{رماد الحروب} One Shot

157 11 27
                                    

_______________________________________________
______________
_______
___

كنا نعيش في سلام، في وطن مشرق مليئ بالحب والاطمئنان، تجول فيه السعادة والأمل، ويطرقوا جميع الأبواب في كل صباح، إلا في ذلك اليوم الذي كان دافئ مليء بالافراح، طرق شيء ما وفي نفس اللحظه جميع الأبواب، كان الجميع يبتسم وظنوا أنهم السعادة والأمل لقد أتو لزيارتهم في كل صباح كالمعتاد، ولكن عندما فُتحت تلك الأبواب كانت صدمة جميع الأحباب...

إنقلب اليوم الجميل المشرق إلى يوم كئيب محزن حالك السواد، كان طارق تلك الأبواب الحرب ومعها ذلك الجيش، الذي تكون من النار والطلقات والقذائف والمدافع والرشاشات، وأيضا الطائرات، كان معهم اليأس، الحزن، الألم، الصدمة، الإكتئاب، وأصدقائهم الدموع، الجروح، الدماء، والموت ،حتى في ذلك اليوم إختبئت الشمس المشرقة، وحجبت شعاعها عن المدينه، وعم مكانها سواد ودخان وظلام، هرع كل مَن في المدينه، وبدأت الصرخات تملؤ المكان، كان مَن في الطرقات يركض هنا وهناك، والبعض يختبئ في المنازل خلف الأبواب وتحت الفراش والطاولات، ولكن دون جدوى، فكان الأعداء قادرون على الوصول إلى جميع الأبرياء، حتى وإن كانوا مختبئين داخل ثقوب الجدران، ولا أعلم ما حدث، فكنت ملتصقة مع أمي وأبي بدون حراك، ولكن بدأت جميع  المباني بالإنهيار، وكان كل شيء يتدمر بسهولة أسهل من الإختفاء، فزعت وبشدة أفلتُ يدَ كل من والداي، ووضعت يداي في أذناي، وكنت أصرخ بكل قواي، وبدأت دموعي بالإنهيار، وفجأة أتت طلقات رصاص مثل الرشاش، من أين لا أعلم! إحداهما إخترقت رأس أبي، والأخرى قلبها لأمي، وسقط أمام عيناي كل من والداي، لم أصدق ما رأت عيناي، بدأت بالزحف والرجوع إلى الخلف، نافيةً برأسي ما حدث الآن، كان الأمر أشبه بكابوسٍ مرعب،  ولكنه كان كابوس حقيقي، وليس سراب أو وهم أو خيال، ركضت إلى الخارج، وصراخئي وبكائي يعم المكان، ولكن لم يكن يسمع لهم أي صوت؛ لأن أصوات المدافع والقذائف كانت أقوى الأصوات، لدرجة أنها كانت تُزلزل المكان، مباني تنهار، وبشر يسقطون، وكل شيء كان يسقط وينهار، كنت أركض وأركض ولا أعرف إلى أين ستقودني قدماي، كنت أركض بين شظايا النيران، والدموع تتمايل على وجهي مثل الشلال، وأرى الجثث التي ملأت المكان، والدماء التي لم أفرق بينها وبين برك الدماء، وأسمع صرخات الأطفال على قذائف النيران وطلقات الرصاص ومدافع الأشرار، حتى لم أشعر بتلك الجروح التي كانت تملئ جسدي، أو الدماء التي لم أستطيع التفريق بينها أهي دمائي أو دماء والداي؟! ونظرت للسماء المملوءة بالدخان الأسود الذي إمتزج مع الأحمر القان، كانت تُمطر ولكن لم تكن تُمطر قطرات مياه،  بل كانت تُمطر نارً على صواريخ على قنابل كالرشاش، وكل ما كنت أحاول أن أركض أسرع وأسرع، كانت قدماي تخيب ظني عندما ترى مقلتاي الحالكه الظلام مع لون فضي مائل للإحمرار،  بسبب الدموع التي إمتزجت مع بقع الدماء، عندما ترى شخص من أصدقائي أو جيراني أو أي شخص، تارة يتعذب أمامي، وشخص تارة يتمزق أشلاء أشلاء، وتارة شخص يركض وفجأة ينفجر، وأشخاص منبطحون على الأرض بدمائهم وجروحهم، وأشخاص بنصف جسدهم، أطفال على نساء على رجال وكهول، لن تستطيع قدماي الركض، كانت تتجمد في مكانها، أصابتني القشعريرة، وأصابني الرُهاب في ذلك الوقت، لم أعلم ماذا أفعل؟! مَن أُساعد؟! إلى أين أذهب؟! كنت أسمع نبضات قلبي وكأنني أمسكه في يدي وأشعر به، كنت أتحرك ببطء في المكان خِشيةً من النيران التي كانت تعمه، تحطم قلبي وأصبت بصدمةٍ بهول ما رأيت وما سمعت وما أحسست به من خوف ورعب وإنهيار ، كان في داخلي تشتعل معركة أخرى بسبب أفكاري المتأرجحة،  فقدت كل شيء من عائلة وأصدقاء ووطن، وكل شيء، جثت قدماي على تلك الأرض التي ملأت الدماء والدموع والجثث جميع زواياها، خارت قواي عن الحركه، تجمدت أطراف جسدي، غطت الدموع والدماء عيناي ولم أكن أرى شيء، كنت أرتعش وشهقاتي تعلو المكان كلما سقطت قذيفه بجانبي ولا تصيبني، وكنت أودها أن تصيبني؛ لألتحق ب أحبابي الذين فقدتهم؛ لأنني لا أعلم إلى أين سأذهب! وهل كنت أعلم من الأصل أنني سأنجو من تلك الحرب الشرسه التي أبادت جميع مَن في المدينه... بل جميع مَن في الوطن.

ما ذنبنا نحن نعاقب على شيء لم نقترفه من الأصل؟!

ما ذنب المواطنين الذين قُتِلوا بدون ذنب؟!

والأطفال الذين فقدوا عائلاتهم وأصدقائهم ووطنهم الذي كان يأؤيهم من مخاطر العالم الخارجي؟!

لقد كان ملجأهم الوحيد الذي يضمهم ويحكي سعادتهم وحبهم .

ما ذنبهم يُحرمون من التعليم؟!
ومن طفولتهم؟!

ما ذنبهم يُحرمون من أحلامهم الصغيرة البريئه؟! بسبب أشخاص آخرين؟!

بسبب بشر حقيرين، لا يمتلكون الرحمة في قلوبهم ولا يعرفون معناها من الأصل .

هل هم بشر ؟!

لا أظن ذلك لأنهم بالفعل لو كانوا كذلك لكانوا يمتلكون قلب، او على القليل ربع قلب؛ لأن البشر يمتلكون قلب، ولكن هم لا يستحق أن يطلق عليهم كلمة بشر أبدًا.

بينما أنا غارقةٌ في تلك التساؤلات، لمحت مركب كان الجميع يركض إليه للهروب من ذلك الدمار، وفجأة كنت معهم أيضا في مركب النجاة، ولكن...

هل هو فعلًا مركب النجاة؟!

هل سيقودني هذا المركب إلى بر الأمان؟!

أم سيُغرقني في هذه المياه؟!

ولم أجد إجابه لهذا السؤال؛ لأن الجميع كان يريد الخروج من ذلك المكان، الذي كان يسمونه بوطنهم قبل ما حدث الآن، كانوا يريدون فقط بر الأمان، ولكن...

هل سيكون العالم الخارجي كوطني؟!

هل سيحتويني أو يُقدرني ويحميني كوطني؟!

كيف ولم يبقى لدي عائله أو أصدقاء؟!

قطعتُ وعدً على نفسي... إذا خرجتُ من هذا المركب على قيد الحياة، سأنتقم من هؤلاء الأشرار، ولكن لم أنتقم بمثل ما فعلوا بنا، ولم أنتقم وحدي، بل سيكون معي الله وجميع المواطنين الأبرياء، سننتقم بالدعاء عليهم في كل صلاة، وسيأخذ الله الذي خلقني وخلقهم وحرم قتل النفس بغير حق، حقي منهم وحق كل المظلومين الأبرياء إن شاء الله.

إلتفتُ للوراء لأنظر النظرة الأخيرة لوطني الذي كان حياتي وبسمتي، ولم أرى غير الدمار والسواد والرماد، نعم كان كل شيء رماد، لقد كان هذا رماد الحرب التي تهلك الجميع في آن واحد وفي كل مكان ،الحرب التي لا تعرف صغارً أو كبار، الحرب التي تُنشىء ندبة مؤلمة حزينة قاتلة في قلب كل مَن هرب منها، وستبقى تلك الندبة والمناظر المرعبة والذكريات الكئيبة في قلبي للأبد المؤبد  بدون فرار، وهذا هو رماد الحروب يا رفاق.

___

__________
__________________
_______________________
_________________________

~ دمتم بخير ~

🎉 لقد انتهيت من قراءة "رماد الحروب " 🎉
"رماد الحروب "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن