العزلة

2.3K 189 108
                                    

سرتُ في الممّر خلف المُمرّضة المغطّاة من رأسها حتّى قدميها بوسائل الوقاية التي ذكّرتني بصور علماء المعامل النووية، ودفعت الباب الموسوم برقم 61 قائلةً: "هذه غرفتكَ"

من فوق رأسها لمحتُ الغرفة الصّغيرة الهادئة والسّرير الأبيض، تجاوزتُها ودخلتُ فيما تتبعني تعليماتها مشيرةً إلى رداء المشفى على السّرير: "قم بتغيير ملابسكَ، إن احتجت شيئًا فاضغط زرّ الاستدعاء، سأحضر طعامكَ بعد قليلٍ"

ثمّ انصرفت قبل أن أعطيها ردًّا، رميتُ الحقيبة قرب السّرير واتّجهتُ إلى النّافذة الزّجاجيّة متأملًا إضاءة البلدة وشوارعها

وفي دقائق قليلة ارتديتُ ردائي الجديد الذي يعلنني مريضًا وارتميتُ فوق السّرير متناولًا جهازي بنهمٍ شديدٍ لأبدأ ما عزمتُ عليه منذ عرفتُ أنّ الفيروس استوطن جسدي ألا وهو كتابةٌ ما يعتمل في داخلي

لا أنوي كتابة مذكّراتي أو يوميّاتي، كلّ ما أطلبه أن أزيح الهمّ عن قلبي وأبعد الثّقل الذي يلاحقني منذ وقتٍ طويلٍ، أن أواجه أخطائي وربّما أحاول إصلاحها، وقبل كلّ شيءٍ أن يعرف كم أنا نادمٌ وكم أحبّه، وأن يسامحني..

وكما قلبي وفكري مبعثران ستكون كتابتي

---

ظننتُ أنّني سأنسى وأواصل، لكن لماذا تدهمني الذّكريات؟

لماذا وجهكَ من بين الجميع من يرفض مغادرتي؟

يا لغبائي.. وجهكَ لم يغادرني يومًا، فما العجيب أن يترائى لي الآن؟

كلّكَ لم تغادرني يونغياه

لم تغادرني..

كيف تفعل وصوتكَ عالقٌ في ذكرياتي؟

صورتكَ منقوشةٌ في خلاياي؟

وكلّكَ ممتزجٌ بروحي؟

لذلكَ محاولةُ انتزاعكَ كانت ضرب حماقةٍ، تيقّنتُ من ذلكَ يومًا بعد يومٍ، لكنّني لاحقًا تناسيتُ، اعتدتُ شعور الخواء في داخلي، كان مؤلمًا وكنتُ أشعر أنّي جرّةٌ فخّار مهجورةٌ وجافّةٌ ذات كسورٍ، عديمة القيمة ولا يملأها سوى الفراغ، لكن ما الذي كان بإمكاني فعله؟

ما الذي كان بإمكاني فعله وقد كنتُ السّبب في الشّرخ الذي حدث لكَ والذي لن يشفى ولن أسامح نفسي عليه أبدًا؟

لم أعتقد أنّكَ كنتَ ستنظرُ في وجهي مطلقًا بعد ما حدث، وحين زرتكَ في ذلك المكان البائس ورفضتَ مقابلتي أيقنتُ من ذلكَ.. ورغم أنّ قراري كان يشبه إطلاق حكم الإعدام على روحي فقد اتّخذتُه ذلكَ اليوم أمام السّور العالي: روابطنا ستقطع، ولن أظهر أمام وجهكَ أبدًا

Isolation | KSJ x MYG ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن