كانت احد ليالي الجمعة نُرتل مع القارئ دعاء كميل حيث حيرتني جُمله "وَاجْعَلْنِي مِنْ أَحْسَنِ عَبِيدِكَ نَصِيباً عِنْدَكَ، وَأَقْرَبِهِمْ مَنْزِلَةً مِنْكَ، وَأَخَصِّهِمْ زُلْفَةً لَدَيْكَ، فَإِنَّهُ لا يُنالُ ذلِكَ إِلَّا بِفَضْلِكَ، وَجُدْ لِي بِجُودِكَ، وَاعْطِفْ عَلَيَّ بَمَجْدِكَ وَاحْفَظْنِي بِرَحْمَتِكَ، وَاجْعَلْ لِسانِي بِذِكْرِكَ لَهِجاً، وَقَلْبِي بِحُبِّكَ مُتَيَّماً، وَمُنَّ عَلَيَّ بِحُسْنِ إِجابَتِكَ.."
تسائلت كيف يكون المرء احسن عبيد الله و مقرب ومن الخواص وفوق ذلك يصل الى مرحلة متيمًا بربه فيذكره بلا كللٍ او مللٍ!
كان تدبير الله تعالى ان يُعرفني على القران الكريم لأستوعب إن كُل أُمنياتِ القرب يختصرها حديث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته." فعندما يرتبط المرء بكلام الله على مدار اليوم فسيصبح من اهل الله والخواص جدا!
لكن ليس الجميع يستطيع ان يحظى بهذا القرب فالأمر أشبه باصطفاء الهي لقلب المرء ليكون محط الهامات وحفظ اسرار الله تعالى، هناك من يتخذ الخطوة الاولى في مسيرته القرانية سواء حفظ او تلاوة او تدبر وغيرها من العلوم الشاسعة إلا ان البعض لا يستمر حتى نهاية الطريق فالابتلاءات في هذا المجال مختلفة جدا،لها خصوصية منفردة لأجل اختبار الصدق في طلب علم شريف علم لا يُحصل الا بالتقوى.
.التقوى و الورع الحجر الاساس لتسهيل طلب العلوم الدينية واهمها القران الكريم حتى ورد في حديث "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : "أعلمك دعاء لا تنسى القرآن: 'اللهم ارحمني بترك معاصيك أبداً ما أبقيتني، وارحمني من تكلف ما لا يعنني، وارزقني حسن المنظر فيما يرضيك عني، وألزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني.اللهم نور بكتابك بصري، واشرح به صدري، وفرح به قلبي، وأطلق به لساني، واستعمل به بدني، وقوني على ذلك، وأعني عليه إنه لا معين عليه إلا أنت، لا إله إلا أنت'"
الورع يشابه الحماية التي تحتاط بها المرأة الحامل لجنينها خوفا من اجهاضه على حين غرة، فحامل كتاب الله يهرب من ملوثات السمعية والبصرية -المعاصي نظرة حرام او اغاني او غيبة وغيرها- حتى لا يُسلب التوفيق الالهي لحفظ كتاب الله او يصبح متكاسل لثقل ميزان سيئاته فيقعده عن طلب السعي. هذه الوقاية التي يتبعها حامل كتاب الله تبدأ من أول خطوة ينوي بها السير حتى مماته.
غالبا ما يكون الامر شاق على الكثير من الراغبين في الاستمرار لوجود حب الدنيا او حب الراحة او شيء اخر حيث بعد فترة يتوقف لعدم قدرته على المواصلة في جعل الله تعالى هو اولى اولوياته! نحن البشر المختبرون بامتحانات الهية مستمرة حتى يمحص الله تعالى جوهرنا و يُرينا ان قلوبنا و كُل كياننا يستحق بذلهُ في سبيل الله فقط و أن يكون هو الأول والاخر.. كما يقول الشهيد مصطفى جمران في كتابه غم في عشق" لا ينبغي لك أن تغرق في عشق أحدٍ كما غرقت، بحيث يصبح الله في مرتبةٍ ثانية، عليك أن تفهم أن الله هو الجمال المطلق" .
رغم صعاب الطريق لكونه يصاحب جهاد الله الاكبر-جهاد النفس- لكنهُ مؤنس برفقة ايات الله المواسية، الحلاوة التي يتذوقها المتصل بكلام الله عندما تنتشلهُ حلقتهُ القرانية او القارئ من وحل الدنيا وهمومها كأنه يسمو في السماء كطائرٍ حُر يُحلق في الملكوت!
احساس فريد من نوعه فيه من الدفئ والسكينة التي لا تضاهيها الاساليب العادية -النوم او الطعام اوتصفح في مواقع التواصل او اغاني!- الطمأنينة المُنزلة من الله على قلبٍ جاهد ليكون لائقًا مرسى لأصطفاء الله ونوره هو جزاء يسير في هذه الدنيا
أما جزاءه في الاخرة فهو اعظم بكثير فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله مع السفرة الكرام البررة وكان القرآن حجيجا عنه يوم القيامة يقول يا رب إن كل عامل قد أصاب أجر عمله إلا عاملي فبلغ به كريم عطاياك فيكسوه الله العزيز الجبار حلتين من حلل الجنة ويوضع على رأسه تاج الكرامة ثم يقال له هل أرضيناك فيه فيقول القرآن يا رب قد أرغب له فيما أفضل من هذا قال فيعطى الأمن بيمينه والخلد بيساره ثم يدخل الجنة فيقال له اقرأ آية فاصعد درجة ثم يقال له هل بلغنا به و أرضيناك فيقول نعم قال ومن قرأ كثيرا وتعاهده بمشقة من شدة حفظه أعطاه الله عزوجل أجر هذا مرتين"
وقال الامام علي عليه السلام: واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان من عمى. واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لاحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لاوائكم، فان فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال، فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه ولا تسألوا به خلقه، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله. واعلموا أنه شافع مشفع، وقائل مصدق، وإنه من شفع له القرآن يوم القامة شفع فيه، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه، فإنه ينادي مناد يوم القيامة: ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله، غير حرثة القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه على ربكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراء كم، واستعشوا فيه أهواءكم وساق الخطبة إلى قوله: وإن الله سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن فإنه حبل الله المتين، وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره، مع أنه قد ذهب المتذكرون، وبقي الناسون المتناسون..الخ -وقد استوقفتني فقرة من الخطبة "جعله الله ريا لعطش العلماء، وربيعا لقلوب الفقهاء" حيث ذكرني بقراءة سابقة لكتاب دقائق مع القران الكريم للشيخ محسن قرائتي حيث وصف حالة احد العلماء كالظمآن في الصحراء لم يجد علم يروي عطشه حتى شرع في العلوم القرانية التي اذهلته فأبواب القران الواسعة اروتهُ و اشبعت روحه-
بعد هذه المقدمة البسيطة آمل أن حب القران الكريم الذي هو نور ملقى في قلوب المؤمنين قد ازداد و اصبح كلٌ منا راغبا في تعلم القران والسير في طريقه المحفوف بعنايات الالهي، تفكروا وان كان هناك سؤال اطرحوه ان كنت استطيع اجابته او اسأل من هم اهله لتحصلوا على جواب وافٍ ضمن النطاق القراني.
أنت تقرأ
الري الناقع
General Fictionكانت احد ليالي الجمعة نُرتل مع القارئ دعاء كميل حيث حيرتني جُمله "وَاجْعَلْنِي مِنْ أَحْسَنِ عَبِيدِكَ نَصِيباً عِنْدَكَ، وَأَقْرَبِهِمْ مَنْزِلَةً مِنْكَ، وَأَخَصِّهِمْ زُلْفَةً لَدَيْكَ، فَإِنَّهُ لا يُنالُ ذلِكَ إِلَّا بِفَضْلِكَ، وَجُدْ لِي بِجُ...