الرحيل

97 17 10
                                    

بدت اختى شاحبة الوجه نحيلة الجسم ولكنها كعادتها تقرأ القرأن الكريم تبحث عنها تجدها فى مصلاها راكعه ساجده رافعه يديها الى السماء هكذا فى الصباح وفى المساء وفى جوف الليل لا تفتر ولا تمل كنت احرص على قراءة المجلات الفنيه والكتب واشاهد التلفاز بكثره واتصفح الانترنت لا اؤدى واجباتى كامله ولست منضبطه فى صلواتى بعد ان اغلقت هاتفى وقد جلست عليه ثلاث ساعات متصله هاهو الاذان يرفع من المسجدالمجاور عدت لفراشى تنادينى اختى من مصلاها نعم ماذا تريدين يا نوره ؟ قالت لى بنبره حاده لا تنامى قبل ان تصلى الفجر ...اوه بقى ساعه على صلاة الفجر وما تسمعينه كان الاذان الاول تتكلم اختى بنبرتها الحنونه (هكذا هى قبل ان يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش ) تعالى يا هناء تعالى هنا بجانبى لم استطع اطلاقا رد طلبها (تشعرنى بصفائها وصدقها لا شك فى ذلك) ماذا تريدين يانوره؟
نوره اجلسى بجوارى
هناء ها قد جلست ماذا لديك .
قالت بصوت عذب رخيم ((كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامه))
ثم سكتت برهه ثم سألتنى ألم تؤمنى بالموت يا هناء قلت بلى مؤمنه به ....قالت الم تؤمنى بأنك ستحاسبين على كل صغيره وكبيره ..قلت بلى ولكن الله غفور رحيم والعمر يا اختى ..فقالت هند صديقتك اصغر منك وقت توفت فى حادث سيارة وفلانه وفلانه
الموت لا يعرف العمر وليس مقياسا له اجبتها بصوت الخائف حيث مصلاها المظلم اننى اخاف من الظلام واخفتينى الان من الموت كيف انام الان ...كنت اظنك قد وافقتى على السفر معنا هذه الاجازه ...فجاة تحشرج صوتها واهتز قلبى وقالت لعلى هذه السنه اسافر سفرا بعيدا الى مكان اخر ربما يا هناء
ثم قالت الاعمار بيد الله وانفجرت بالبكاء لقد فكرت بمرضها الخبيث وان الاطباء اخبروا ابى سرا ان المرض ربما لن يمهلها طويلا ولكن من اخبرها بذلك ام انها تتوقع هذا الشئ ..فقلت لها ما الذى تفكرين به؟ فجاءنى صوتها القوى هذه المره هل تعتقدين اننى اقول هذا لاننى مريضه ؟ كلا ربما انا اطول عمرا من الاصحاء
وانت الى متى ستعيشين ..ربما عشرون سنه ..ربما اربعون ...ثم ماذا لمعت يدها فى الظلام وهزتها بقوة وقالت لا فرق بيننا كلنا سنرحل وسنغادر هذه الدنيا اما إلى جنه او الى نار ألم تسمعى قوله تعالى ((فمن زحزح عن النار وادخل الجنه فقد فاز ))
هرولت مسرعه وصوتها يطرق اذنى ..هداك الله ..لا تنسى الصلاه
الساعه ثامنه صباحا ..اسمع طرقا على الباب هذا ليس موعد استيقاظى ..بكاء واصوات..يا إلهى ماذا جرى لقد تردت حالة نوره وذهب بها ابى الى المشفى انا لله وانا اليه راجعون
لا سفر هذه السنه مكتوب على البقاء هذه السنه فى بيتنا بعد انتظار طويل ...عند الساعه الواحده ظهرا ..هاتفنا ابى من المشفى تستطيعون زيارتها الان هيا بسرعه
اخبرتنى امى ان حديث ابى غير مطمئن وان صوته متغير هيا لنذهب الان ...اين السائق ركبنا على عجل اين الطريق الذى كان يسلكه السائق لماذا اليوم طويل وطويل جدا لماذا هذا الزحام القاتل الممل.. امى بجوارى تدعوا لاختى وتقول انها بنت صالحه ومطيعه..لم اراها تضيع وقتها ابدا دخلنا من الباب الخارجى للمستشفى هذا مريض يتأوه وهذا مصاب بحادث سياره و ثالث عيناه غائرتان ..لا تدرى هل هو من اهل الدنيا ام من اهل الاخرة منظر عجيب لم اراه من قبل صعدنا درجات السلم بسرعه إنها بغرفة العنايه المركزه وسأخذكم اليها ثم وصلت الممرضه وطمأنت امى وقالت انها فى تحسن بعد الغيبوبه التى حصلت لها لكن ممنوع الدخول الا لشخص واحد هذه غرفه العنايه المركزه فى وسط زحام الاطباء وعبر النافذه الصغيره التى فى باب الغرفه ارى عين اختى نوره تنظر الى وامى واقفه بجوارها بعد دقيقتين خرجت امى التى لم تستطع اخفاء دموعها ..لقد سمحوا لى بالدخول والسلام عليها بشرط ان لا اتحدث معها كثيرا دقيقتين كافيه لى
دخلت انا وقلت كيف حالك يا نوره لقد كنتى بخير مساء البارحه ..ماذا جرى لك ؟
اجابتنى بعد ان ضغطت على يدى ...وانا الان ولله الحمد بخير فقلت ولكن يدك بارده كنت جالسه على حافه السرير ولامست ساقها فأبعدتها عنى فقلت اسفه إذا ضايقتك قالت كلا ولكنى تذكرت قول الله تعالى ((والتفت الساق بالساق الى ربك يومئذ المساق))عليك ياهناء بالدعاء لى فربما استقبل عن قريب اول ايام الاخره ...فسفرى بعيد وزادى قليل فسقطت دمعه من عينى بعد ان سمعت ما قالت وبكيت ولم اعى اين انا استمرت عيناى فى البكاء ..اصبح ابى خائفا على اكثر من نوره لم يتعودوا منى على هذا البكاء والانطواء ومع غروب الشمس ذلك اليوم الحزين ..ساد صمت طويل فى بيتنا دخلت على ابنه خالتى وابنه عمتى ثم كثر القادمون اختلطت الاصوات شئ واحد عرفته ان نوره قد ماتت لم اعد اميز من جاء ولا اعرف ماذا قالوا ...يا الله اين انا ما الذى يجرى عجزت حتى عن البكاء ..فيما بعد اخبرونى ان ابى اخذ بيدى لوداع اختى الوداع الاخير وانى قبلتها ولم اعد اتذكر اى شئ الا شيئا واحدا حين نظرت اليها مسجاه على فراش الموت تذكرت قولها ((ولتفت الساق بالساق))عرفت حقيقه ان ((إلى ربك يومئذ المساق)) لم اعرف اننى عدت الى مصلاها إلا تلك الليله وحينها تذكرت من قاسمتنى رحم امى فنحن تؤامين تذكرت من شاركتنى همومى تذكرت من نفست عنى كربتى من دعت لى بالهدايه من ذرفت دموعها ليالى طويله وهى تحدثنى عن الموت والحساب ..الله المستعان
هذه اول ليله بقبرها ..اللهم ارحمها ونور لها قبرهاهذا هو مصحفها وهذه سجدتها وهذا وهذا بل هذا هو الفستان الوردى الذى قالت لى سأخبئه لزواجى تذكرتها وبكيت على ايامى الضائعه بكيت بكاءا متواصلا ودعوت الله ان يثبتها فى قبرها كما كانت تحب ان تدعوا
فجاة سألت نفسى ماذا لو كانت الميته انا ؟
ما مصيرى؟ لم ابحث عن اجابه من الخوف الذى اصابنى بكيت بحرقه
الله اكبر ..الله اكبر ..ها هو اذان الفجر قد ارتفع ولكن ما اعذبه هذه المره
احسست بطمأنيه وراحه وانا اردد ما يقوله المؤذن لففت ردائى وقمت اصلى صلاة الفجر وصليت صلاة مودع كما صلتها اختى من قبل وكانت اخر صلاة لها
وفى ذهنى دائما يتردد
اذا اصبحت لا انتظر المساء
واذا امسيت لا انتظر الصباح

الزمن القادمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن