ملك الغابة
في إحدى الغابات المجاورة لقرية كبيرة عامرة بالسكان، كان يسكن أسد عظیم، سماه جميع الحيوانات "ملك الغابة " لقوته وبطشه، ولم يكن يسكن مع هذا الأسد في تلك الغابة، سوى ثعلب كبير السن، كان يخاف على نفسه من جاره "ملك الغابة" فيبتعد عنه كثيرا لشدة خوفه منه، كان هذا الأسد كلما جاع، خرج من الغابة إلى القرية المجاورة بحثاً عما يأكله، ويسد جوعه، وحالما كان يصادف أحد سكان القرية عائدا من المرعی ببقراته، أو قطيع خرافه، يهجم ويمسك بعجل أو بقرة أو خروف، فيقتله ثم يحمله إلى داخل الغابة ليأكله.في الأيام التي لا يجد فيها الأسد شيئا يأكله، ولا يصادف أي حيوان خارج القرية، كان يذهب في ظلام الليل إلى داخل القرية، ويهاجم حمارا أو خروفا أو عجلا أمام أحد البيوت فيقتله أمام أنظار أصحابه الخائفين، ثم يحمله ويعود به إلى الغابة ليأكله كعادته، لقد تضرر أهل القرية كثيراً من أذى الأسد، بعد أن استمر على هذه الحال مدة طويلة، و حاولوا صیده بواسطة البنادق تارة، أو بواسطة الشباك تارة أخرى. ولكن النجاح لم يحالفهم.
وبعد أن أوشك الأسد أن يقضي على أكثر حيوانات القرية، لم يجد الفلاحون والرعاة طريقة تريحهم من أذى هذا الأسد سوى ترك القرية، وطلب السكن في ناحية أخرى بعيدة عن غابة هذا الأسد الظالم... بعد هجرة السكان، وخلو القرية وزرائبها من جميع أنواع البهائم، أصبح الأسد وحيد، لا يجد ما يستطيع أن يفترسه من الحيوانات، ويكاد أكثر الأيام، لا يجد ما يأكله، وصار كلما جاع، خرج من الغابة، ودخل القرية يفتش زرائبها الخالية من البهائم، ومنازلها الخالية من السكان، وعندما لا يجد شيئا يأكله، يزأز بصوته العالي المخيف، فيتردد صداه في جميع الأنحاء، حيث لا يسمعه أحد من الناس.
لم يكن يسمعه سوى الثعلب العجوز، جار الأسد الوحيد في تلك الغاية ، والذي لم يفكر الأسد يوما في قتله وافتراسه، لأنه لا يحب لحم الثعالب. وبعد مرور بضعة أيام على ځلو القرية من السكان والمواشي، جاع الأسد جوعا شديدا، وبحث عن شيء يصطاده فلم يجد. لذلك، و تحت تأثير هذا الجوع، فكر الأسد بافتراس الثعلب العجوز، فذهب إلى مغارته، وبدأ يزأر .. لكن التغلب كان خارج المغارة. وعند رجوع الثعلب إلى مغارته سمع زئير الأسد الذي كان ينتظره، فخاف وحاول الرجوع والهرب، لكن الأسد رآه من بعيد، فزأر زأرة شديدة، أوقفت الثعلب في مكانه ، من شدة الخوف.
قال الأسد: "ألا تعرفني أيها الثعلب، وتعلم أنني ملك هذه الغابة ؟..." أجاب الثعلب: "بلى يا سيدي !! ومن لا يعرف أنك ملك هذه الغابة ؟" قال الأسد: "ولماذا تجري إذا وتحاول الهرب كلما سمعت صوتي ؟ ولماذا لا تأتي لتسلم علي؟ فهم الثعلب قصد الأسد، وعرف أنه يريد أكله، ففكر باللجوء إلى الحيلة لينقذ نفسه.. فقال الثعلب: "لقد أردت أن أزورك مرارا قبل الآن يا سيدي، ولكن كلما أردت الحضور إليك ، منعني الأسد الكبير من تنفيذ ذلك".فقال الأسد: "ومن هو الأسد الكبير هذا؟ وهل يوجد ملك غيري في هذه الغابة ؟" أجاب الثعلب المحتال: "نعم، يوجد أسد آخر يا سيدي، إنه يسكن في الطرف الآخر من الغابة ، وهو يمنعني دائما من المجيء إليك، والقيام بواجب زیارتك؛ وهو دائما يقول لي: "لا تذهب لزيارة أحد غيري ، فأنا ملك الغابة الكبير ." قال الأسد غاضباً: "وهل يوجد في هذه الغابة ملك أكبر مني؟ أجاب الثعلب بدهاء: "نعم يا سيدي، هناك أسد عظيم آخر، أكبر منك". قال الأسد: "أين هو ؟ ... خذني إليه؟ ... ودعني أراه..."
عندئذ مشى الثعلب متجهاً إلى داخل الغابة، وتبعه الأسد. فوصلا إلى بئر ماء قريبة من القرية، كان أهل القرية يستخرجون منها الماء، ليشربوا وليسقوا منها مواشيهم. عندئذ قال الثعلب للأسد: "الأسد الكبير يسكن في هذه البئر يا سيدي ، أنظر إليه ، إنه هنا".. تقدم الأسد من البئر، ونظر في داخلها، فرأى صورة وجهه على صفحة ماء البئر الصافية، مرتسمة بكل ملامحها.
عندما رأى الأسد صورته على صفحة الماء الصافية، ظن أن الأسد الكبير الذي أخبره عنه الثعلب المكار، فغضب غضباً شديداً، وزأر بصوت حاد، تردد صداه في جميع الأنحاء. فظهر ظل صورة الأسد على صفحة الماء وهو يفتح فمه، كما سمع زئيراً عالياً هو صدى صوته ذاته، فظن أن ذلك الأسد يبادله غضباً بغضب، وزئیراً بزئير. عندئذ، کشّر ملك الغابة عن أنيابه، وهز رأسه غاضباً. فإذا بصورة ذلك الأسد على صفحة الماء، تظهر مكشرة عن أنيابها ، وتهز رأسها. فاشتد غضب الأسد، وقفز إلى داخل البئر يريد قتل غريمه، فسقط الأسد في البئر، ولم يجد بداخلها، أي أسد سواه.حاول الأسد أن يخرج من البئر، ولكن مياه البئر كانت عميقة، وجدرانها عالية جداً. فقال الأسد للثعلب: "يا صديقي الثعلب، ساعدني على الخروج من البئر، مد إلي حبلاً أو غصن شجرة، أتعلق به لأصعد وأنجو من الغرق في هذه البئر العميقة".. لكن التعلب المكار لم ينجد الأسد ولم يساعده على الخروج من البئر العميقة، بل ضحك ملء شدقيه شامتاً .. ثم قال للأسد: "وكيف أخلصك، يا ملك الغابة وقاتل جميع حيواناتها دون شفقة أو رحمة، بعد أن ساعدني الحظ وساعدتني الحيلة على التخلص منك، وتخليص الناس والحيوانات من أذاك وشرك ؟"
حاول الأسد، بعد أن قطع الأمل من مساعدة الثعلب ، أن يقفز محاولا الخروج من البئر بأي ثمن، ولكنه لم يفلح، وعندما اشتد عليه اللتّعب، وتوقف عن الحركة ومحاولة الخروج، غرق في ماء البئر ومات... أما الثعلب المكار، فكان يرقص فرحاً، لنجاح حيلته التي انطلت على الأسد، وخلاصه منه، وأخذ يقول لنفسه "لم يعد في هذه الغابة أسد أو غيره من الحيوانات القوية، وأصبحت أنا وحدي ، ملك هذه الغابة".. وعندما علم أهل القرية بموت الأسد فرحوا كثيراً، وعادوا مع مواشيهم إلى قريتهم، وراحوا يفلحون أرضهم من جديد، ويزرعونها، ويرعون مواشيهم في المروج الخضراء، حول الغابة، وعاشوا بعد ذلك سعداء آمنين .