عندما يتحول الكلب الشرس الي حارس

249 19 14
                                    

حادثة عجيبة حدثت في الحقبة الناصرية المظلمة الكئيبة ، كان قائد السجن الحربي الذي اعتقل فيه أشرف وأطهر الناس بمصر آنذاك ، كان قائدitem124458 السجن حمزة البسيوني الذي كان يتفنن في تعذيب الإخوان المسلمين المعتقلين آنذاك وخرج الإخوان بعدها ليروون آلاف الحكايات المروعة منها هذه القصة التي ذكرها الأستاذ محمود عبد الحليم قال : ” في أحد أيام هذه الفترة العصيبة نعق ناعق البوم بأن تفتح الزنازين ويصطف المعتقلون وقوفاً بداخلها لأن القائد – قائد السجن الحربيّ – سيمرّ ، وفتحت الزنازين وامتثلنا للأمر ، وأخذ حمزة البسيوني ومعه كلبه الذي قد يبلغ ارتفاعه قامة الرجل والذي يعتبره حمزة البسيوني أشرس وسائل التعذيب حين يطلقه على معتقل لينهش لحمه ، وهو يكاد لضخامته أن يكون في قوة الأسد وبطشه ، وفي حالتنا هذه بلغ الفجور بهذا الرجل حداً لا يعبر عنه إلاّ بأنه تحدٍ مباشر لذات الله سبحانه وتعالى ؛ ذلك بأنه لم يكتف بحبسنا حبساً انفرادياً بغير جرم ولا مبرر ؛ لا إنه اختار أضعفنا جسماً وأكبرنا سناً وأقربنا إلى الشيخوخة ، وأمر أن يوضع معه في الزنزانة كلبه المتوحش ؛ وكان هذا الأخ هو الدكتور مصطفى عبد الله .

وكان معنى هذا الأمر الفاجر أن لا يصبح الصباح على الدكتور مصطفى إلا وقد فُتك به ، ومُزّق إرباً إرباً … وما كنّا نملك له ولا لأنفسنا شيئاً ، وقضينا الليلة الأولى ونحن أقرب ما نكون من الله حيث كان التجرد كاملا ً، ولم أكن في تلك الليلة مشغولاً بنفسي ، وإنما كنت مشغولاً بالدكتور مصطفى ذلك الشيخ الضعيف الذي حُكم عليه بأن يعيش مع الكلب الكاسر في زنزانة ، وكان قلبي يهلع كلما تذكرت في أثناء تلك الليلة كيف أتلقى في الصباح حين يفتح الحارس الزنزانة ليلقي إلي بلقيمات الإفطار نبأ وفاة الدكتور مصطفى ممزقاً كل ممزق … وأصبح الصباح ، وفتح الحارس باب زنزانتي فابتدرته سائلاً عمّا إذا كان فتح زنزانة الدكتور مصطفى فأجابني بالإيجاب ؛ وفهمت منه أنه ما زال على قيد الحياة ، فتعجبت وقلت : لعل الكلب لا زال شبعان ، ولكنه بعد انقضاء يوم وليلة لا بد أنه سيجوع ، وإذا جاع كلب كهذا دون أن يقدم له طعام فلن يجد غذاءً له إلا لحم الإنسان الوحيد المحبوس معه .

وقضينا الليلة الثانية في الحبس الانفرادي ، وفي الصباح فتح باب الزنزانة وجاء الحارس ، وهممت أن أسأله عن الدكتور مصطفى ولكنه بادرني بقوله : ألا تعرف ما حدث للدكتور مصطفى ؟‍! قال : لقد كنا جميعاً نظن أن يصرعه الكلب وينهش لحمه وعظمه ، ولذا كان همّي طول الليل أن أنظر إليه من ثقب الباب بين لحظة وأخرى ، قلت : فماذا رأيت ؟

قال الحارس : لقد رأيت عجباً … لعلك لا تعلم أن الباشا ( قائد السجن الحربي هكذا كانوا يلقبونه ) كان قد أمر بأن لا نقدم طعاماً للكلب طوال الأسبوع  فلمّا أدخلت للدكتور طعام العشاء أمس ثم نظرت من ثقب الباب فرأيت الكلب جاثياً أمام الباب ووجهه نحو الباب ، لا يتحرك كأنه يحرس الزنزانة من داخلها … ورأيت الدكتور يقدم الطعام للكلب والكلب لا يقربه ، والدكتور يكلم الكلب كأنه إنسان ، ويعزم عليه أن يأكل والكلب يرفض ويأكل الدكتور ويقدم للكلب بقية الطعام فيأكله الكلب … ويقدّم له الماء فلا يمد فمه في الجردل ، وينتظر حتى يتوضأ الدكتور فيلحس الكلب الماء الذي وقع في أثناء الوضوء على الأرض ، ويقضي الدكتور يصلي والكلب جاثم أمام الباب يحرسه … والدكتور حين يغلبه النوم فيضع جنبه أنظر فأرى الكلب في حالة تحفز نحو الباب ، كالحارس الذي يخشى أن يقتحم العدو الباب على صاحبه وهو نائم … وكنت أرى الدكتور في بعض الأوقات يكلم الكلب كأنه إنسان ، ويضع يده على ظهره فينيخ الكلب ويبسط أقدامه بجانب الدكتور كأنه ولده الصغير!! ” الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ بتصرف – محمود عبد الحليم – ط دار الدعوة.

فهذا الفاجر كان يريد أن ينكل بأخينا الأعزل بتسليط هذا الكلب الجائع عليه ونسي أن الكلب أمره بيد خالقه فتحول الكلب الجائع إلى حارس لهذا السجين المظلوم  .

وسبحان الله الذي يمهل ولا يهمل كانت عاقبة أمر حمزة البسيوني  خسرا فقد سجن بعد هزيمة 1976 وكان في السجن كالكلب الأجرب لا يكلمه أحد ، ثم خرج من السجن لتكون نهايته بشعة ، وفيها عظة وعبرة لغيره ففي يوم 19 نوفمبر عام 1971 وكان موافقا لأول أيام عيد الفطر المبارك كان حمزة مسافرا من الإسكندرية إلي القاهرة ومعه شقيقه راكبا إلي جواره واصطدمت سيارته بإحدى السيارات المحملة بحديد مبان ومات حمزة وشقيقه وتعرضت جثته لتشويه غريب نتيجة دخول عدد من الأسياخ الحديد فيها فما كان له من أمر الله من ولي ولا واق .

وينقل لنا رئيس محكمة الاستئناف السابق ما حكاه بشأن معاينته لجثة حمزة البسيوني حيث يقول عن الحادثة ” كانت حادثة مروعة وكنت وقتها رئيسا لإحدي النيابات في محكمة كلية وخرجنا أنا وزميل لي في مهمة قضائية لمعاينة الحادث ومناظرة الجثة .. دلت المعاينة وشهادة الشهود علي أن سائق السيارة القتيل كان يقود سيارته بسرعة غريبة وكانت أمامه سيارة نقل مُحملة بأسياخ الحديد التي تتدلي من مؤخرة السيارة ودون أن يتنبه استمر في سرعته حتي اصطدم بالسيارة النقل وحينها اخترقت أسياخ الحديد ناصية القتيل ومزقت رقبته وقسمت جانبه الأيمن حتي انفصل كتفه عن باقي جسده ” ، وبتأثر واضح قال المستشار  : “لم أستطع مناظرة الجثة فقد وقعت في إغماءة من هول المنظر وقام زميلي باستكمال مناظرة الجثة “

#تطبيق_قصص_وحكايات_ممتعه
http://bit.ly/2nCDuzw

قصص وحكاياتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن