يبدو أنّ حبّها لـ ريان لم يكن كافيا لطرد حبّها القديم من قلبها. لا يستطيع أحدٌ، سواء قرأ قصتها أو عاشها معها بتفاصيلها البسيطة، معرفة ما إذا كان ذلك بسبب الفرق بين الحبّ الأوّل والثاني، أو بسبب الفرق بين الحبّ البائس والحبّ الذي يحفُّه الأمل، أو ما إذا كان بكلا السببين. لأنّ ما يكمن في أعماق شخص آخر يشبه الهاوية التي لا يمكن دخولها أو حتى مراقبتها بشكل دقيق، سأتجاوز حدودي حين أقول أنَّ تلك الفتاة نفسها ليست تدري ما يكمن في أعماقِها، ليس بوسعها أن تدخلها ولو خفية، أو تراقبَها أيضا.
من الصّعب عليها الآن أن تخرجه من عقلها، إنّه أشبه بالنار وهي تنتشرُ في أجزاء الحطب الجاف، بسرعة ودون صبرٍ. حالة الذّهول استمرّت طويلًا، ولم يبدُ لها أن للنهاية وجود. بدا الأمر كما لو أنها تتجول في المكان الخطأ مرارًا وتكرارًا، دونما توقف، برغبتها ووعيها التّام.
بكت بعنفٍ بعد ذلك ليلًا، وحيدة. لقد تبللت وسادةٌ واحدة، وانغمست فيها الدموع بعمق بالغ.
***
إنها تنزعج، حين يخطرُ ببالها أنّه لا يُفكر بها الآن، وأنها لم تمر على باله ولو مرةً، أنه قد نسيها في اللحظة التّي رآها فيها ربما، وأنه، والأسوأ من بينها جميعها، لم يلحظ وجودها من الأساس. تُحس بالغضب وبالحزن. لكنّها لا تحمل ضغينة له هو على وجه الخصوص، على الأقل كان هذا لمدة قصيرة جدًا.
بعد فترة، لم تعد قادرةً على التفكير بذهن صافٍ طيلة ساعات الظهيرة. ومن ثمَّ طيلة ساعات اليوم. بات الأمرُ مُزعجًا وغير ممتع، أشبه باستثمار فاشل لم يكتب له شيء من بداية البداية. بات الأمر، الآن، يبدو كأنّها تتجول في المكان الخطأ دون أن ترغب هي بذلك.
علاقتهما لم تكن كما استمرت توهم نفسها، لم تكن بذلك القرب حقا، وما عرفته قبل أسبوعين لم يكن شيئًا مُُفرحا حقيقةً. لقد كانت مُجرد صديق.
سيكون عليها أن تمضي أبعد مما فعلت من قبل، وأن تستمر بالعيش، بطريقة جيدة. أن تجعل حياتها تنطلق رغمًا عن أي شيء، من النقطة الجوفاء التّي التهمتها قبل أربع سنوات، التّي أفقدتها الطعم والجموح، من جديد. ستستريح من حبها، وتعتزّ به. تحمد الله أنّها أحببت شخصا يستحقّ المحبّة، إنّه شيء يستحق الحمد بحرارة فائقة، أن تُحس بمشاعرَ كهذه مرة أخرى، مرة أخيرة. لن تلتقيه مُجددا، إنها تعرف ذلك، حتى أنّ أُختها تعرف ذلك أيضًا.
شفتاھا مطبقتان وعیناھا البراقتان تنظران إلى المرآة، ببلادة وفضول، بتأن وحبٍ. تقول: «لقد كان حبًا مميزًا للغاية، وصداقة جميلة.»
لقد ردت المرآة في لحظةٍ بصوت منخفض كأنه آت من بحیرة نائیة : «أوه، مهما يكن.»

أنت تقرأ
حبّ قصير، قصّة قصيرة.
Short Storyعن بهجة اللقاء الممزوجة بحسِّ الواقع ولحظية الوقت. قصة قصيرة، المراد بها تخليد ذكرى وتجاوزها أيضًا. الـ 13 من آذار الهذّار عام 2020.