في أعماق الظلام: أرض الوهد
منذ عصورٍ غابرة، حيث الزمان يُنسى والتاريخ يدفن في أعماق الأرض، هناك مملكة عُرفت باسم "الوَهْد". مملكة سطّرت وجودها في أحلك زوايا الخيال البشري. كانت أرض الوهد غريبة ومثيرة للريبة، مليئة بالتناقضات، حيث جمالٌ ملائكي يتماهى مع قسوة شيطانية لا هوادة فيها. لقد كانت هذه المملكة، بأسرارها وغموضها، موطنًا لماضٍ يشوبه الحزن والأسى، وحاضرٍ مشبعٍ بالمعاناة.
لكن ما كان يُخفيه هذا الظلام كان أبعد من مجرد قصص ترويها الأجيال. كان هناك سرٌ مدفون في أعماق الوهد، سرٌ قد يغير مصير الجميع إذا ما اكتُشف.
"الأرض المنسية" تقع أرض الوهد في أعماق الأرض، تحت مساحات شاسعة من الغابات الكثيفة والوديان الوعرة. طرقها مخفية، محمية بتضاريس يصعب اختراقها. المناجم المهجورة التي كانت ذات يوم تُخرج الذهب والفضة تحولت إلى ممرات شبحية يتردد فيها صدى الماضي. حرارة الأنفاق تتزايد بشكل غير طبيعي، وكأن الجحيم ذاته ينبعث من أعماقها.
إلى جانب الجبال الشاهقة، حيث الرياح تعصف بكل شيء، تقع تلك الغابات الداكنة، التي تحجب الشمس من الوصول إلى الأرض. في داخل هذه الغابات، تقع القرى التي كانت يومًا ما مليئة بالحياة. تلك القرى كانت اليوم مجرد أطلال يعتصرها الحزن. النيران التي كانت تشتعل في المدافئ لم تعد سوى رمادٍ باهت، والشوارع التي كانت يوما تعج بالحياة أصبحت فارغة تمامًا. كان هذا هو الحال في الوهد منذ أن حلّت اللعنة.
في زاوية من زوايا المملكة، تظهر نقوش حجرية على جدران الكهوف، حُفرت بأيدي أجداد البشر الأوائل. هذه النقوش تسرد قصصًا عن حضارة عظيمة، لكنها تحذّر أيضًا من لعنة قديمة حلت بأرضهم. في كهف بترالونا الواقع بمنطقة مقدونيا، عُثر على أدلة أثرية تعود إلى العصر الحجري، تدل على ازدهار حياة قديمة قبل أن تضربهم الكارثة.
"لعنة القبيلة الحمراء"كان سكان الوهد أناسًا بسيطين، يعيشون على الزراعة والتعدين، إلى أن جلبت لعنة القبيلة الحمراء "الودونية" نهايتهم. قاد ملكهم "ميمون أبانوخ" غزوًا وحشيًا على الوهد بعدما سُرق منهم كتاب السحر الأسود المعروف باسم "الوهد". كان هذا الكتاب المشؤوم محاطًا بهالة من الرعب، مكتوبًا على صفحات جلد بشري ومُخططًا بدماء ملعونين. كان هدف الكتاب إيجاد خاتم سليمان الذي يقال إنه يحتوي على قوى إلهية خارقة تمكن حامله من السيطرة على الجن.
ممنوعٌ على الجميع الاقتراب من هذا الكتاب. هذا ما كانت تقول الأساطير، لكن الفضول البشري لا يمكن احتواؤه. وفي لحظة ضعف، فتح الملك "ميمون" الأبواب السبعة السحرية التي كانت مختومة لقرون. عند فتحها، انهار كل شيء. الأرض اهتزت، والسماء انقلبت نارًا، وسكان الوهد وجدوا أنفسهم فجأة محبوسين في عالم تحت الأرض. هذه كانت بداية الكارثة.
"حياة في الجحيم"كانت الحياة في الوهد بعد الكارثة أشبه بجحيم لا ينتهي. بدأ السكان يتغذون على ما يمكنهم العثور عليه في هذا العالم المظلم، حتى اضطروا للتغذي على لحم البشر المحترق للبقاء على قيد الحياة. ومع الوقت، تكيّفوا مع الظلام. أصبحت الشمس أسطورة بالنسبة لهم، مجرد ذكرى منسية تُروى للأجيال الجديدة.
ارتدى الرجال أقنعة غريبة تخفي جمالهم الزائف. لم تكن هذه الأقنعة فقط لحمايتهم من الأشعة الحمراء التي تنبعث من الأرض، بل كانت أيضًا رمزًا لحياتهم الجديدة في الظلام. كل قناع يحكي قصة، وكل قناع يخفي وجهًا يعكس ماضٍ مليء بالآلام. في تلك اللحظات، كان القناع هو الحماية الوحيدة من التشوهات التي بدأت تظهر على وجوههم نتيجة الأشعة السامة.
أما الأطفال، فكانوا يولدون بروح مشوهة، تتحكم بها دمى غريبة تُعرف باسم "عهد". هذه الدمى، بشعرها الأشقر وبشرتها المصنوعة من السيليكون الياباني، بدت كتحف فنية جميلة لكنها كانت تخلو من الحياة. كانت هذه الدمى رمزًا للمعاناة، تُستخدم للسيطرة على أرواح الأطفال وتشكيلهم حسب قوانين الوهد القاسية. كانت أرواح الأطفال تُسحب داخل هذه الدمى، ويصبحون جزءًا من النظام القاسي الذي يحكم الوهد."الأمل المفقود"رغم كل هذا الظلام، لم يفقد سكان الوهد الأمل تمامًا. كانوا يؤمنون أن الحرب القادمة ستكون فرصتهم الوحيدة للخلاص. في كل مكان من مملكتهم، كانت هناك نصوص قديمة تحمل وصفًا غامضًا لمراسم دفن غريبة وتعزيمات شيطانية يمكن أن تُعيد الحياة لملك الوهد القديم، الذي كان يُعتقد أنه الوحيد القادر على إنقاذهم من هذه اللعنة.
في مكانٍ ما في قاع مملكة الوهد، عثر أحد الشباب على مخطوط قديم يحمل نصًا غامضًا مكتوبًا بلغة غير مفهومة. كان النص يتحدث عن ممرات خفية تسمى "ممرات إحياء الشيطان"، حيث يمكن استدعاء قوى خارقة قادرة على تغيير مصير المملكة.
بدأت الشائعات تنتشر بين سكان الوهد أن من يستطيع فك شفرات النصوص القديمة سيكون قادرًا على استدعاء تلك القوى. وكان الجميع يحاول بكل جهدهم فك هذه الرموز، لكن دون جدوى. كان الوقت يمر سريعًا، وكلما تأخرت الأمور، زاد الجوع والخراب.
الحرب القادمة
بينما استعد سكان الوهد للحرب، بدأت الأرض تهتز مرة أخرى. أصوات غريبة تصدر من أعماق الكهوف، وكأنها إنذار لما هو قادم. الأقنعة التي كانوا يرتدونها بدأت تتشقق، وكأنها تعكس الانهيار الداخلي لكل فرد منهم. كانوا يعلمون أن الحرب التي في طريقها ليست فقط ضد أعداء خارجيين، بل ستكون أيضًا ضد شياطين أنفسهم، ضد المجهول الذي لا يمكنهم هزيمته إلا بالبحث عن سر يربطهم بالماضي.
في مكان ما داخل الوهد، جلس شيخ عجوز أمام نصوص قديمة، يقرأها بصوت مرتعش. كان يعلم أن الحرب لن تكون فقط ضد أعداء خارجيين، بل ستكون أيضًا ضد شياطين أنفسهم. لكن هذا الشيخ كان يحمل في قلبه أملًا ضائعًا، وهو أن يكتشف أحدهم سر الفناء الأبدي وأن يستعيد الأرض التي فقدوها.