6

707 16 5
                                    


تكورت تحت الاغطية فى حالة يرثى لها ، ما هذا الجحيم الذى أقحمت نفسها فيه ؟ ثم ما الذي يعنيه بالضبط من تهديده ؟ لم تحاول إستطيضاح ذلك في حينه ، بل صفقت الباب وراءها وأغلقته بالمفتاح ، وشفتاها محتقنتان من الهجوم المذل ، ولكن السؤال ظل يغلي فى رأسها وهي تتقلب على الاريكة طوال الليل ، هل كان جادا في تهديده ؟ هل قدر لها أن تحبس نفسها ستة أشهر من العذوبية لتخرج في النهاية خالية الوفاض ؟
وجاءت الإجابة فى الصباح التالي ، فقد عبر لها عما كان يقصده ، فبمجرد أن سألته ، وهو يرمقها بنظرة جليدية مزموم الشفتين .
- منتهى السهولة يا عزيزتي " أوليفيا "
وكانت عيناه العسليتان فى جمود الصلب وهو يتناول السماعة ويطلب من عامل السويتش رقما فى إنجلترا ، بلغة فرنسية صافية حتى إنها فهمت كل حرف منها وكان الرقم المطلوب هو شركة " جوردان " للالكترونيات .
وبينما هما صامتان فى إنتظار الرقم ، كان يجلس على حافة سريره غير الرتب ، فى حلة رمادية فاتحة ، سحنته عدائية ونظراته لا تفارق وجهها ، وهي واقفة كشبح مضطرب عند مدخل الباب ، تكرهه بكل ذرة في قواها .
وعندما رن الجرس ، التقط السماعة طالبا
- " الادارة القانونية من فضلك "
ثم بعد فترة ، وبعد المجاملات الرسمية قال آمرا :
- تلك الاجراءات المتعلقة بشركة جارلاند أوقفوها نهائيا .
ثم وضع السماعة وقال فى صوت أجش :
- هذا ما كنت أعنيه .
كان بالضبط ما كانت تخشاه ، وكانت على وشك البكاء ، ونظرت اليه نصف متوسلة ، وأعترضت في وهن وقلبها يدق كالطبل :
- ولكنك لا يمكن أن تفعل ذلك ، لقد وقعنا إتفاقا قانونيا بأنك ستعيد لي " جارلاند " .
ونظر اليها نظرة مدمرة وقال :
- إنه أتفاق لا يساوي الورق الذي كتب عليه إذا ما قررت فسخ الزواج .
وصمت ثم أضاف بنبرة تهديد :
- ولن يكون الفسخ صعبا فى ظروفنا هذه .
وكان هذا ما لم تعمل حسابه ، وشعرت بالشحوب يغزوها فقالت منتحبة :
- لا يمكن بالتأكيد أن تفعل ذلك .
ورفع حاجبيه فى صمت قاس ثم قال :
- ولم لا ، إنك قد أمكنك .
فقالت معترضه :
- إن الامر مختلف ، كيف يمكنك أن تقارن عدم إستجابتي ل .... هذا النوع من المداعبات التي تتوقعها ... بقرار أتخذته طائعا بالنكوص عن الصفقة ؟ ألا ترى أننا ننتمي الى عالمين مختلفين ؟
وأبتسم دون شفقة :
- أخشى أنني لا أرى ذلك ، وكل ما أراه أنك لا تريدين أن تتذوقي قطرة من العلاج الذى طلبته أنت ، وهو أمر غاية في السوء يا عزيزتي " أوليفيا " .
وكان صوته ساخرا وهو يستمر :
- إني مؤمن يأن أسترد مقابل ما أدفع ، وأخشى ألا أكون بالليونة التي أفترضتها في.
الليونة ؟ ! لو لم تكن في حالتها تلك لضحكت ، إن أمه ذاتها قد لا ترى فيه ذلك الوصف .
وحملقت فيه في غضب وقد أسقط في يدها ، كان غير معقول على الإطلاق ولم يكن هناك من مجال للمناقشة فسألته في أستسلام كامل :
- إذن كيف يكون المخرج من هذا الوضع ؟
فإبتسم في غير مرح ، والعناد يشع من عينيه
- المخرج موكول بك ، فكما قلت لك ، إني رجل صبور ، ولكن صبري لا يمكن على الاطلاق أن يكون بلا نهاية ، وها هو بدأ ينفذ بعض الشيئ .
وبينما عيناه تقتحمان هيئتها المشدوهة البائسة بلا رحمة ، شعرت بالتوتر مرة أخرى ، وبالنار تمسك بتلابيبها لذكرى هجوم الليلة السابقة ، ولكن في تلك اللحظة قال وهو يهم بالانصراف :
- أما الآن فإني نازل للفطور ، وأنظري إن كنت ستصاحبيني أم لا .
والقى هذا الغير المرير الغاضب بظلاله على علاقتهما فى الايام التالية ، فكانت ساعات خلوتها قاسية وغير مريحة ، يزيد من عدم الراحة فيها تناقضها مع كونهما في ساعات خروجهما معا يكونان على أحسن ما يرام
فقد أكتشفت " أوليفيا " أنه حينما لا يكون ماثيو المتسلط وغير المحتمل ، وكانت تستمتع وتستطيب صحبته ، وليس ذلك فقط لأنه يعرف باريس جيدا ويجيد الحكاية عنها ، فقد كان له جانبه المريح الذي يشعر المرء فيه معه بالاسترخاء ، حتى أنها بدأت تستطيب نكاته وقفشاته .
لقد كان أمرا مؤسفا أن أقحما معا فى هذا الزواج السخيف ، ففي ظروف أخرى أقل غرابة ، كان من الممكن أن يكونا صديقين .
ولكن هذا من قبيل الاحتمال فقط ، فهو قد يتغير كالريح كما حدث عصر اليوم .
كانا يستعرضان واجهات المحلات بعد غداء سادته الألفة ، حينما جذب نظره بعض الملابس النسائية فسألها وهو يشير الى طاقمي قميصي نوم مع روبيهما :
- أيهما تفضلين ، الاسود أم الكريمي ؟
ودق جرس الإنذار فى رأسها فأجابت غير واعية :
- كلاهما غريب بعض الشيئ بالنسبة لي .
- ولكن أيهما تفضلين لو كنت ستختارين ؟
وترددت وخدودها تلتهب :
- حسنا ، الاسود على ما أعتقد .
وما كادت الكلمات تخرج من شفتيها حتى أختفى داخل المحل ، وبع عشر دقائق عاد حاملا صندوقا واضح الفخامة وعلى شفتيه أبتسامة شيطانية ، ونظر الى وجهها المحمر الرتبك وقال :
- لا ترتبكي هكذا ، فمن قال إنه لك ؟
وهزتها الكلمات شيئا ما ، إذن فالهدية على ما يبدو ل " سلين " وغمرتها مشاعر مختلطة من التوتر واليأس والغضب ، كم يا ترى من الازواج يأخذون رأى زوجاتهم فى اختيار ملابس النوم لعشيقاتهم ، خاصة وهم فى شهر العسل ، حتى ولو كانوا فى باريس ؟! وتلت صلاة شكر أن كانت بمثل تلك الصلابة بالنسبة لترتيبات النوم .
ولم يثر موضوع فسخ الزواج بينهما مرة أخرى ، إلا أنه ظل بينهما فى خلوتهما كنصل سهم حاد ، وأخذت تدعو أن تقنع ماثيو يوما أنها لن تغير رأيها ، حتى بسبب التهديد الجديد ، فليس في نيتها أن تسلم جسدها له لاقناعه ، لقد تنازلت بالفعل بما فيه الكفاية بقبولها هذا الزواج ، ولن تستمر بأية صورة في الهبوط الى تلك الهوة .
وعلى ذلك فكل ما يمكنها أن تفعله هو أن تدعو الله أن تكون الغلبة في النهاية لإحساسه بالشرف ، ولن تدفعه هي طالما لم يقم هو بذلك وما دام لا يعترف بالهزيمة بسهولة ، فلعله يتبين تدريجيا أن المعركة لا تستأهل الخوض فيها ، وأن الأمر الاكثر لياقة هو الوفاء بما أتفقا عليه .
وقارب شهر العسل على الانتهاء ، وكانت أخر ليلة لهما فى باريس عشاء على متن القارب ( باتوموش ) أي النحلة ، وحينما سألته عن ذلك القارب أجاب بأنه مطعم عائم يمخر نهر السين ، وأنها أول مرة له أيضا على متنه .
وأختارت رداء غريبا أخر من ملابسها للمناسبة ، مكونا من قطعتين من السفير الازرق ، ضيقا عند الخصر والردفين متدليا عند الصدر ومرة أخرى تخلت عن الشنيون المعتاد من أجل الاناقة الى تسريحة عالية مغرية .
وحينما أخذهما النادل الى منضدتهما ، كانت تحس بالعيون حولهما مليئة بالاعجاب ، وابتسمت لنفسها فحتى على مستوى الاناقة الرجولية في باريس يقف ماثيو متميزا ، كان كنمر وديع يحوطه البهاء المصحوب بالتقاطيع الجذابة التى تدير رأس أيه أمرأة .
رمقته بطرف عينيها ورفعت رأسها عالمة أنها في هذه الليلة بالذات ند له ، ولذا كانت معنوياتها مرتفعة بصورة غير متوقعة ... وطلب ماثيو مشروبا وشربا نخب باريس قبل الطعام ، وكان هو الذي أقترح هذا النخب ، وحينما رفعت كأسها أستجابة له قال ببريق فى عينيه :
- يجب أن تزوري باريس مرارا ، إذ يبدو أنها تروق لك .
ورمقته من فوق كأسها :
- ما الذي تقصده بالضبط ؟؟
- أقصد أني أرى أمامي أوليفيا مختلفة تماما ، أين تلك الفأرة الصغيرة التي حضرت الى هنا منذ ستة أيام ؟

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 07, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

صفقة زواج حيث تعيش القصص. اكتشف الآن