقا، متوسطة الطول، تمتاز بجسد متوسط الحجم. إنها..... أنا زهراء.
سرحت بمخيلتى إلى الوراء.
حين كنت أقف على شاطئ البحر متأملة و مسبحة لله على بديع صنعه ، هائمة متذكرة والدى المتوفى منذ فترة وجيزة، الذى كان يمثل لي الأمان و الاحتواء و السند حيث وافته المنية متأثرا بمرضه الشديد.
و كنا نأتى سويا إلى نفس المكان فيما يشبه العادة لنا ، و بدون أن أدرى أحطت نفسى بذراعاي متلمسة شعورى بالحضن الأبوى الدافئ، فى نفس الوقت إمتلأت عيناي بالدموع و تمردت دمعتان إلا أن ينسدلا على خدى فى حنان و كأنهما تخبرانى نحن معك و نشعر بك.
و فجأة دون سابق إنذار..
وجدت من يقف بجانبى و يهمس لى بصوت ملأه الحنان: "هل تعلمين أن أصعب أنواع الدموع تلك التي تنهمر دون صوت! ".فالتفتت له مسرعة، فقابلت عينيه بنية اللون التي تتمتع بنظرات قوية أحسست بالقشعريرة و التوجس منها، حيث شعرت لحظتها أن سهامها قد نفذت إلى روحي بل إلى قلبى فتبدل لون وجهي إلى اللون الأحمر.
و عندما وجدت نفسي أطلت النظر فيه خجلت منه و نظرت للجهة الأخرى مستغفرة..
و التفتت له مرة أخرى بعصبية وانا اقطب جبينى : "يا أستاذ عيب عليك ان تقطع خلوة الناس أليس لديك ذوق؟".هممت أن أذهب مسرعة ظنا منى أنه أحد المتحرشين.
لكننى فوجئت به يقف أمامى مقاطعا ناظرا لي في حدة: "أهذه غلطتى حين أحسست انك بحاجة للمساعدة؟!" .
ثم أردف مكملا: "إلى أين انتي ذاهبة؟"فنظرت له بأعين متسعة مهاجمة:" ليس من شأنك يا هذا".
عندما بدأت بالتحرك مرة أخرى بادر هو مقاطعا و لكن مطأطأ رأسه علي نظرا لفارق الطول بيننا: "محمود.. إسمى محمود نقيب فى البحرية ، و غير متزوج و أرغب في الزواج عما قريب".بدون أن أشعر ارتسمت على شفاهى ابتسامة رقيقة و هززت رأسى يمينا و يسارا قائلة: "و هل طلبت منك تقريرا مفصلا عنك؟.. لو سمحت لا تتعرض لى ثانية و إلا.. فرد فعلي سيكون معاكسا لتوقعاتك فأنت لا تعرفنى ، و لا أريد معرفتك".