#أصوات_الصمت
#بقلم_شيماءعثمان
صعدت القطار ... بخطى متثاقلة بطيئة ، منكسة رأسها و شاردة الذهن . حتى أنها لم تكترث للأصوات الساخطة من خلفها ، فقد كانت تعوق الحركة في الممر .
نظرت لرقم مقعدها .... جلست به ، و اتكأت على بلور النافذة ...... ماهي إلا لحظات وشعرت بشيخ كبير يجلس بجوارها ، رمقته بطرف عينها واستدارت .
أمسك الرجل صحيفة وبدأ يقرأ . أما هي فقد كانت صامتة ، حزينة ، منكسرة ... رن هاتفها من داخل حقيبتها كاسراً جدار الصمت ، أخرجتة ونظرت إليه ، ثم أجهشت بالبكاء ، فأمتزجت أصوات نغمات هاتفها المحمول بآهاتها المشبعة بألالم .
عيناها متجمدتان نحو الشاشة .... تنظر إلى اسمه وتقول ... كفى! ، أرجوك ، ابتعد عني! .... لم أعد احتمل ....
و عندما شعرت أن هذا الاتصال سيدوم للأبد أغلقت هاتفها و أعادته للحقيبة مرة اخرى ..... نظر إليها الشيخ العجوز وقال لها : أحسنت صنعاً ... فقد أغلقت الضوضاء من حولنا .
أدارت وجهها ... وضعت يدها على فمها و واصلت البكاء ..... قال لها و عيناه في صحيفته ، و لكن هل تستطيعين إغلاق الضوضاء التي في قلبك ؟!!! .
نظرت إليه بدهشة و ردت عليه : و ما ادراك أنت بحالي !!
ابتسم إبتسامة سخرية ..... أمسك بلحيتة البيضاء وقال ... قضيت على هذه الفانية ستون خريفا و أصبحت أعرف جيدا أنواع البكاء ... فهناك بكاء شوق و بكاء ألم و هناك بكاء ظلم و أخر بسبب الفراق ... أما بكاءك يا صغيرتي فهو صادر من القلب ..... اصدقيني القول ... هل أصبت ؟؟؟!!!
كانت متعجبة صامتة حتى أن دموعها توقفت و أنفاسها العالية هدأت ....
نظر إلى يدها و رأى خاتم الزواج .... إبتسم و قال لها .... أهو السبب ؟ ماذا فعل ؟ .
تنهدت و أدارت راسها .... لم يفعل شيئا ... لم يفي بوعوده .... عشت معه وحيدة .... سلب مني كل شيء و أصبحت شبحا على قيد الحياة ... كم أنا غاضبة منه .... لم يفعل من اجلي أي شي .
_ هل أخبرته بما يضايقك منه ؟
_ لم علي ذلك ... عليه أن يدرك بنفسه .
_ هل عاتبته يوما ؟
_ لا ، هو يعلم أني أتألم و لم يسأل .
_ هل تحدثتي معه ؟
_ هو دائم الصمت
_ أتحبيه ؟!
_ نحن نحب بعضنا بجنون .... وسأظل أحبه لأخر العمرأغمض عيناه و هز رأسه ... ثم قال : ألا تعتقدين أن حبكما يستحق فرصة ثانية ... تتنازلين عنه بسهولة هكذا !! إنزلي في المحطة القادمة ... إرجعي إليه عاتبيه ... بعدها عانقيه .
ردت عليه بصوت غاضب .. أنت تمزح ، أليس كذلك .. تطلب مني فعلا الذهاب إليه ... وكرامتي ... وكبريائي ! .
_ يابنتي .... أن الحب كالمركب الورقي يبحر في بحر المجهول وحيداً .... يصارع الأقدار و أعاصير العناد ، رياح الغرور ...... و أكثر مايمزق الحب إرباً و يغرقه في قاع المحيط .... دوامات الصمت !!! .... لا تضيعي حبكما ... تكلمي ، عاتبي ، اغضبي ، ثوري ... اخرجي قلبك من حجرته المظلمة و اصرخي ...
مازلتِ صغيرة ولا تعلمين كم هو قاسي و موجع جداً الشعور بالندم فكل الأحاسيس لها دواء ...
الحزن دواءه الفرح و الهزيمة تمحى بالأنتصار .... البكاء يطفىء بالضحك و الشوق يضمد بالذكريات .... أما الندم فهو جمرة في القلب لا تنطفيء .... غصة في الصدر و دمعة تحرق المقل .قاطعتهما أصوات الركاب تهم بالنزول ، قالت و علامات التعجب تملأ وجهها ... لقد وصلنا بسرعة !! . ابتسم و قال لها : الرحيل دائما يكون سريعاً .... طريق العودة هو الوعر !!
نظرت إليه وابتسمت ثم قالت : لا تقلق سأعود بنفس القطار ولن أنزل معكم .
وهو يحاول النهوض سألته ... أتعرف طريقك يا أبي ؟
بنصف إبتسامة أجابها .... الأن أصبحت اعرف الطريق ... أستغرقت ثلاثون عاما لأدرك الأمر ، و فهمت ماقلته لك بالتو .... أنا عائد لحبيبتي ... بعد أن ركبت نفس هذا القطار في يوم مماثل و جلست في مكانك هذا صامتاً متمسكاً بغروري و عنادي .... لم أعلم وقتها أن كلمة واحدة من القلب قد تنصبك ملكاً على عرش قلبها وتزرع حياتك ربيعاً .... هي نفس الكلمة التي ندمت و لا أزال نادماً على صمتي العنيد الذي قتلني .........
فالصمت سيف يقطع حبال الحب للأبد.... يشيعه لمثواه الأخير مكفنا بالندم .... لا تقتلي قلبك و لا تستمعي لأصوات الصمت القاتلة !!! .