الفصل الثالث:
جلس سليم يقلب الملف بين يديه يتفحص بدقة سجل المكالمات الخاص بنجمة طوال الأسبوعين الفائتين، بينما يحاول قمع شعاع صغير داخله يشير إلي عدم صواب أفعاله لكنها من تدفعه لذلك وتجعل الشك سمة علاقتهما بأسلوبها وتلاعبها المستمر به.
ثم من سيكون لديه قدرة التطفل على الطرف الآخر ولن يفعل خاصة وان كان هذا الطرف كحبيبته المتمردة.
وعلى قدر جنونه وهيامه بها إلا انه يقسم بانه لن يرحمها إن اتضح بانها تخدعه كما يظن، زفر ثم نظر إلي الساعة فبعد غياب أسبوعين عن انظاره ومسامعه وذهابه مرات عديدة لانتظارها عند الجامعة دون ظهور منها قرر الذهاب إلي منزلها ومراقبة ان كانت تذهب لمحاضراتها بطريقة خفيه ما أم انها لا تذهب بالفعل كي لا تخاطر برؤيته.
زمجر أنفاسه في حده فها هو يموت ويذوب ذوبًا في لهفة لرؤياها بينما هي تعتزل الحياة كلها لتتجنب لمحه، صدق من قال أن الحياة غير عادلة.... هتف ينادي العسكري الواقف خلف الباب:
-محمد..
-أوامرك يباشا...
-دخلوا العيال اللي برا الحجز وابقى اعرضهم ع المأمور قبل ما يروح،
انا عندي مشوار مهم لو حد سأل عليا قوله طلع حملة.
وبذلك اندفع جاذبًا قبعته أسفل ذراعه متجهًا للخارج.
*****
مرت أكثر من ساعتين وهو يقف بسيارته على بعد بنائين من بنايتها، نظر إلي ساعة معصمه مفكرًا ساعة أخرى يتأكد بها إنه لم يُفوت نزولها وانها تغيب عن دراستها بالفعل، مط شفتيه في تذمر فها هو في أواخر العشرين من عمره يفعل ما لم يفعله وقت مراهقته.
أمسك هاتفه يحاول الاتصال بها أملًا أن تكون أخرجت رقمه من قائمة الحظر، وضع الهاتف فوق أذنه قبل ان يجز اسنانه برفض ونقم على افعالها حين اتاه رفض انطلاق المكالمة إلا إنه تجمد في مكانه ما أن رفع رأسه ليراها تخرج من المبنى بملابس بيتيه وشعر مرفوع أعلى رأسها بطريقة مهمله قبل أن تدخل إلى المتجر أسفل بنايتهم.
كبح رغبة شديدة في أن يهبط ويصفعها في منتصف الطريق لأنها لا تعاقبه بالابتعاد وحده بل تعاقب ذاتها معه، فتلك الهالات السوداء التي تحيط عيونها الذابلة والكيلوجرامات المفقودة من جسدها في أيام قليلة تعكس مدى اضطراباتها الحادة.
تابع خروجها بعد دقائق بحقيبة شراء دون أن ترفع رأسها من الأرض لتعود إلى المنزل في خطوات رتيبة مُتعبة وكأن فراقهما ينهكها جسديًا.
عض على شفتيه وأشعل محرك السيارة مقررًا المغادرة قبل أن يفعل ما يندم عليه عائدًا بشكل مباشر إلى مركز الشرطة لمتابعه أعماله المُهملة التي قد يعاقب عليها قريبًا.
طوال الطريق كان يحاول التوقف عن التفكير في بشرتها الشاحبة وتلك الهالات السوداء فعقله المشتت غير قادر على التفكير ناهيك عن التخطيط لخدمة أهدافه، فزفر يحاول إبعادها عن أفكاره لكن كل ما يسيطر عليه هو سؤال واحد....
لماذا تُصر على تحطيم قلبه بعد أن علقته بها؟
لا يزال يتذكر أول مرة قابلها فيها ولا تزال نظراتها القاتلة محفورة داخل صدره، يتذكر كيف كانت ترفعه للسماء كلما تقرب منها وكلما شعر بمشاعرها نحوه لتنفلت من أصابعه بعدها بقليل وتلقيه دون رحمة دافنه أماله تحت سابع أرض.
تذكر كيف حطم دفاعاتها ونجح في سرقة مكالمات وأحاديث طويلة بينهما خاصة حين وجد حساباتها على مواقع التواصل الالكتروني، كان يظن بانها تزيد من لوعه كي تشعل شوقه لها أو انها تخشى أن يظنها فتاة سيئة لكنها صدمته حين اعترفت له بعد ثمان أشهر ذاب فيها ذوبًا بأنها ترفض وجوده في حياتها لأنه رائد شرطة فهي ترفض الارتباط بهذا الفصيل ...
ضحك في سخرية متهكمًا، الوقحة كانت تحادثه بتعالي وكأنه مجنون حرب هارب من العقاب....
وصل إلى العمل أخيرًا دون شعور بالوقت وقد التهمه كل تفكيره وما ان دلف مكتبه حتى نادى في حدة:
-محمد.
-باشا!
صرح العسكري وهو يلقي تحيه عسكرية فاستكمل سليم في وجوم:
-نادي مسعد.
توجه العسكري الشاب للخارج في سرعة، وما هي إلا لحظات قليلة حتى دخل رجل سمين نسبيًا يرفع كفه في تحية قائلًا في قوة:
-اؤمر يافندم..
مسك ورقه وقلم ثم دون عنوان واسم قبل ان يعطيها له طالبًا:
-عايزك بكره تطلعلي مخبر العنوان ده يسأل عن البنت دي في المحل اللي كاتب اسمه،
وأكد عليه يا مسعد ميسألش في أي مكان غيره، يسأل هناك وياخد بعضه ويرجعلي ... مفهوم؟!
-مفهوم يا باشا..
سحب الورقة سريعًا قبل أن يغادر، جلس سليم فوق مقعده يدور به لليمين قليلًا وهو يعض شفتيه بتفكير ووعيد قائلًا:
-ماشي يا نجمة، مبقاش أنا لو معرفتش اميلك تحت رحمتي.
*****
جاء اليوم التالي سريعًا وعند الظهيرة زفرت نجمة في غيظ اثناء ارتداءها رداء الصلاة الفضفاض الخاص بوالدتها التي تحوم حولها منذ الصباح تريد فهم التحول الطارئ في تصرفاتها وسبب امتناعها عن الذهاب للجامعة:
-يا نهار اسود وكمان بتلبسي اسدالي اللي هرياني تأليس عليه!
نجمة لو في حد بيضايقك في الكلية قوليلي وأنا هتصل بابن خالتك حالًا يجي معاكي ويحميكي.
-ماما ابن خالتي مهندس مش بودي جارد وبعدين يحميني ايه وهو اصلا هربان من الجيش!
-بنت إيه هربان من الجيش دي!
اسمها جاله إعفا من الجيش.
-قصدك جاله واسطه يا ماما.
أخبرتها نجمة بانزعاج وتهكم فوالدتها لا تتوقف عن الحديث عنه لأنها تتمنى أن توافق على الزواج منه بأي طريقة منذ سنوات، اتجهت نحو باب المنزل متسائلة:
-عايزة حاجه غير الزيت والملح؟
مش هفضل كل شويه نازله اجيب حاجات.
-لا.
اجابتها والدتها بأنف مرفوع واتجهت للمطبخ متجاهلة إياها، هزت نجمة رأسها وذهبت للمتجر وبعد شراءها ما تحتاجه وقفت أمام الرجل الذي اتسعت عيناه ما أن رءاها وتجاهل المال في يدها قائلًا في نبرة متوترة:
-انسة نجمة كويس انك نزلتي، انهارده الصبح في واحد جه سأل عنك !
وضعت يدها فوق صدرها بتعجب متسائلة:
-واحد سال عني أنا؟
ومقالش هو مين؟
-لا، بس والله أعلم كده شكله مخبر.
شحب وجه نجمة وتسمرت في وضعها للحظات قبل أن تخبره في لهجة محرجة دفاعية يشوبها الغضب على شخص بعينيه:
-مخبر وانا هيسأل عني مخبر ليه يا عم محمد!
-والله يا بنتي انا قولت اللي حسيته.
-ماشي يا عم محمد على العموم كتر خيرك، بس لو ممكن طلب بلاش لو شوفت بابا تقوله حاجه من دي انت عارف بابا بيتوتر بسرعه.
قالت نجمة من بين اسنانها وهي توشك على البكاء رغم قناع الصلابة الذي ترتديه أمام الرجل المسن فأجابها الرجل سريعًا:
-من عيني يا بنتي، ربنا يباركلك ويبعد عنك ولاد الحرام.
اومأت رأسها في حركة ضعيفة شاكرة ثم اتجهت في خطوات سريعة غاضبة نحو المنزل ولديها إحساس يخبرها بإن ما حدث هو بفعل سليم المبجل الذي يرفض تركها في سلام وغروره يأبى رفضها..
دلفت المنزل ثم وضعت الاغراض فوق الطاولة مستأذنه والدتها بالدخول لغرفتها والنوم فتمتمت والدتها بموافقتها ولكنها تذمرت في غيظ:
-ما انتي بتنامي كل يوم وش الفجر وانتي سهرانه على المحروق التلفون، لازم تبقي مرهقة كده.
حركت نجمة رأسها بعشوائية واتجهت للداخل ممسكه هاتفها عازمة على محادثته فهي لن تتركه يشوه سمعتها، انتفضت بغضب تنتظر رده وبمجرد أن فتح الخط حتى انفجرت الكلمات من بين شفتاها كقنابل ضارية:
-انت ازاي تخلي مخبر يسأل عني!
أنت عايز تشوه صورتي في الشارع ولا انت مجنون ولا إيه بالظبط؟!
سمعت همهمته الباردة وهو يسألها متعمدًا حرق أعصابها:
-هاا خلصتي ولا لسه ؟
اتسعت عيناها ذهولًا من هدوءه ولم تستطع النطق رغم أن الحروف كانت تتصارع للخروج من بين شفتاها لإغراقه بوابل من الشتائم، استغل سليم صمتها وأكمل بنبرة منتصرة احرقت اعصابها بالغضب اكثر:
-كنت متأكد إنك هتكلميني على فكره!
لتزمجر فيه بحدة:
-ما أنت لو عندك احساس ومعملتش اللي عملته مكنتش هتصل لكن الباشا ماسبليش خيار تاني.
استطرد "سليم" في قلة حيلة مصطنعة ونبرة درامية:
-اعملك إيه مش أنتي اللي بتختاري الطريقة الصعبة، فيها إيه لو كنتي رديتي عليا بكل هدوء من غير الحوارات دي كلها؟
صرخت نجمة في انفعال من بين أسنانها:
-انا يا سيدي مش عايزة أرد ولا أكلمك!
سمعت تأتأته المستفزة تأتيها عبر الهاتف وهو يتابع بصوته الرجولي الأجش:
-تؤ تؤ، مش كل ما الجنونه تهب تقوليلي مش عايزه اكلمك مش لعب عيال هو.
اصطنعت نجمة الهدوء ومن ثم راحت تخبره:
-طب اهوه بكل هدوء وعقل هادي بقولك أنا مش عايزه أعرفك وبعد اذنك اخرج من حياتي.
-مش قبل ما اعرف ليه؟
ولا انتي عندك إنفصام، لأني متأكد ان جواكي مشاعر نحيتي!
جزت نجمة على أسنانها بكل الغيظ الذي يحمله العالم معترفة:
-ماشي جوايا يا سليم بس أنا مش عايزة المشاعر، هاه ايه رأيك في الصيغة دي؟!
تنهيدة ارتياح كادت تخرج من بين شفتا سليم، واخيرًا مع انتهاء جملتها رست عاصفة التفكير داخله لتستقر بين جنبات قلبه مؤكدة أنها تحمل له مشاعر، فتجاهل كل ما قالت ليجيب بنفس البرود:
-رأيي إني عايز أقابلك، حددي معاد يناسبك لأني مش هسيبك إلا لما نحط النقط على الحروف.
-يانهار اسود، يانهار اسود، نقول طور يقول احلبوه!
-على فكره بقا انا صبري بدأ ينفد، فـ انا اللي هحدد يوم *** الساعة *** ولو ملاقتكيش قدامي في نفس الدقيقة،
قسما عظمًا لتلاقيني قدام باب بيتكوا وقد اعذر من انذر !
وما إن انهى جملته حتى أغلق الهاتف في وجهها، لتكتمل ابعاد الذبحة الصدرية التي كادت تُصيبها حرفيًا مرددة:
-قفل في وشي السكة!!
بينما على الطرف الآخر كانت ابتسامه سليم المشاكسة تملئ وجهه وهو يتخيل وملامحها تشتعل غضبًا وغيظًا، أعاد رأسه للخلف يعيد اعترافها الغير مباشر بأنها تكن مشاعر له، ورغمًا عنه عادت ذاكرته لثاني لقاء جمعهما.
***
كانا متواجدان في حفل عيد ميلاد المقام في منزل داليدا صديقة "نجمه" وزوجها رامي صديق "سليم" الذي كان أول الحاضرين، ما ان علم بحضور نجمة التي فاجأته بحصارها لأفكاره طوال الأسابيع الماضية مقررًا استغلال فرصته وألا يتردد كالمرة السابقة فتلك المرة لن يتركها حتى يجد طريقة للتواصل معها.
في بداية اليوم كانت نظرات نجمه تنم عن امرأة رافضة حانقة تجاهه، لكنه استطاع بمشاكساته وغزله المستمر تحويلها إلى نظرات أخرى لامعه متوهجة بمشاعر وجدت صداها بين ثنايا صدر سليم وأحسها كرجل..
انتظر بشدة إطفاء الشموع وانصراف كل شخص بصحنه إلى الطرف الذي يريد، مراقبًا نجمه تتجه نحو الشرفة حيث استكانت مغمضة عيناها بعيدًا عن الضوضاء مستمعة بالهواء الطلق، وخلال دقيقة تقريبًا كان سليم خلفها لتظهر ابتسامة صغيرة على شفتي نجمه، فقد كانت متيقنة أنه سيتبعها.
قطع سليم الصمت مرددًا بابتسامة رجولية تعلقت بها عيون نجمه بينما ينظر هو لخصلاتها المتطايرة حول وجهها المتورد:
-شكلك بتحبي الشتا!
سألته نجمه بنفس الابتسامة:
-عرفت منين؟
غمزها سليم بطرف عينه ومن ثم أخبرها بزهو مصطنع:
-خبرة بقى.
أومأت نجمه رأسها وهي تنظر للا شيء امامها فعم الصمت لثواني قبل أن تتساءل من باب الذوق:
-هو أنت ورامي صحاب من بدري؟
أومأ سليم مؤكدًا بابتسامة سعيدة وقد فتحت بابً لأي حديث:
-اه من بدري فعلاً من أيام ثانوي، اشمعنا؟
هزت نجمة كتفاها وهي تردد:
-لأ اصلي اتفاجأت لما شوفتك، متوقعتش إنه يعزمك يعني وكده بس قولت اكيد انتوا صحاب اوي زيي انا وداليدا.
كانت تتحدث وأصابعها تتحرك بعشوائية لتزيح خصلات شعرها عن وجهها ثم تعود لتمريرها فوق ذراعها تتطلب الدفء، بينما سليم يتابعها في شغف حار ولهفة عكس تحذيرات عقله من التسرع حتى لا يُقلقها، لكنه على غير المعتاد رمى بتحذيراته عرض الحائط واقترب منها وهو يخلع سترته قبل أن يضعها على كتفاها بحركة مباغتة.
تمسك بمشاعر الصدمة الجلية على وجهها حتى يكبح أصابعه من رغبتها جذب السترة وهي معها حتى تلتصق به.
اكتفت نجمة بشهقة مكتومة متفاجئة لفعلته وهي ترفع عيناها تلقائيًا له ممسكه بعينيه البُنية اللامعة في وصال مُلغم بمشاعر تتفجر داخل كلاهما مع كل ثانية تمر، حتى سمعته يهمس أمام وجهها في خشونة مفعمة بالعاطفة وأنفاسه اقتربت حتى صارت تلطم وجهها:
-أنتي جميلة جدًا..
ابتلعت ريقها بتوتر، فليس لسانه وحده الذي ينطق بجملة الغزل فعيناه ... وآآهٍ من عيناه حين تتشابك بألسنة نيران العاطفة فتجبرها على الاستسلام.
سعلت بقوة ثم عادت خطوة للخلف تشدد على السترة بأصابع مهزوزة حتى انتزعتها من بين أصابعه وهي تتمتم بصوت رقيق خافت:
-ميرسي.
ارتفع طرف فمه وقد راقه توترها الذي يدل على أنها لم تخض تلك التجربة سابقًا كما كان يشك، رفعت نجمه كأس الصودا تشربه كي تخفف من حدة توتر الموقف مشيرة برأسها للداخل:
-هروح اخد من داليدا موبايلي عشان هي بتشحنهولي.
حرك سليم رأسه وهو يراقبها بابتسامة واسعة، ركضت نجمة في ارتباك لكنها اصطدمت بإحدى الفتيات اللواتي كن يمزحن ويركضن فسقط الكأس على ثياب نجمه التي شهقت وهي تنظر لفستانها المبتل، اعتذرت الفتاة مسرعة:
-سوري يا نجمه سوري بجد مخدتش بالي منك والله.
حركت نجمه رأسها قائلة من بين ابتسامة مجاملة:
-حصل خير..
اقتربت داليدا من الخلف تتفحص فستانها متسائلة:
-هجبلك حاجة تلبسيها عشان الفستان حتى لو حاولنا ننشفه مش هينشف بسهولة!!
حركت نجمه رأسها نافية وهي تخبرها:
-لأ لأ مفيش داعي أنا هروح.
-متأكدة، مش عايزة تقضي اليوم؟
-لا حلو كده، انا اصلا كنت مروحه.
ربتت داليدا على كتفها متابعة في حنو:
-طيب يا حبيبتي زي ما تحبي.
ابتسمت لها نجمه ثم تنهدت متجهه نحو المرحاض، اتبعها سليم الذي لم يرد التدخل لكنه وقف أمام المرحاض منتظرًا خروجها، وبالفعل خرجت بعد دقائق وعلامات اليأس تعلو وجهها، ليباغتها سليم ما إن خرجت قائلًا:
-تعالي معايا هوصلك بالعربية.
رمشت نجمه قبل أن تحرك يدها نافية بهدوء:
-ميرسي يا سليم بس البيت مش بعيد أنا هروح لوحدي.
اقترب سليم أكثر حتى اصبح امامها مباشرةً يشير إلى ملابسها المُبللة التي التصقت بها نوعًا ما:
-انتي عايزاني أسيبك تمشي دلوقتي لوحدك وهدومك لازقه على جسمك كده؟!
عضت على شفتاها في حرج وهي تنظر لملابسها، ورغمًا عنها كأي انثى كلماته الغيورة جعلت شيء من السعادة يداعب جوارحها، ولكنها هزت رأسها نافية في إصرار:
-صدقني البيت مش بعيد، لو بعيد كنت قولتلك، أنا همشي عشان بدأت ابرد من الهوا، باي.
قالت أخر كلماتها بارتباك وهي تعيد له سترته بينما تفر هاربة من أمامه قبل أن يعترض، زفر سليم بصوت مسموع وهو يمسح على خصلاته متعجبًا من عنادها، ولكنه وضع السترة فوق كتفه في إهمال مقررًا التوجه خلفها دون موافقتها.
كانت نجمه في طريقها لمنزلها تسير مسرعة داعية ان تمر الليلة على خير دون يخرج عليها قطاع طرق أو مغتصبون مثلًا، أو ذلك الكلب المجنون الذي يكرهها ويكره وجودها في المنطقة، لكنها ما انهت تفكيرها حتى استوقفها كلب كبير ذو هيئة مُرعبة لأي كائن حي ناهيك عن أنثى ناعمة.
تجمدت لحظات تنظر للكلب الذي بادلها النظر قبل أن ينطلق بخفه مزمجرًا بنباحه، صرخت نجمه وهي تراه يتقدم نحوها مطلقة ساقيها للرياح راكضة للخلف حيث استقبلها بين أحضانه سليم الضاحك الغير متوقع لمظهرها المرتعب، تعلقت بصدره بينما تصرخ في فزع غير مبالية بمن اصطدمت:
-الحقني.. كلب.. في كلب.
استغل سليم الفرصة ليُقربها منه ويسألها باستمتاع:
-الحقك وتديني رقمك؟
هزت نجمه رأسها مؤكدة بهلع:
-حاضر ...ااه ... هيعضنا اهو شوف الكلب.
نظر سليم للكلب الذي ينبح دون أن يتقدم نحوهما حتى وبحركة خفيفة من يده كان الكلب يعود ادراجه، أطلقت نجمة زفرة ارتياح، ليستطرد بنبرة ساخرة وهو يرمقها بطرف عيناه:
-لما انتو مش قد الكلاب بتنزلوا لوحدكوا ليه!
وضعت نجمه يدها على صدرها تتنفس بصوت مسموع وهي تتمتم بصوت واهن مغتاظ:
-أنت مش فاهم، الكلب ده مستقصدني كل ما أعدي من هنا.
ارتفع حاجبي سليم في سخرية لكنه همس في خشونة مراوغة غامزًا إياها:
-لو مضايقك الكلب، اسلسلهولك واجبهولك راكع يا قمر.
ضحكت نجمه لكنها استدارت تتنحنح وهي تخبره:
-انا اتأخرت.
سارت خطوة ولكنها توقفت حين قال بعبث ماكر:
-طب اديني رقمك عشان لو الكلب اتعرضلك تاني!
ضحكت نجمه وهي تهتف دون أن تتوقف عن السير او تنظر نحوه:
-زيرو واحد ..............
ومنذ تلك اللحظة والتواصل بينهما لم ينقطع فقد حرص سليم على توطيد علاقتهما طوال الشهور التالية بالحديث والغزل المستمر متعمدًا الانخراط في حياتها حتى وان كان تحت مسمى الصداقة ارضاءً لسبب داخلها لا يعلمه!
***
-بااشاا انا مظلوم يا باشا.
صدح الصوت الإجرامي الغليظ والمندفع من الباب، فانتفض سليم واقفًا في خضه بعد ان اخرجه من سحر ذكرياته ليغمغم مغتاظًا:
-ده أنت لو مظلوم، أنا هفضل اظلم فيك لحد ما تختفي،
الله يحرقك، قطعتلي الخلف !
مسح سليم على وجهه في غيظ ثم أعاد انتباهه مرغمًا إلى الرجال أمامه على أمل مزاولة عمله تاركًا جنون نجمته الآن.
أنت تقرأ
نجمة الباشا
Dragosteنوفيلا لايت كوميدي ..... مشتركة بين الكاتبة دينا إبراهيم روكا والكاتبة رحمة سيد .... ضمن إحتفالية جروب بيت الروايات والحكاوي المصرية هي نزلت هناك بس هتنزل بعد الحصري يوم ٣٠ / ٦ على الواتباد والجروب والبيدج الرسمي بتاعنا❤