هنا وفي هذه اللحظة...ولدت أنا،....من الخوف، الفزع، الحزن، الشوق ومرارة الفقدان التي إعتصرت قلب هاجر المسكينة.
فعندما رأت أختي الصغيرة نفسها في ذاك الموقف الشنيع، تنظر إلى بقايا وأشلاء جثث عائلتها المتناثرة على الأسفلت الأسود المغطى ببحرٍ من الدم الأحمر القاني،
… دم عائلتها التي لم يبقى منها سوى أخيها عبد الرحمَن الذي احتضنها في صدره ليحميها بجسده من شظايا الزجاج والمعدن الملتهبة، التي قذفها إنفجار سيارة العائلة الصغيرة بعد اصطدامها بشاحنة ضخمة.
اصطدام ما كان ليحدث لولا السائق الذي ظل يضرب السيارة باستمرار بدراجته النارية، في محاولة منه لجعل والد هاجر ينحرف عن الطريق فيأخذ منعطفا خاطئاً ليصطدم بشاحنة نقل الإثيريوم الضخمة.
محاولة كانت ….ناجحة للأسف،
أو ربما يجب أن أقول ... لحسن حظي؟!
وقبل أن تنفجر في وجهي معاتباً،
لا أنا لست أشمت بأختي الصغيرة هنا، لكن هذا الحادث كان سبب وجودي وليس ذنبي أن ذكرى مولدي هي أكبر كارثة حلت على رأس أختي الصغيرة.
إضافة إلى أنه تقنياً لو لم تحدث تلك المصيبة لما ولدت أنا وما كنت لتستمتع بقراءة هذه القصة الآن لذا … الأمر قد يكون فيه بعض الجوانب الإيجابية لو نظرت جيداً…..صحيح؟!
وفي الواقع … الأمر لم يكن بذاك السوء حتى بالنسبة لهاجر
فربما قد تكون فقدت أكثر من نصف عائلتها، لكنها صارت أقوى بكثير الأن، والصدمة التي كانت كفيلة بكسرها وإيقاف عقلها عن العمل في المرة الأولى …. لم تعد لتهُز شعرة من رأسها الآن
وهذا كان أول درس تعلمته من فراغي العزيز
"القسوة هي الوجه الحقيقي للحب "
فالإنسان بطبعه ضعيف لكن روحه قوية، اضغط عليه مرة، ... قد يتحمل…. أعد الكرة، وسيقاوم،
اعدها مجدداً، قد يتأذى قليلاً، لكنه ما زال قادر على الوقوف
أعدها ثانيةً وثالثةً دون توقف، اضغط عليه أكثر وبقوة أكبر … قد يصمد، لكن إلى متى؟، عاجلا ام آجلاً سيصل إلى حدوده، وفي نهاية المطاف سينكسر...ستنكسر روحه.
الإنسان ضعيف، لكن روحه قوية …. فإن كسرته مرة ونجا سيعود إليك ليس أقوى فقط ، بل وإنسان أفضل بكل المقاييس، فالضغط يصقل روح المرء ويجعلها أقوى، أنقى وأكثر اتزان ،
الروح قد تُكسر مرة لكنها تجدد نفسها بستمرار وما كسرها أول مرة لن يحرك فيها قيد أُنملة المرة القادمة .
فإن أحببت أحد ما، أو …. شيء ما
ستدرك عاجلاً أم آجلاً أنك مضطر للقسوة عليه … وهذا لصالحه، لجعله أقوى، ليكون جاهزا لمواجهة هذه الحياة التي لا ترحم،
سيكون الأمر صعباً في البداية، لكنك ستعتاد عليه مع الوقت، ومع الوقت أيضاً، سيدرك من تقسو عليه أنك تفعل هذا لأجله … تماماً كما أدركته أنا مع مرور الأيام والسنوات
