4 - النهاية

137 19 37
                                    

مزن أعتمَ الدّنيا ، تلاحقت طقطقة الرّذاذ تذيعُ غيثًا موشكًا ، عمامةُ ضباب تبعزقَت تُشوّش البصيرة، كأنّما العالمُ يزول.

كأنّما وجود الإنسانَ يزحفً للاّوجود.

كأنه ليس موجودًا ، يتلاشَى بالسّواد وحولهُ ملطّخون بالألوان سلكوا سبيلاً معاكسًا . أمعن النّظرَ إليهم راحلِين ، هاربين من المجهُول. 

انتبهَت لهيئتِه جوارها ، ساكنٌ يستقبلُ الزخات الخفيفة فلا يصدّها ولا يحسّ برودَتها .

" هل ستبقى هنا ؟ " استفسرت في ملامحَ جامدةً ونغمة خامدة ، تقطفُ نواياه .

" لا نية لدي بالعودة للبيت " تلفّظ وأكمحَ رأسه ، سيّب نفسًا وآخر طالَ ثمّ شفنها لمّا مكث بصرها عليهِ طويلا .

" ستمرض هكذا ، تعال معِي "

جاهرَت حسن خلقها ، هكذا تربّت إن لمحت محتاجًا أعانَته . سمعتهُ يشتمها قبل لحاقِه بها لشقّتها القريبة .

" أتشرب قهوة ؟ " سألته لحظةَ دلفا .

" لن أرفض "

عجّلت بتحضيرها ، لمّا انغمَس مترقّبا المطر بالشرفة ، جاورته ومدّته الكوب .

" أخي الصغير مات "

إفصاحٌ ورشفة.

" هذا أسعد أيّام حياتي "

ضحكةٌ ورشفة .

" أنتَ مريض ، ألا مشاعر لديك ؟ ينبغي أن تساعد بدفنه الآن و تترحّم على روحه "

انتفضت باكيةً ، تُشفقُ على ذاك الصّغير وما يتلقّاه من الشيطان أمامها .

" لما ؟ لا أتحمّل إزعاجه وسرّني موته فلما علي الحزن ؟ هل لأننا إخوة ؟ عائلة ؟ أمّ أن رد الفعل الطبيعيّ هو النواح بالجنازة ؟ أخبرتكِ أنّني متمرّد "

سخريةٌ ورشفة.

" أفعل ما أراه مناسبًا ، ما يرضي ذاتي " اعترف بعد حين.

" ألن تشتاق إليه ؟ أخبرني ألن يؤلمك فراغ مطرحه ؟ "

" بالتفكير في الأمر ، حجرته ملائمةٌ لتكون مرسمًا لي ، آه يا لحظّي ، مرسمٌ جديد ولا أحد قد يضايقني أو يدنس بياض لوحاتي "

رمى الكوب خارجًا وسجن يدها بيدهِ يصيح " لنرقُص و نحتفل "

حاز خصرها ، طوقت عنقه ، كأنها تجاهد للسيطرة على تحرّكاتهما .

كانا مثل الملاكِ و الشيطان ، الجميلة و الوحش ، رقصَا بالقاعة تحت الثرية والأرض تهتزّ. 

تأزرت ثوبًا أصفرًا ، تنكّر كالوحشَ بالأزرق .

عقدت ساعديها حول عنقه تخضع له ، ثمّ وعت على ما اجترمَت فتبرم ذراعيها حول خصره مجدّدا ليخضع هوَ لثانية . متحكمة تارةً ، ويتسلط عليها بغتةً . كلّ يحاولُ فرض ذاته ، هيمنتِه ، تخبرهُ أن يتألّم لموت شقيقه فيبين نواجذه متفاخرًا .


رقصةٌ أمست دمارًا ، خطواتٌ وتحركات تتصارعُ أيّها يغلب ... والجدران تنهار .

و القصّة تنتهي ...

-

النهاية.

غيهب الهو حيث تعيش القصص. اكتشف الآن