لقاء عَفوي

277 49 189
                                    

بدأت حياتي في سنة ألفين وأربعةَ عَشر من شهر أكُتوبر يوم ثلاثة وعشرون، عشتُ حياتي مع ابواي في جنوب العراق بعد ان نزحا من محافظتهما "الموصل" للجنوب بسبب داعش.

كانت الأوضاع غير مُستقرة في ذلكَ الوقت لذا مكثا في منزل عائلة أمي في الناصرية.

ولدتُ انا في الموصل وبعدَ ولادتي بسنة هربا والداي من ظلم داعش وبَطشهم، اكملَ والدي عملهُ كَمدرس في احدى مدارس الناصرية، وامي كانت تعمل معلمة لكنها تركت عملها عندما انتقلنا الى الناصرية.

عشتُ هناكَ خمسَ سنواتٍ من عُمري، وطوال تلكَ المُدة كُنت اسمع حَديث افراد العائلة عن داعش وجرمهم.

لكي أكون صريحاً لم يكونوا يسمحوا لي برؤية المشاهد التي يعرضونها على التلفاز او سماعهم وهم يتحدثون،

لكنني كنت أختلس السمع وأحياناً أختلس النظر. سمعت الكثير عن داعش وما فعلت وكم قتلت وكيف تقتُل لكنني كُنت صغيرٍ ولا افهم الكثير، لم اكُن اعرف المعنى التام لكلمة قتل او جُرم او تَهجير...

طوال تلك المدة لم اكن افكر على الاطلاق بأحد غير نفسي، لم اكن افكر كيف يعيش الناس هناك، كيف يعيش الذين هم بنفس سني هناك.

على كل حال عندما بلغت من العُمر ست سنوات في سنة الفان وعشرون، بعد ان تم تَطهير الموصل من داعش واصبحت اغلب الاماكن آمنة وعادت الحياة بالموصل، قرر والداي ان نعود الى ديارنا في الموصل.

قمنا بحزم امتعتنا و ركبنا سيارة اجرة وتوجهنا نحو الكراج، وبعدها اتجهنا نحو الموصل.

كان الطريق طويلاً للغاية بالنسبة لي لذا ضيعت الوقت بالنوم الى ان وصلنا.

كان والدي قد رتب الوضع قبل شهر وهيئ لنا المنزل وحضر كل شيء، كان كل ما يجب علينا فعله انا وامي هو ترتيب اغراضنا فقط.

بدأت حياة جديدة بالنسبة لي، حياة بالمدينة التي ولدتُ فيها. لم استطع تكوين صداقات مع اولاد المنطقة بسهولة؛ لأنني لم أَكُن اجتماعي كُنت اغلب الوقت هادئ ولا اتكلم الا مع والدتي و والدي.

كنت اجلس امام باب منزلنا كل يوم وانظر الى الاولاد وهم يلعبون كرة القدم، واحياناً اجلس في المنزل والعب بالالعاب او اتحدث مع والدي عندما يعود من العمل.

استمرِت على هذا الوضع لمدة اسبوعان حتى لاحظت وجوده....

كان فتى يجلس على الرصيف المقابل لباب منزلنا وينظر إلي ويبتسم، يبدو انه كان بنفس عُمري على ما اظن....

كُنت اجلس وابادلهُ النظر في بعض الاحيان واحياناً اخرى اتجاهلُ وجوده.

كان يأتي كل يوم ويجلس في مكانه المعتاد على الرصيف المقابل لباب منزلنا نفس النظرات ونفس الابتسامة، استمر الوضع لمدة خمس ايام وفي اليوم السادس بادر الفتى بالتحدث.

حلم روح || A Dream of a Soul حيث تعيش القصص. اكتشف الآن