ما بعد أخي...🍂

109 11 13
                                    

يخبئ لنا الغيب اشياء لمن نكن نتصور ولو للحظه اننا سنملكها اشياء توصلك لملامسة الغيوم بعد انكسارك وتبعثرك يكفي أن تثق بخالقك وتثق بنفسك وتثق بأنك ستقوم من بين كل هذا الحطام شخصا جديدا ملتئم الجراح قادر على المواجهة ...

4 يناير لم يكن يوما عاديا يوم من اكثر الأيام حزنا ف(نارين) التي بلغت التاسع عشر من عمرها فتاة واثقة من نفسها قوية تستمد قوتها من أخاها الذي اشرف على تربيتها واحتوائها بعد موت والديهم علمها كيف تكون جريئة وكيف تكون قوية في المقابل حنونة وعطوفة...
في يوم رأس السنة أحست أن اخاها ليس على ما يرام علامات التعب بادية على وجهه واصفر لونه وشحب ولكنه اومهمها بأنه بخير وكعادته لا يبدي همه وألمه أمامها خوفا عليها...مر يومان بعدها وفي اليوم الرابع من يناير توجه الى عمله بعد انتهاء العطلة وقبل مغادرته المنزل احتضن اخته بشده وكأنه يودعها شعرت نارين برغة في البكاء ولم تتقبل هذا الموقف الأشبه بموقف الوداع غادر وكأن روحها قد غادرت معه ضاق صدرها وكأن شيء سيء سيحدث...
جلست تراقب الوقت لعودته تارة تنظر الى الباب وتارة الى الوقت وهي تدعوا الله بأن يحفظ اخاها ويذهب بهذا الضيق الذي هاجم صدرها...أعدت الطعام الذي يحبه وجهزة الطاولة بشكل أنيق وكئنها في موعد مع أكثر شخص تحبه تجاوزة الساعة الثانية عشر ظهرا ولم يأت أخاها اتصلت به واتصلت ولكن أحدا لم يجبها وهاي هي الساعة الواحدة ظهرا لم تطق صبرا للبقاء غادرت المنزل متوجهة الى مكان عمله حيث لم يستطع أحد أخبارها بما حدث لاخاها وهي تلاحظ علامات الحزن على وجوه زملائه فكل واحد منهم يقول للأخر انت قل لها لانهم يعلمون بمدة عمق العلاقة بينها وبين أخاهاولم يدم هذا الصمت طويلا حتى توجه نحوها احد العاملين وقال: اذهبي الى مشفى المدينة ستجدين اخاك هناك. ذهلت مما سمعت لم تتمكن قدماها من حملها علمت بأن مكروه قد حدث
اصطحبها احد العاملين الى باب المشفى وقد أكتض بالناس ولم يسمحوا لها بالدخول ولكن شرطيا على الباب لاحظ حالة الذهول في وجهها الذي اصفر وعيناها المغمورة بالدموع وهي تلهج بكلمة واحدة (أخي) ادخلها واخذت تسأل الممرضات عن شخص بهذا الأسم فاجابتها أحداهن: (ادخلناه الى براد الموتى قبل قليل) هنا توقفت الدنيا هنا أضلم الكون وضاق بما وسع سقطت نارين على ركبتيها خسرة من كان عماد وجودها وسند دنياها بكت بكاء شديدا أبكى كل من في المشفى أغمي عليها في وسط المكان حملوها الى سرير واعادوها الى وعيها طلبت رؤية اخاها لم يقبل الاطباء لسوء حالتها وأيقنوا انها ستموت أذا رأته. أصرت عليهم بذالك بأخذها أحد الأطباء الى البراد واخرج لها اخاها وهو مدد في هذا المكان البارد شعره لم يزل أسودا لشبابه ولحيته تزين وجهه النحيل وشفتها زرقاء وهي توحي بالتبسم وضعت رأسها على صدره وهي تلتقط انفاسها بصعوبة لم تتمكن من قول شي غير "أخي" بدأت تحدثه بحديث العتاب " أخي انت أحتضنتني بعد موت امي وابي وواسيتني وأخبرتني بأن الحياة ستمضي ما دمت معي لم أحس يوما بأني يتيمة بوجودك  الأن الأن من يحتظنني من يمدني بقوتي من يحمل اعباء هذه الحياة عني وهو يبتسم " أجهشت بالبكاء وسقطت الى الارض مرة اخرى اغلق الطبيب البراد وحملها الى خارج الغرفة وهو يواسيها ببعض الكلمات والحث على الصبر وطلب منها اخبار اقاربها للبدء بتجهيز الجنازة .
مرت الأشهر على وفاته ونارين لا تزال تحبس نفسها في المنزل ترفض مقابلة اصدقائها وترفض الخروج وهي في موجة أكتآب حاد عيناها عبارة عن هالتين سوداء وجسدها قد نحل لم يترك الحزن مكان من قلبها إلا مزقه تركت كل شيء كما هو لم تحرك اي شي يخص أخاها وكانه ما زال موجودا او سيعود
وذات ليلة توجهة الى غرفته وكعادتها بالبكاء ولكنها لاحظت هذه المرة دفترا اشبه بالمفكرة لم تنتبه على وجوده من قبل اخذته وتوجهة الى غرفتها لكي تقرء ما فيه وفي اول صفحة منه قد كتب ( أذا ضاق الزمان عليك صبرا...ولا تيأس من الفرج القريب) عادت بها الذاكرة الى ايام اخيها وكلماته الباعثة على الصبر والقوة والأمل والتمسك بما بقي من الحياة مهم كانت الصعوبات التي نحن فيها لم تنم تلك الليلة واسمرت بقراءة كلمات اخيها المليئة بالأمل ومن بين العبارات ( أصبر على ما يؤلمك وسيجزيك الله من حيث لا تدري) واخرى( الامل هو تلك النافذة الصغيرة التي مهما صغر حجمها إلا إنها تفتح أفاقا واسعة ) واية قرانية ( فما ظنكم برب العالمين ) وكثير من العبارات الاخرى التي بدأ تأثيرها في نفس نارين وكأن هنالك بصيص امل في عودتها الى سابق عدها تلك القوية المثابرة واستمرت تقرء حتى وصلت لأخر ما كتب (يا ابن أدم...تبسم فان الله ما شقاك إلا ليسعدك وما اخذ منك إلا ليعطيك وما أبكاك إلا ليضحكك وما حرمك إلا ليتفضل عليك وما أبتلاك إلا لأنه يحبك) وبعد هذا الكم الهائل من العبارات الإيجابية التي تشعرك بانه مهما خسرت ومهما فقدت فأن هناك امل وان حياتك ما زالت مستمرة وأعمل على اعادت ترتيبها رغم الامك.
 توضئت نارين وأخذت رداء الصلاة وصلت صلاة الفجر وغيرها ورتلت سورة يس حتى اذا وصلت لقوله تعالى( سلام قول من رب رحيم) أغلقت المصحف ووضعته على قلبها وهي تردد على القول وثم عادت لتكمل القراءة.
وفي صباح يوم الاحد الخامس من مايو وبعد مرور اربعة أشهر على وفات اخيها خرجت نارين من المنزل  بروح جديدة اقوى مما كان عليه وإيجابة وتوجهة لزيارة قبر أخيها وقراءة بعض سور القران هناك وعندما همت بالمغادرة وصلتها رسالة على هاتفها تقول:(  الحياة تنتظرك على الساحل) الساحل مكانها المفضل مع اخيها وتذكرة كم كان اخاها يحب هذا المكان وكم مرة جلسة معه تسامره في ذالك المكان واستغربت من أمر هذه الرسالة وتوجهة للساحل لمعرفة الامر وجلسة تستنشق الهواء النقي هناك وتسمع أصوات الطيور المغنية للحياة وهي تتذكر بعض كلمات اخيها التي قرئتها البارحة ( قل للذي ملأ التشاؤم قلبه...ومضى يضيق حولنا الأفاقا...سر السعادة حسن ظنك بالذي...خلق الحياة وقسم الارزاقا) وتدفقة في رأسها كثير من كلماته وهي تغمض عينيها وتسحب الهواء الى داخلها بقوة. أحست بوجود شخص بقربها فتحت عيناها فكان شابا وسيما يجلس بجانبها ويفعل مثل ما تفعل فسألته من أنت ؟ وهي تشعر بأنها قد رأته من قبل فأجابها (كمال) .هل رايتك من قبل ؟ فسكت وقال أترغبين بعصير الليمون ولم ترفض ذلك واخذ ينظر في عينيها ثم قال : ارى فيك اليسر بعد العسر والحياة بعد اليأس ؟ فأجابته بما حصل لها وكيف عانت من فقد أخيها وأستغربة بانه لم يبد ردت فعل قوية   واضحة وكانه يعلم بكل ما قالته...! واستمر التواصل بينهما وكان اشبه بالصداقة.
فكرة نارين بالعودة الى دراستها فهي قد دخلة الجامعة ولكن الاقدار لو تمنحها الفرصة للسير في ذالك وكان العام الدراسي قد اوشك على الانتهاء وتواصلت مع احدى صديقاتها لتطلب منها كل الدروس الخاصة بالسنة الاولى لكي تقرءها وتعود بقوة في العام المقبل.
احبت نارين ان تزاول عمل ما خلال هذه السنة فحساب اخيها الذي كان يعيلها على وشك النفاء فاتصلت بكمال وطلبت مقابلته أخبرته بانها تريد العمل في مكان ما فسألها عن مواهبها وما يمكنها ان تفعل من أعمال يدوية او ادبية فاخبرته بأنها ماهرة في الحياكة والتطريز والخياطة فعرض عليها ورشة كان يملكها  للعمل بها فرفضت ذلك ظننا بفشل المشروع واستمر كمال بتشجيعها وأصطحبها الى الورشة لتراها أعجبة بها وبموقعها وحجمها ولا تزال مترددة في الأمر .
في اليوم التالي تزور نارين قبر أخاها والحزن لم يزول ولن يزول تمام عن قلبها وهي ترتل بعض الايات.
توجهة الى المتجر وأشترت الخيوط والأبر والأقمشة لتبدأ باول عمل لها في المنزل فما زالت مترددت في امر الورشة قامت بحياكة مجموعة من الدمى الجميلة وتصويرها على صفحتها الشخصية على الانترنيت واغلقة هاتفها ونامت .
في الصباح أستيقضت في صدمة وذهول فأعمالها البسيطة قد حصلة على الاف من الأعجابات وهناك ثلاثون طلب على الدمى توجهة مباشرة لكمال تريه هذه الصدمة وسر كثيرا بذلك وقال : سنفتح الورشة اليوم. واحضر لها كل ما تحتاجه للعمل وهو يعمل معها .
وبعد يوم شاق من العمل جلس كمال ونارين في وسط الورشة للراحة وهما يتناولان الطعام فسألته نارين : كمال من أنت فانا لا زلت لا اعرف شيء عنك ولماذا أشعر بأني رأيتك من قبل؟ فسكت وهي اصرت عليه بالكلام فقال : "انا الدكتور كمال الطبيب الذي ادخلك على جثة أخيك ورفعك عن الجثة" صعقت وهي في صدمة وذهول وقالت ولماذا لاحقتني وكيف وصلة إلي فقال : منذ اللحظة التي رأيتك عند اخيك مكسورة في أقصى ما يكون من الحزن أحببت أن اكون بجانبك ان اسندك وارفع بعد وقوعك واساعدك واو قليلا في مواجهة الألم لكنك اغلقت على نفسك ولم تقبلي سند أحدهم لك راقبتك من بعيد يوم الجنازة وكيف انكببت على القبر لساعات وتبعتك للمنزل الكأيب وزرتك كل يوم وانت لا تعلمين جلست ببابك لساعات وانا اسمع صوت النحيب في كل زوايا المنزل .نارين لا زالت مصدومة مما يقول أحقا هذا ام انها في وهم فهي لم تتصور ان يستمر  شخص بمساندتها  او يقف بجانبها في هذه المصيبة حتى اصدقائها قد قاطعوها بعدما رأوا كم هي حزينة ومتشائمة. عادة الحياة لنارين وقلبها ينبض من جديد بحب طاهر لكمال .
استمرت في مشروعها واخذ يزهر اكثر فأكثر واعمالها عمت البلاد وطبعا كمال لم يفارقها في هذا
واصطحبها لرؤية امه المقعدة وقد تجاوزة الثمانين من عمرها وكان بيته فخما وفيه مجموعة من الخادمات فاحست نارين بالغيرة وقالت : كمال كيف تعيش من هذا العدد من النساء ...! فتبسم لها واحس بنار الغيرة وهي تخرج من عينيها عندما تنظر للخادمات.
بعد مرور عدة أشهر على علاقتهما عرض كمال الزواج على نارين ولم تتردد في الموافقة وتزوجا بعد اسابيع.
العام الدراسة الجديد قد لاح في الافق ونارين بكامل استدعداها النفسي والمعنوي والمادي للدخول في الدراسة وحصلت على المراتب الاولى فيها وايضا قرءت العديد من كتب التنمية البشرية لتستمد قوة في الشخصية وثقة بالنفس أكثر .

ولا ننسا زياراتها المستمرة لقبر اخيها .
كمال جالس على السرير ونارين بجانبه وبيدها دفتر اخيها ذو الطاقة الإيجابية  فقال لها اريد ان اعترف لك بشيء خبأته عنك طوال هذه السنوات.فقالت: اخبرني انا اسمعك فقال: أترين هذا الدفتر الذي بيدك انا من  كتبته وانا من وضعته بين كتب أخيك وأغراضه.فقالت: ها انت تصدمني من جديد بما تقول إلهذا الحد تحبني فقال : واكثر من ذلك بكثير.  

                       النهاية
 

الثقة بالله والصبر والأمل هي مفاتيح السعادة الحقيقة الفقد مؤلم لكنه يعلمنا القوة .
الحب دواء عجيب لكل الألم فليكن حبك لشخص يستحقه شخص يكون معك بالرغم من معرفته بمساوئك ومستعد لتحمل كل همومك واحزانك يصبح لك كتف لتريح رأسك من رحلة الأفكار وحضن دافىء يشدك إليه في كل حالاتك.

كتاباتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن