تكورت تحت الاغطية فى حالة يرثى لها ، ما هذا الجحيم الذى أقحمت نفسها فيه ؟ ثم ما الذي يعنيه بالضبط من تهديده ؟ لم تحاول إستطيضاح ذلك في حينه ، بل صفقت الباب وراءها وأغلقته بالمفتاح ، وشفتاها محتقنتان من الهجوم المذل ، ولكن السؤال ظل يغلي فى رأسها وهي تتقلب على الاريكة طوال الليل ، هل كان جادا في تهديده ؟ هل قدر لها أن تحبس نفسها ستة أشهر من العذوبية لتخرج في النهاية خالية الوفاض ؟
وجاءت الإجابة فى الصباح التالي ، فقد عبر لها عما كان يقصده ، فبمجرد أن سألته ، وهو يرمقها بنظرة جليدية مزموم الشفتين .
- منتهى السهولة يا عزيزتي " أوليفيا "
وكانت عيناه العسليتان فى جمود الصلب وهو يتناول السماعة ويطلب من عامل السويتش رقما فى إنجلترا ، بلغة فرنسية صافية حتى إنها فهمت كل حرف منها وكان الرقم المطلوب هو شركة " جوردان " للالكترونيات .
وبينما هما صامتان فى إنتظار الرقم ، كان يجلس على حافة سريره غير الرتب ، فى حلة رمادية فاتحة ، سحنته عدائية ونظراته لا تفارق وجهها ، وهي واقفة كشبح مضطرب عند مدخل الباب ، تكرهه بكل ذرة في قواها .
وعندما رن الجرس ، التقط السماعة طالبا
- " الادارة القانونية من فضلك "
ثم بعد فترة ، وبعد المجاملات الرسمية قال آمرا :
- تلك الاجراءات المتعلقة بشركة جارلاند أوقفوها نهائيا .
ثم وضع السماعة وقال فى صوت أجش :
- هذا ما كنت أعنيه .
كان بالضبط ما كانت تخشاه ، وكانت على وشك البكاء ، ونظرت اليه نصف متوسلة ، وأعترضت في وهن وقلبها يدق كالطبل :
- ولكنك لا يمكن أن تفعل ذلك ، لقد وقعنا إتفاقا قانونيا بأنك ستعيد لي " جارلاند " .
ونظر اليها نظرة مدمرة وقال :
- إنه أتفاق لا يساوي الورق الذي كتب عليه إذا ما قررت فسخ الزواج .
وصمت ثم أضاف بنبرة تهديد :
- ولن يكون الفسخ صعبا فى ظروفنا هذه .
وكان هذا ما لم تعمل حسابه ، وشعرت بالشحوب يغزوها فقالت منتحبة :
- لا يمكن بالتأكيد أن تفعل ذلك .
ورفع حاجبيه فى صمت قاس ثم قال :
- ولم لا ، إنك قد أمكنك .
فقالت معترضه :
- إن الامر مختلف ، كيف يمكنك أن تقارن عدم إستجابتي ل .... هذا النوع من المداعبات التي تتوقعها ... بقرار أتخذته طائعا بالنكوص عن الصفقة ؟ ألا ترى أننا ننتمي الى عالمين مختلفين ؟
وأبتسم دون شفقة :
- أخشى أنني لا أرى ذلك ، وكل ما أراه أنك لا تريدين أن تتذوقي قطرة من العلاج الذى طلبته أنت ، وهو أمر غاية في السوء يا عزيزتي " أوليفيا " .
وكان صوته ساخرا وهو يستمر :
- إني مؤمن يأن أسترد مقابل ما أدفع ، وأخشى ألا أكون بالليونة التي أفترضتها في.
الليونة ؟ ! لو لم تكن في حالتها تلك لضحكت ، إن أمه ذاتها قد لا ترى فيه ذلك الوصف .
وحملقت فيه في غضب وقد أسقط في يدها ، كان غير معقول على الإطلاق ولم يكن هناك من مجال للمناقشة فسألته في أستسلام كامل :
- إذن كيف يكون المخرج من هذا الوضع ؟
فإبتسم في غير مرح ، والعناد يشع من عينيه
- المخرج موكول بك ، فكما قلت لك ، إني رجل صبور ، ولكن صبري لا يمكن على الاطلاق أن يكون بلا نهاية ، وها هو بدأ ينفذ بعض الشيئ .
وبينما عيناه تقتحمان هيئتها المشدوهة البائسة بلا رحمة ، شعرت بالتوتر مرة أخرى ، وبالنار تمسك بتلابيبها لذكرى هجوم الليلة السابقة ، ولكن في تلك اللحظة قال وهو يهم بالانصراف :
- أما الآن فإني نازل للفطور ، وأنظري إن كنت ستصاحبيني أم لا .
والقى هذا الغير المرير الغاضب بظلاله على علاقتهما فى الايام التالية ، فكانت ساعات خلوتها قاسية وغير مريحة ، يزيد من عدم الراحة فيها تناقضها مع كونهما في ساعات خروجهما معا يكونان على أحسن ما يرام
فقد أكتشفت " أوليفيا " أنه حينما لا يكون ماثيو المتسلط وغير المحتمل ، وكانت تستمتع وتستطيب صحبته ، وليس ذلك فقط لأنه يعرف باريس جيدا ويجيد الحكاية عنها ، فقد كان له جانبه المريح الذي يشعر المرء فيه معه بالاسترخاء ، حتى أنها بدأت تستطيب نكاته وقفشاته .
لقد كان أمرا مؤسفا أن أقحما معا فى هذا الزواج السخيف ، ففي ظروف أخرى أقل غرابة ، كان من الممكن أن يكونا صديقين .
ولكن هذا من قبيل الاحتمال فقط ، فهو قد يتغير كالريح كما حدث عصر اليوم .
كانا يستعرضان واجهات المحلات بعد غداء سادته الألفة ، حينما جذب نظره بعض الملابس النسائية فسألها وهو يشير الى طاقمي قميصي نوم مع روبيهما :
- أيهما تفضلين ، الاسود أم الكريمي ؟
ودق جرس الإنذار فى رأسها فأجابت غير واعية :
- كلاهما غريب بعض الشيئ بالنسبة لي .
- ولكن أيهما تفضلين لو كنت ستختارين ؟
وترددت وخدودها تلتهب :
- حسنا ، الاسود على ما أعتقد .
وما كادت الكلمات تخرج من شفتيها حتى أختفى داخل المحل ، وبع عشر دقائق عاد حاملا صندوقا واضح الفخامة وعلى شفتيه أبتسامة شيطانية ، ونظر الى وجهها المحمر الرتبك وقال :
- لا ترتبكي هكذا ، فمن قال إنه لك ؟
وهزتها الكلمات شيئا ما ، إذن فالهدية على ما يبدو ل " سلين " وغمرتها مشاعر مختلطة من التوتر واليأس والغضب ، كم يا ترى من الازواج يأخذون رأى زوجاتهم فى اختيار ملابس النوم لعشيقاتهم ، خاصة وهم فى شهر العسل ، حتى ولو كانوا فى باريس ؟! وتلت صلاة شكر أن كانت بمثل تلك الصلابة بالنسبة لترتيبات النوم .
ولم يثر موضوع فسخ الزواج بينهما مرة أخرى ، إلا أنه ظل بينهما فى خلوتهما كنصل سهم حاد ، وأخذت تدعو أن تقنع ماثيو يوما أنها لن تغير رأيها ، حتى بسبب التهديد الجديد ، فليس في نيتها أن تسلم جسدها له لاقناعه ، لقد تنازلت بالفعل بما فيه الكفاية بقبولها هذا الزواج ، ولن تستمر بأية صورة في الهبوط الى تلك الهوة .
وعلى ذلك فكل ما يمكنها أن تفعله هو أن تدعو الله أن تكون الغلبة في النهاية لإحساسه بالشرف ، ولن تدفعه هي طالما لم يقم هو بذلك وما دام لا يعترف بالهزيمة بسهولة ، فلعله يتبين تدريجيا أن المعركة لا تستأهل الخوض فيها ، وأن الأمر الاكثر لياقة هو الوفاء بما أتفقا عليه .
وقارب شهر العسل على الانتهاء ، وكانت أخر ليلة لهما فى باريس عشاء على متن القارب ( باتوموش ) أي النحلة ، وحينما سألته عن ذلك القارب أجاب بأنه مطعم عائم يمخر نهر السين ، وأنها أول مرة له أيضا على متنه .
وأختارت رداء غريبا أخر من ملابسها للمناسبة ، مكونا من قطعتين من السفير الازرق ، ضيقا عند الخصر والردفين متدليا عند الصدر ومرة أخرى تخلت عن الشنيون المعتاد من أجل الاناقة الى تسريحة عالية مغرية .
وحينما أخذهما النادل الى منضدتهما ، كانت تحس بالعيون حولهما مليئة بالاعجاب ، وابتسمت لنفسها فحتى على مستوى الاناقة الرجولية في باريس يقف ماثيو متميزا ، كان كنمر وديع يحوطه البهاء المصحوب بالتقاطيع الجذابة التى تدير رأس أيه أمرأة .
رمقته بطرف عينيها ورفعت رأسها عالمة أنها في هذه الليلة بالذات ند له ، ولذا كانت معنوياتها مرتفعة بصورة غير متوقعة ... وطلب ماثيو مشروبا وشربا نخب باريس قبل الطعام ، وكان هو الذي أقترح هذا النخب ، وحينما رفعت كأسها أستجابة له قال ببريق فى عينيه :
- يجب أن تزوري باريس مرارا ، إذ يبدو أنها تروق لك .
ورمقته من فوق كأسها :
- ما الذي تقصده بالضبط ؟؟
- أقصد أني أرى أمامي أوليفيا مختلفة تماما ، أين تلك الفأرة الصغيرة التي حضرت الى هنا منذ ستة أيام ؟
أنت تقرأ
صفقة زواج
Romanceللكاتبة: ستيفاني هوارد يبدو انه لايوجد حل اخر فزعت اوليفيا حينما اكتشفت ان وصية زوج امها وضعت كل الامور المالية بين يدي ماثيو جوردان المتغطرس وبصورة او باخرى صممت اوليفيا ان تناضل لاستعادة شركة جارلاند ,فهي قبل كل شيء جزء من ميراث اخيها الصغير. ولم...