اليوم الأخير

19 2 2
                                    

صباح الواحد من تموز... الساعة السابعة تقريباً

الأجواء حارقة منذ بداية الصباح إنها أيام الصيف المعهودة،
قميصه المعتاد بلونه الرصاصي، فضفاض قليلاً، شعره الأبيض تماماً، خفيف جداً حتى يُميّز إليك كأنه أصلع من بعيد، كان يتركه أكثر كثافة في السابق عندما كان السواد ما زال يسكن أجزاء كثيرة من شعر رأسه،
يخرج متمهلاً من داره، يقف عند الباب يلتفت إلى قطبي الشارع بسرعة كمن يراقب شيئاً،... حسناً لا أحد في الخارج،
يسير مسرعاً ليتجاوز نهاية شارعه، نعم... خشيةً من مصادفة الناس في طريقه، تجاوزاً لأسألتهم وسلامهم
هذه المرة لم يصادفه أحد لحسن حظه، تجاوز الشارع بسلام،
عند ناصية الطريق المعبد يجلس أبو نوري على علبة معدنية مطعجة إلى مسطبته الخشبية الصغيرة يعرض عليها أنواع السكائر بالإضافة إلى أنواع الحلويات المغلفة،
يمر به أستاذ جليل...
-صباح الخير أبو نوري، كيف حالك؟
-صباح النور أستاذ جليل، حفظك الله(يقف إحتراماً...
-إنك اكبر محتال أبا نوري تلعب على الحبلين، فأنت تبيع للصغار حلوياتهم وللكبار سكائرهم وكلاهما مضر على جيله،
يبتسم أبو نوري بخبث وكأنه يعلم مكر عمله،
كبر بالعمر كثيراً وفارق العديد من أسنانه، بات يعجز عن الكثير من الأعمال الحياتية اليومية، لكنه ما زال متمسكاَ بمسطبته
هندم أستاذ جليل هيئته وتأكد من أنه أنيق، نظر إلى ساعته بصورة عفوية،
إلتفت إلى أبي نوري...
-أبو نوري سأفيدك اليوم،...(يقترب منه
أردف
-أعطني علبة سكائر، الأغلى عندك(يخرج نقوداً من جيبه
-هل عدت للسكائر أستاذ جليل بعد سنوات من تركها، هذا مؤسف لكنه يسعدني (يناوله علبة السكائر
-فقط هذه المرة أبا نوري،
يكمل طريقه مشياً إلى المدرسة، بالنسبة إليه المشي في أول الصباح ينشط الجسم ويحفز الدماغ للعمل بصورة جيدة،...
🍁🍁🍁
عند باب المدرسة يقف متأملاً قليلاً، يسترجع بعض الذكريات،
لحظات وأقترب منه رجلاً تجاوز الثلاثين من عمره بثوبه التقليدي (الدشداشة) وشماغ على رأسه،
-مرحبا أستاذ جليل، نورت المدرسة (يصافحه بحرارة مع قبلاته اليومية...
-السلام عليكم، كيف حالك أبا مزهر،
ينهي تبادل القبلات
ثم أردف
-حضر الطلاب؟
-ينتظرونك منذ نصف ساعة، وجوههم يملؤها الأسى والحزن، يوم لن تنساه المدرسة أبداً، يوم مشؤوم...
قاطعه أستاذ جليل
-كيف حال أبا سعدون؟ أرجو أن تكون صحته قد تحسنت...(يدخلان إلى المدرسه
يكملان طريقهما يتبادلان الحديث عن الحال وما شابه،
يصلان ألى قاعة دراسية من عدة قاعات متراصفة حيث ينتظر التلاميذ أستاذ جليل،
يقف الجميع فور دخوله القاعة، متزاحمين بلغ عددهم أكثر من السبعون طالب، لم تكفي المقاعد الدراسية لكن مساحة القاعة تتحمل عددهم،
في هذا اليوم يجب أن تتحمل عددهم وأكثر، يوم سيبقى في الذاكرة، مهم... أهم من كل الأيام السابقة والقادمة بالنسبة لهم،
الإبتسامات في وجوههم لكن بملامح حزينة،
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(يشير إليهم بالراحة أن إجلسوا
يردون السلام، لكن لا أحد يجلس ومن جلس عاد ليقف، إحتراماً فيما بينهم فبعضهم لن يستطيع الجلوس،
إبتسم أستاذ جليل إبتسامة فخر ورضا، يعرف بأن إحترامهم في ما بينهم ناتج عن بذور زرعها، ليست في أوج ثمرها لكنها في بداية خصوبتها ويعلم النتيجة مسبقاً...

طريق الأجيال#حيث تعيش القصص. اكتشف الآن