عندما كنت في التاسعة من العمر حدثت اولى التغيرات في حياتي، في بداية ذلك اليوم مشؤوم ذهبت للمدرسة كالمعتاد ثم عدت للمنزل ساعدتني والدتي في حل واجباتي ثم رحت اطالع التلفاز مع اخوتي، حتى ذلك الوقت ظننته سيكون يوماً عادياً كباقي الايام لكنه لم يكن كذلك، في تمام الساعة الخامسةِ مساءً ذهب والداي الى السوق ليقضوا بعض حاجيات المنزل، اخبرونا ان نذهب معهم لكننا رفضنا ووضع اخي الاكبر مسؤولية العنايةِ بنا على عاتقه، وثق به والداي وخرجا.
عندما حلت الساعة التاسعة تقريباً ولم يعودا بدأ القلق ينتابنا جميعاً، لذلك قرر اخي الاتصال بوالدي
-مرحباً، ابي لما لم تعودوا حتى الآن؟
-انا قادمٌ الآن، اجمع اخوتك ولا تتركهم لوحدهم انا قادمٌ في الطريق
قال هذا ثم اغلق الخط.
كان اخي متحيراً لم يفهم ما قصد ابي، او لما يجب عليه جمعنا، وماذا عن امي لقد اخبره انه سوف يعود وحده، اذاً ماذا عن امي، تبادرت جميع هذه الاسئلة في ذهنه لكنه قرر الانتظار، جمعنا واخبرنا بمشاهدة التلفاز ريثما يصل والداي، وهذا افرحنا كثيراً في الحقيقة، لقد تعدت الساعة التاسعة لكننا مسموح لنا بالمشاهده، لقد بدى كأن هذا اليوم سيكون الافضل.
بعد ساعةٍ تقريباً، وصل والدي، اظن ان هذه كانت اول مرةٍ ارى والدي يبكي، كانت عيناه حمراوان، وكان معه خالتي الوحيدة، تعجبت جداً لمَ خالتي معه واين امي؟ ، اخبرته بذلك فبكى وبكت خالتي، عجبت جداً لمَ يبكيان هل حدث شيءٌ ما؟، اظن انني فهمت الموقف لكنني لم ارد تصديقه كنت اصر على السؤال، كان اخي يخبرني ان اتوقف عن ذلك لكنني لم اقبل، لقذ اصريت على معرفة الاجابة، وفي هذه اللحظة اخبرنا والدي بما لم نرد سماعه
-والدتكم ماتت
كان هذا كل ما تفوه به، في ذلك الوقت لم اعلم ما يجب ان اشعر به، اظنني كنت غاضبةً اكثر من كوني حزينة، كنتُ ساخطةً على العالم، حاولت خالتي معانقتي لكني رفضت العناق، وددت فقط ان ابقى بمفردي!.في اليوم التالي، اقيم العزاء كان هناك الكثير من الناس، كان الجميع يبكون لكنني لم ابكِ، كنت لا ازال غاضبة، ورغم وجود هذا العدد الكبير من الناس اللذين يحاولون مواساتي والوقوف بجانبي الا انني كنت اشعر بوحدةٍ شديدة، شعرت كما لو انني كنتُ الوحيدة في هذا الموقف، كانت اختي تبكي بجانبي وخالتي تبكي معها، كانوا يخبرونني ان ابكي وان عدم البكاء سيؤذيني، لكن عيني تأبى ان تستمع لي، لقد اردت البكاء، لقد تمنيت البكاء حقاً لكنني لم ابكِ، بدلاً عن ذلك كنت اشعر بوجود حجرٍ في حلقي يمنعني من الكلام، وكان قلبي يؤلمني كثيراً، تمنيت لو اقذف قلبي لعلي استريح من هذا الالم.
عندما عدنا للمنزل، استقبلنا والدي، كان ضعيفاً جداً، لم اصدق انه نفس الشخص، تمعنت فيه كثيراً، شعرت انه كان انحل، عيناه حمراوان، اسفلهما يوجد هالاتٌ سوداء، اراد الوقوف ليحتظننا لكنه لم يستطع، كانت رجلاه ضعيفتان لم تستطيعا حمله قال لنا:
-فلتأتوا لتعانقوني، قد لا استطيع ان اعطيكم حنان امكم لكنني سأحاول ان اكون لكم الام والاب
تراكض له اخواي، لكنني لم افعل، سألني بتعجب
-لمَ لم تأتي يا صغيرتي؟
-لا داعي لتعانقني، فأنا قوية جداً لا احتاج لمعاونةٍ من أحد، فلتعتني بإخوتي وسأعتني بنفسي
عندما سمع والدي كلامي بكى كثيراً، اخبرني ان لا اقول هذا مرة اخرى وان آتي لعناقه، فذهبت.
بعد ثلاثة ايام انتهى العزاء، في الواقع لقد ارتحت كثيراً، كنت اكره التظاهر جداً، كنت متأكدةً ان جميع من ذهبوا لا يحملون اي مشاعر اسى او حزن وحتى من يبكون كانت دموعهم مزيفة، لقد كرهتهم جميعاً، وددت لو اخبرهم اني اعلم انهم يتظاهرون واني لا احتاج لتظاهرهم، لكنني لم افعل، قد يكونون يتظاهرون لكنهم جعلوا اختي فخورة بوالدتي، اخبرتني ذات ليلة:
-أرأيتي عدد اللذين حضروا للعزاء؟ انهم كثيرون جداً، لابد ان والدتي كانت محبوبةً جداً اتمنى ان اصبح مثلها عندما اكبر
-نعم لقد رأيت، لا تقلقي انتِ ايضاً لديك الكثير ممن يحبونك، لكن لا داعي لان تتكلمي عن موتك الآن، فلا طاقة لي حتى على سماع ذلك
-انا اسفة، لكنني حقاً كنت سعيدةً ان الكثير من الناس يحبون والدتنا
-نعم، كيف لهم ان لا يحبوها
انتهى كلامنا وغطت اختي في النوم، اما انا فبقيت مستيقظة لم استطع ان انمالآن وبعد مرور ٨ سنوات، ومنذ ذلك اليوم لم استطع ان ابكي، ولا اظن انني قد ضحكتُ بصدقٍ ايضاً، منذ ذلك اليوم لبست قناع التظاهر دائماً، تظاهرت بالسعادة وبالحزن حتى انني تظاهرت بالاندهاش والتفاجؤ، لكن في الحقيقة لم اعد استطيع ان اشعر بشيء، كنت اظن انني ان تظاهرت بالشعور سأشعر في نهاية المطاف لكني لم افعل، كنت فقط ارتدي قناعاً واخاف ان يسقط قناعي فأكسر، كنت دائماً اتظاهر بالقوة لكنني في الواقع قد اكون الاضعف