حكايا وأزهار

10 2 0
                                    



نامجون
الخشخاش الأموري

بظلّه الحزين يقف أمام قبر أغلى من يملك، دموعه التي تنساب ببطئ مثقل من مقلتيه ومع كل دمعة شعور بألم رماح الهم تخترق قلبه بذات البطء مجددة شعوره بالألم... وجهه الملبد كان اقسى ما يُرى فتحته توارت كل أحزانه...
مسكين هو...
وضع زهره الأبيض على قبر والدته المتوفاة... ليغادر بخطى ثقيلة رغماً عنه...

أتى مجدداً بعد ست أيام من جنازتها... ليس لسبب سوى أنه لم يقوَ على مواجهة ذات الألم مجدداً...
كان اول ما لفت نظره تلك الزهرة الوحيدة على قبرها... ببتلات متفتحة كالصحن... كانت اول مرة يراها، فالزهور ليست محور اهتمامه... استدار حوله ليرى ازهاراً متوزعة على بعض القبور الأخرى من نفس فصيلة زهرته... تعجب وثار فضوله لكنه قرر تجاهل هذا...

اسبوع آخر لتكون زيارته الثالثة وغمامة تعسه لازالت كما هي... وكانت الزهرة مكانها أيضاً... زهرة متفتحة جديدة... استدار يحاول ايجاد احدهم او معرفة اي شيء عن من يضع تلك الأزهار ولكن دون فائدة...

كانت هذه زيارته السابعة... وكما توقع فقد وجد الزهرة المعتادة على قبر والدته... التقطها برفق وما إن رفع رأسه حتى وجد فتاة تسير بين المدافن حاملة باقة أزهار كبيرة بعض الشيء...
تتبعها بعينيه بعد ان خفق قلبه بقوة، فها هو فضوله قد أُشْبِع وعلى حين غرة! وجدها تترك زهرة على كل قبر وتتمتم ببعض الحروف... لم تكن ساحة القبور كبيرة بل العكس... لكنه ظن هذا امراً متعِباً... خفض رأسه باتجاه الساعة بمعصمه الأيسر ليجدها التاسعة وعشر دقائق... تحدث مع روح امه قليلاً لكنه كان مشتتًا كفاية فلم يستطع مقاومة تتبع الفتاة ببصره... وجدها تصلي أمام واحد من القبور وقد بدى عليها نوع من السكينة.. لتنتهي بعد دقائق مغادرة .... اقترب لحيث كانت تقف... كان قبر فتى توفي في السابعة والعشرين من عمره... خمن بأنه ربما حبيبها او اخوها... ثم غادر بهدوء

كانت مرته الخامسة لرؤيتها بعد خمسة أسابيع... إذ كان يحرص على القدوم مبكراً طوال هذه الفترة... وجدها تدخل بنفس الباقة... وكانت تترك زهرة على كل قبر... حرص على الاختباء جانباً إلى حين انتهائها كما يفعل دائماً... كررت ما فعلته سابقاً واتجهت نحو البوابة المعدنية التي تأخذها خارجاً فتبعها سريعاً...

ناداها وسرعان ما التفتت تواجهه... شعرت ببعض التفاجؤ إلٌا انه قاطع ذلك قائلاً...
"هل أنتِ من تتركين الزهور هنا كل يوم؟"
"اج... اجل... اعني كل اسبوع في الواقع... انا لا استطيع المجيء يومياً... آسفة إن أزعجك هذا.."
طأطأت رأسها ببعض الخجل الطفيف... ليسأل مجدداً...
"اعذريني... لكن هلا أخبرتِني عن سبب تصرفك هذا؟"
ابتسامة باهتة مع نظرة سارحة ارتسمت على محياها الرقيق فأعقبت..."لقد توفي أخي منذ ستة أشهر تقريباً... فكنت احرص على زيارته مبكراً كل اسبوع... ولمّا كانت المقابر حوله فارغة بشكل موحش... شعرت بالخوف من انني قد أنساه يوماً كما الجميع... شعور سيئ هذا... لذا فكرت بهذا... لكي أشعر أرواح أولئك البشر ان ذكراهم لم تتطاير في مهب الريح... وان هناك من يرجو لهم السلام... و في الواقع... انها ساحة صغيرة جداً لذلك لا يكون الامر مرهقاً لهذا الحد..."
"لهذا كان زهر الخشخاش؟!"
"ارى انك تهتم للأمر.."
"ليس جداً... راودني بعض الفضول عن الزهرة فحسب لذا قمت ببعض البحوث.."
"اعذرني إذاً..." استدارت لتذهب لكنه استوقفها سريعاً...
"مهلاً!... اعني... هل يمكنني مساعدتكِ بهذا؟!..."
"ولِمَ لا؟! سيكون رائعاً!" اجابت بابتسامة لطيفة ...
تبادلا الأرقام ليتفقا على الالتقاء الأسبوع القادم على ان يجلب كل منهما نصف كمية الأزهار التي تحضرها...
ورغم انه عرف اسمها إلا أنه سجلها باسم زهرة الخشخاش...

حكايا وازهارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن