|..معزُوفةُ حُب•|

237 42 39
                                    

«على شرفك أنا أعزف.. أعزف لك فقط، معزُوفةُ حُبٍ تُخبرك بما أكنّه لك هُنا.. في قلبي!»

الثالث والعشرين من آب عام ألفين وتسعة عشر.


كانت تتدرب على العزف جالسةً في مُنتصف المسرح الذي سيكون عليه عرضها الأول، مُنغمسةٌ في التدريب فلم تنتبه لمن قد جلس بجانبها يُتابعها بصمتٍ، لكن ما نبهها وجعلها تعرف بوجوده هو تسلل رائحة عطره المُسكر خفيةً إليها، فأغمضت عينيها سانحةً لهذا العطر بأن يُذهب عقلها هنيهةً، تشتمّ الرائحة بقلبٍ مُنهكٍ يعزفُ مقطوعة شوقٍ له، لمحبوبه...

«هيّ.. فيمَ أنتِ شاردة؟» فتحت عينيها بسرعةٍ تنظر جانبها حين سَمِعَت هتافه المُتذمّر، فوجدته جالسٌ ينظُرُ لها بتعجبٍ مُتمعّنًا فيها، أخفضت بصرها أرضًا ببعضِ الخجل الطفيف مُلونًا وجهها بحُمرةٍ خفيفةٍ، لكنها تحاملت وحاولت إخفاء خجلها قدر الإمكان وهي تهتفُ بنبرةٍ مهزوزة:
«لا شيء، ما الذي تفعلُهُ هنا؟»

لم تستوعب مدى غباء السؤال إلا بعد أن ألقته بعدّةِ دقائق، وقد صمت قليلاً ينظُرُ لها بـتعجبٍ قد ازداد قائلاً:
«ماذا بكِ يا لحن؟ لما هذا الشتات الذي يُسيطرُ عليكِ، فقط ركزي؛ اليوم يومٌ مُهمٌ بالنسبة لكِ ولمُستقبلكِ.. حسنًا!»

أومأت بسرعةٍ مُتمتمة ببعض الكلمات غير المفهومة، فأردف هو قائلاً بقهقةٍ:
«اهدئي يا فتاة، صدقيني.. المسرح ليس مُرعبًا لهذه الدرجة.»

لم تُعقّب، نظرت أرضًا بحُزنٍ  رُسِمَ على ملامحها، لا تعرف لماذا أحاط بها الحُزن فجأةً هكذا، فقط كُل ما تعرفه أنها تخشى شيئًا ما، أو تشعر بأن هناك شيء سيُفسد هذه الفرصة.. لكن لا تعرف ما هو...

_«أتُريدين الرقص قليلاً؟»

أفاقت من شرودها على هذا السؤال مما جعلها تفتح عيناها ذاهلةً لما قاله، فـ أردفت قائلة بتلجلُجٍ:
«لا.. لا، مستحيل... أنا.. أنا».

ثم نهضت مُتعثرة وهي تتفوه بكلماتٍ مُتقطعة، تُحاول أن تجد حُجةً ما لـرفضه بـأدبٍ، لكنه نهض من مكانه ضاحكًا يسحبها نحوه غفلةً منها، ثُم قربها منه واضعًا كلتا يديه على خصرها هامسًا بصوتٍ أجش:
«فقط اتركي نفسكِ لي!»

وحين اقتربت هي منهُ ذابت من رائحة عطره المسكر، وأصبحت كالمُغيب تمامًا بين يديه؛ فـ رفعت ذارعيها مُحاوطة عُنقه، ثُم أراحت رأسها مُتوسدة صدره الدافئ، تستشعرُ الأمان فيه، كانت هذه هي أول مرة تُصبح فيها قريبةً منه إلى هذا الحد المُهلك، فـ أغمضت عيناها للحظاتٍ وعطره يُداعب أنفها، مُبتسمة بـهدوءٍ وقد غابت تمامًا عن أرض الواقع.

بينما هو لم يكُن أقل حالٍ منها، يتنفسُ بـقوةٍ مع صوت تراقُص نبضات قلبه وكأنه في ملحمة صراعٍ بينه وبين نفسه، يُحارب على أن يكون ثابتًا وهو على هذه الحالة حتى لا يتهور، لكنه لا يتزحزح أبدًا عنها، لا يُريد الإبتعاد عنها، لا يُريد سوى مُراقصتها على إيقاع نغمات قلبه، معزوفةٍ يعزفها قلبه، لها.. فقط لها هي وحدها، معزوفةٍ مُميزةٍ يحفظها عن ظهر قلب، مع انتفاضة قلبه لـنظرة عيناها، بالكاد كان واعيًا حتى يتحكم في نفسه، وبصعوبةٍ شديدةٍ فَعَل.

معزوفةُ الحُبِّ√.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن